القصة أوردتها جريدة الشرق تقول باختصار إن الشؤون الصحية في منطقة عسير أدرجت مشروعاً لتطوير مركز التشخيص والولادة في بلدة بارق، بكلفة قدرها 30 مليون ريال، ضمن مشروعاتها التي رفعتها للاعتماد من وزارة الصحة في ميزانية العام 1433/1434ه، بينما ينفي أهالي البلدة وجود المركز على أرض الواقع من الأساس، وأحد المواطنين اطلع وزير الصحة على حقيقة الأمر، ودعم شكواه بكل الإثباتات التي تكشف تلاعب صحة عسير، فيما وعد الوزير أنه سيحقق في الموضوع. صحة عسير أرسلت خطاباً للرد على استفسار وزير الصحة موجهاً لمدير التطوير والتخطيط، وخطاباً آخر لمدير عام المستشفيات في الوزارة، يؤكدان فيهما عدم وجود مركز للتشخيص والولادة في بارق. ووفقاً لبيان الوظائف الصحية فإن مجموع الوظائف التي شغلتها صحة عسير لصالح مركز التشخيص في بارق، بلغت نحو 78 وظيفة، شملت مختلف المسميات بين أطباء، ممرضين، فنيين، مستخدمين، ووظائف إدارية أخرى شغلت منذ عشرين عاماً. كيف تقرأ هذه القصة؟ فلنبدأ بعين الوزير الذي بدأت القصة قبل تعيينه، واحسبه يعد مركز التشخيص ضمن المنشآت الصحية التي يحصيها لمجلس الوزراء، ولوزارة المالية مثلاً، وهو محسوب في كل معلومة إحصائية تنشر عن المملكة. بعيون أهالي بارق، كأنهم يشعرون الآن بأنهم مثل الأيتام الذين جمعت الأموال من الجمعيات الخيرية لأجلهم لكنها ذهبت الى أيد غير خيرة، ولأهداف ليس من بينها المسح على رأس اليتيم. بعيون صحة عسير: «وش نسوي، المالية رافضة تعطينا وظائف، قمنا ابتكرنا هذا المركز الوهمي». بعيونك أنت عزيزي المواطن القارئ ستقول فقط إلى متى؟ عشرون عاماً وصحة عسير تخدع وزارة الصحة، والمالية، وربما وزارة الشؤون الإسلامية إذا كان ضمن المشروع مسجد يحتاج لإمام ومؤذن كانوا ضمن الثماني والسبعين وظيفة. 78 وظيفة لو افترضنا أن متوسط أجورها سبعة آلاف ريال فهذا يعني 131 مليون ريال و «فكة» صرفت خلال عشرين عاماً على أنها من الوطن لأبنائه ورعايتهم الصحية في مدينة صغيرة كان المسؤولون يظنون أنها مشمولة بالمشاريع الصحية. حسناً، هذا المبلغ لم يسرقه أحد بعينه، كان يصرف شهرياً لثمانية وسبعين موظفاً، لكن مكمن الفساد أنهم لم يكونوا في بارق، بل ربما بعضهم «يداوم» في العاصمة الرياض، وربما في مكتب احد الوكلاء. قضية جاهزة أمام كل من وزير الصحة، وزير المالية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، وأمام الرأي العام، وهي ستفتح ملفات كثير من المنشآت والوظائف المسجلة على الورق فقط، والرواتب التي تصرف لوظائف لا تمارس في قطاعات ووزارات أخرى، والتسجيل على كادر «حليو» على رغم عدم العمل به. 131 مليون ريال ليس رقماً تضن به الحكومة على الناس، وليس عبئاً اقتصادياً بالنسبة لنا، لكنه بالتأكيد فرصة إصلاحية، تشخيصها فاضح، وعلاجها واضح. [email protected] twitter | @mohamdalyami