تنطلق في المغرب جولة جديدة من المشاورات بين رئيس الحكومة المعين عبد الإله بن كيران وثلاثة من الأحزاب المشكلة الائتلافَ الجديد، بهدف اختيار الوزراء الذين ستتشكل منهم الحكومة المقبلة، في وقت اقترح حزب «العدالة والتنمية» الفائز، الاستحواذ على وزارات كبيرة مثل المال والتعليم والصحة والعمل والسكن، وهي من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الرئيسة في المغرب التي تراهن عليها الحكومة لتحقيق نمو في الناتج الإجمالي يراوح بين 6 و7 في المئة وفق الوعود الانتخابية. وسأل مراقبون إلى مَن ستؤول وزارة كبيرة أخرى مثل السياحة والزراعة، التي تساهم مجتمعة بنحو 27 في المئة في الناتج المحلي، ويعمل فيها نحو 40 في المئة من السكان، ولها أجندة استثمارات مغربية وأجنبية تقارب 300 بليون درهم، من خلال برامج «المخطط الأخضر» الذي تزيد استثماراته على 20 بليون دولار، ومشروع «وصال كابيتال» الذي يساهم فيه أطراف خليجيون بنحو 3 بلايين دولار لإعداد المغرب لاستقبال 20 مليون سائح نهاية هذا العقد. وكان قطاعا الزراعة والسياحة يتبعان لحزب «التجمع الوطني للأحرار» الليبرالي، الذي فضل العودة إلى المعارضة وعدم المشاركة في حكومة يقودها إسلاميون. وعين الملك محمد السادس الأسبوع الماضي وزير السياحة والصناعة التقليدية ياسر الزناغي (من حزب الأحرار) مستشاراً في القصر الملكي، للإشراف على ملف الاستثمارات السياحية، لإبقاء العلاقة مع المستثمرين الأجانب وطمأنتهم على استمرار رهان المغرب على قطاع السياحة البالغة نفقاته نحو 90 بليون درهم (10.2 بليون دولار) منها 66 بليوناً تدفقات مالية خارجية. وتساهم عائدات السياحة وتحويلات المغتربين في تمويل عجز الميزان التجاري المقدر ب5.5 في المئة من الناتج، في حين تساهم الزراعة في تأمين نسبة عالية من الأمن الغذائي المغربي، وتسمح بتصدير ما قيمته 4 بلايين دولار من المنتجات الزراعية والسمكية. وكان اقتصاديون فضلوا إبقاء قطاع الزراعة في يد الوزير السابق رجل الأعمال عزيز اخنوش، لاستكمال برنامج «المخطط الأخضر» الذي تراهن عليه الرباط لكسب معركة الاكتفاء الذاتي والتحول إلى أكبر بلد زراعي في جنوب البحر الأبيض المتوسط وغربه، ويشمل السماح لشركات عالمية باستغلال الأراضي الزراعية وهو أمر كان مرفوضاً قبل عشر سنوات. لكن تحول «حزب الأحرار» إلى المعارضة يحول دون استمراره في الوزارة، كما يمنع الدستور الجديد تغيير الانتماء السياسي في البرلمان. ولا يستبعد بعض المصادر أن يشغل عزيز اخنوش مناصب مقربة من الملك لها علاقة باستكمال المشاريع الزراعية وجلب الاستثمارات الأجنبية في قطاع يمثل 16 في المئة من الناتج، ويعمل فيه عشرة ملايين شخص. وربما أسندت وزارة الزراعة إلى حزب «الحركة الشعبية» الليبرالي الأمازيغي المشارك في الحكومة، وكانت تتبع له الوزارة مطلع العقد الماضي. يذكر أن إشارات مطمئنة صدرت من رئاسة الحكومة الجديدة إلى رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، على أن المغرب لن يغير رهانه على قطاع السياحة الاستراتيجي، ولن يعدل من زراعاته المختلفة ومنها العنب. وقال بن كيران: «لن يبحث في قياس ملابس النساء أو في الحريات الفردية المضمونة في الدستور الجديد». وأشارت مصادر مطلعة إلى اتجاه نحو تقليص عدد الوزراء إلى 25 في الحكومة المرتقبة في المغرب، ما يعني دمج بعض القطاعات طلباً للحوكمة الجديدة. وأفادت المصادر بإمكان دمج وزارة المهاجرين في وزارة الخارجية والتعاون للانفتاح على مطالب المغتربين، الذين انتقدوا عدم إشراكهم في البرلمان الجديد علماً أنهم يمثلون 12 في المئة من مجموع السكان ويحولون إلى بلدهم سنوياً أكثر من سبعة بلايين دولار، ويساهمون في مشاريع كبيرة في العقار والسياحة والصناعات الحديثة ويعملون على نقل التكنولوجيا. ورأت المصادر في تعيين الملك مستشارين جدداً في القصر الملكي مثل مؤسس «حزب الأصالة والمعاصرة» فؤاد عالي الهمة، والسفير السابق عمر عزيمان ووزير الداخلية السابق مصطفى الساهل، إشارة إلى المستثمرين باستمرار خيارات المغرب الاستراتيجية وعلاقاته الدولية. وتوقع مراقبون أن تتواصل المشاورات لتشكيل حكومة جديدة في المغرب هذا الأسبوع وربما تطول أسبوعاً آخر، بسبب رغبة كل حزب في حيازة أكبر نصيب ممكن بعد تقليص الائتلاف إلى أربعة أحزاب فقط، ما سيجعل المعارضة البرلمانية المقبلة المشكلة من الاشتراكيين والليبراليين قوية.