تستدعي الأحداث والتغييرات المتسارعة في عالمنا العربي كل المعارف والطاقات لتحليلها وسبر أغوارها وفهمها، ومن العلوم التي تساعد على فهم الحدث علم النحو العربي، فهو يعين على تحليل الخطاب ومعرفة نفسية المتحدث ونظرته إلى المخاطب بتأمل الألفاظ والتراكيب النحوية. ولنضرب لهذا مثلاً من علم النحو العربي، إن الإضافة اللفظية - كما يقول النحاة - تحصل عند إضافة اسم نكرة (المضاف) إلى اسم معرفة أو معرف بأل التعريف (المضاف إليه)، فتكتسب النكرة التعريف بعد إضافتها إلى الاسم المعرف أو المعرفة، فلو قلنا مثلاً: ذاكرت درس النحو، فكلمة درس قبل إضافتها إلى كلمة النحو كانت نكرة غير واضحة الدلالة، ولا تعطي معنى محدداً بمفردها، فلا نعرف أي درس هو المقصود، فلما أضيفت كلمة درس إلى النحو - وهو كلمة معرفة - استفادت كلمة درس التعريف بإضافتها اللفظية إلى المعرف. إذا تأملنا في بعض الخطاب السياسي لبعض القادة في عالمنا الصغير لنعرف نحوه ومنحاه لوجدنا عجباً لا يقبله نحو صحيح ولا يستسيغه عقل سليم، إن خطابات البعض لشعوبهم لا يكاد المرء يجد لها وصفاً مناسباً إلا الإضافة اللفظية المعكوسة نحواً وحقيقة. إن هذا الوصف جلي وواضح في جملة: شعب الرئيس، فالشعب - لدى بعضهم - كان ولا يزال نكرة يسهل نسيانها وتجاهلها وسحقها، وليس للنكرة - كما يدعون - حق في رأي أو مطلب عادل أو أمل في التغيير الفعلي، ولا بد على كلمة شعب في هذه الإضافة اللفظية المعكوسة ألا تنسى فضل الأخ القائد والرئيس الثائر والمحرر من الاستعمار، فهو - كما يزعمون - من جعل من شعبه النكرة معرفة يعرفها العالم أجمع، وكذلك فليس لكلمة شعب - وهي نكرة تافهة - التطاول على المعرفة، وليس من المقبول لديهم التضحية بالمعرفة وإن كانت فرداً واحداً من أجل نكرة وإن كانت شعباً بأكمله، ولا بأس ولا ضير في سحق ملايين النكرات لتدوم المعرفة التي تعرفون. إن الملاحظ الحصيف يستغرب غياب الصيغة الصحيحة لهذه الإضافة اللفظية - وهي رئيس الشعب - في بلاد الضاد، وتزداد الأمور غرابة حين نلاحظ وفرة الأمثلة على هذه الصيغة الصحيحة للإضافة اللفظية في بلاد أعجمية لا تستقيم الضاد على لسانها، بلاد لم تتشرف بعد بانتمائها إلى خاتم الرسل وخير الكتب ونقاء التوحيد والسند المتصل بالسماء، في تلك البلاد نجد كلمات مثل: رئيس وقائد وثائر ومحرر كانت نكرة من النكرات، ولم تعرف إلا حين شرفت بالإضافة إلى المعرفة الأبدية المتمثلة في كلمة الشعب. من العجيب في بلاد الأعاجم أن هذه النكرة تكتسب الكثير من التشريف والمزيد من التعريف كلما زادت خدمتها للشعب وتفانيها في إنكار الذات والعطاء للشعب بلا حدود، وهذه النكرة - عند هولاء القوم - لا تنسى أصلها أبداً، ولا تجحد النكرة المعرفة حقها، وتخفض جناحها للشعب المعرف لها دائماً، وهي على كامل الاستعداد للتضحية بذاتها ووجودها لمصلحة الشعب وهو المعرف أبداً لو كانوا يعلمون. مهما حاول البعض من المنتفعين أو المخدوعين الترويج والإقناع بهذه الإضافة اللفظية المعكوسة فإن سر التعريف كامن أبداً في كلمة شعب وإن غاب أو غيّب لفترة من الزمن، ولكنه سيعود، وبقوة لا محالة، وفي المقابل فإن كلمة نكرة تظل نكرة وإن اغتصبت ولبست بغير حق أل التعريف فهي لا تليق بها، ولا يليق التعريف إلا بالشعب فهو المعرف الأبدي وغيره نكرة إلا إذا شرفه الشعب الواعي وسجل العطاء الصادق بالقبول والتعريف بلا خوف أو خداع أو تزييف أو تدليس.