قالت مصادر عسكرية فرنسية إن العبوة التي استهدفت الجنود الفرنسيين في جنوب لبنان يوم السبت الماضي كانت بقوة تكفي لتكون قاتلة وإن الحظ لعب دوراً في نجاتهم، فبعضهم كان يدخن وإحدى النوافذ كانت مفتوحة ما خفف من تأثير الانفجار داخل السيارة. وقال أحد العسكريين، وهو اختصاصي دبابات، إن نوافذ الدبابة تفتح دائماً تحسباً لاحتمال وقوع انفجار. وأوضحت المصادر أنه لو كانت هناك سيارتان ووقع الانفجار في وسطهما لكانت الخسائر أكبر. وأضافت المصادر أنه على رغم أن العسكريين يضغطون على أصحاب القرار السياسي في فرنسا لسحب الوحدة الفرنسية من القوات الدولية في جنوب لبنان، تعتبر الأوساط السياسية ومنها وزير الخارجية آلان جوبيه وأوساط الرئيس نيكولا ساركوزي أن سحب القوات الفرنسية يعطي إشارة سلبية للمنطقة وانطباعاً بأن الحرب وشيكة وبأن هناك ضوءاً أخضر لإسرائيل لضرب، إما سورية وإما «حزب الله»، على رغم أن وجود القوات لا يمنع ذلك تقنياً، ولكن لو غادرت لكان فوراً التصور أنه مؤشر إلى حرب. إضافة إلى أن إسرائيل تقوم بخطوات لدى الإدارة الفرنسية كي تبقى القوات الفرنسية والأوروبية، وهذا من شأنه أن يقنع الرئيس الفرنسي بعدم سحب القوة إذا لم يطرأ حادث جديد يستهدف الجنود الفرنسيين ويقتل منهم. ورغبة إسرائيل في بقاء القوات الفرنسية هي ضمانة لبقاء الجنود الفرنسيين الذين إذا انسحبوا تبقى القوات الأكبر عدداً الإندونيسية والماليزية، وإذا سلمت القيادة لأي من البلدين يعني ذلك أن القيادة تصبح لدول إسلامية ليست لها علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل ما يخلق مخاوف لدى الجانب الإسرائيلي. أما تصريحات الوزير جوبيه عن اعتقاده أن الهجوم كان رسالة من سورية عبر «حزب الله» إلى فرنسا فتنبثق من معلومات يتم تداولها في الأوساط المراقبة للأوضاع في سورية ولبنان عن أن هناك طلباً سورياً من «حزب الله» للتصعيد مع إسرائيل كان إطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية على إسرائيل قبل أسبوعين ثم قبل يومين في سياقه. ولكن معلومات باريس تفيد بأن «حزب الله» محرج من الطلبات السورية وبأنه ينفذها بأدنى الممكن لأنه لا يحبذ، حالياً، التصعيد مع إسرائيل وقيام حرب مع إسرائيل على الأرض اللبنانية ليست في مصلحته. إلى ذلك قالت مصادر فرنسية مسؤولة إن فرنسا ترى أنها ينبغي أن تمارس ضغطاً كبيراً على الأطراف في لبنان ليبقى هادئاً وهذا الضغط هو نتيجة الموقف الفرنسي المتقدم والشديد اللهجة على النظام في سورية. فباريس ترى ضرورة القيام بالمهمتين: إدانة قمع النظام السوري وفي الوقت نفسه الاهتمام بأن يبقى لبنان هادئاً. وتعتمد باريس على سفيرها في لبنان دوني بييتون لتمرير رسائل ونصائح الاعتدال والهدوء فيه. وترى باريس أنه خلافاً لما كان يتردد عن أن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب الميقاتي لن ينفذ وعوده ها هو ينفذ كل ما وعد الجانب الفرنسي به منذ كانون الثاني (يناير)، وموّل المحكمة كما قال، إضافة إلى أنه فور العملية التي استهدفت الجنود الفرنسيين قال إنه سيعقد اجتماعاً أمنياً للنظر فيها، وعمل على تعزيز وجود قوات الجيش اللبناني في الجنوب إلى جانب «يونيفيل». وقالت إنه أظهر حزماً كبيراً بعد العمليات التي استهدفت الفرنسيين منذ بضعة أشهر وتم اتخاذ إجراءات أمنية مع قوات الأمن والجيش لتأمين وحدات «يونيفيل». وتعتقد باريس أن ميقاتي عمل بجدية في الملفات التي تعني فرنسا. وأوضحت المصادر أن اهتمام جوبيه وسفيره في لبنان هو أن يتجنب اللبنانيون استيراد صراعات ليست لهم، أي أن على الأحزاب اللبنانية ألا تنقسم بسبب ما يجري في سورية، وأن سياسة ميقاتي كما عبر عنها لفرنسا، هي تحييد لبنان عما يجري في سورية، وهذا ما قام به في مجلس الأمن عندما امتنع لبنان عن التصويت وأيضاً في الجامعة العربية باستثناء معارضة لبنان تعليق عضوية سورية. وتتفهم فرنسا امتناع لبنان في المنظمات الدولية بالنسبة إلى سورية ولكنها تنزعج حين يكون التصويت سلبياً. وعموماً يعتبر امتناع لبنان حلاً معقولاً بالنسبة إلى التحليل الفرنسي. وقالت المصادر الفرنسية إن على رغم كل الإيجابيات في أداء ميقاتي ما زالت فرنسا غير راضية عن كيفية وصول هذه الحكومة إلى السلطة مع إسقاط «حزب الله» حكومة سعد الحريري، فهذا يمثل بالنسبة إلى فرنسا نوعاً من خطيئة في الأصل. ولهذا السبب جاءت الدعوة من نظيره الفرنسي فرنسوا فيون وليس من الرئيس ساركوزي علماً أن الأخير كان بعث رسالة له تثمن إقدامه على التمويل. ولكن بعد ذلك تعترف الأوساط في باريس بأن ميقاتي يعمل بأفضل ما يمكنه فعله. ولكن هناك مواعيد أخرى منها التعيينات وعدم السماح بالمس باتفاقية المحكمة. وفي التعيينات هناك ترقب ما إذا كان يستطيع التصدي لتعيين شخص على رأس إدارة الجمارك لا ينتمي إلى «حزب الله» الذي، في غياب طريق تزويده السورية، يريد وضع يده على المطار والمرفأ. كما أن الاختبار الآخر سيكون في موضوع القضاة اللبنانيين في المحكمة الدولية في لاهاي، فهم معينون بقرار من الأمين العام للأمم المتحدة ولكن عائلاتهم في لبنان وهناك خوف من أن يمارس ضغط عليهم. وقالت المصادر إن باريس ستشجع ميقاتي عندما يزورها في أواخر الشهر المقبل، بعد زيارة الأمين العام للأمم المتحدةبيروت، على ضرورة الحفاظ على الهدوء والاستقرار في لبنان، ولكنها ستعطيه بعض الرسائل الأساسية حول احترام حقوق الإنسان بالنسبة إلى التعامل مع اللاجئين السوريين في لبنان، إذ إن لباريس ملاحظات على أداء الأجهزة الأمنية في الشمال. كما أن باريس مدركة كلياً أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لعب دوراً أساسياً في موضوع تمويل المحكمة، ولكن لولا حرص سورية على بقاء هذه الحكومة لما تمكن من ذلك، وكان عزم ميقاتي على الاستقالة دافعاً للقرار السوري بتمرير التمويل، ولم يكن «حزب الله» مرتاحاً إلى القرار السوري. وتعتقد المصادر أن زيارة ميقاتي باريس ستكون مهمة في الظروف الحالية والرسائل التي سيتلقاها سيكون بعضها إيجابياً وبعضها سلبياً. وترى باريس أن قوى 14 آذار ارتكبت أخطاء في تظاهرة طرابلس التي تحولت إلى تظاهرة مذهبية لأهل عكار. وتلاحظ باريس أن الكل لديه مشاكل مع العماد ميشال عون، من حلفائه في «حزب الله» إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وتتابع المصادر أن الوضع الاقتصادي في لبنان غير جيد وأن ميزان المدفوعات سلبي وكل هذه الأمور سيتم تداولها خلال لقاءات ميقاتي مع ساركوزي ورئيس الحكومة فرانسوا فيون ووزير الخارجية آلان جوبيه.