بدت المفارقات بين الشيب والشباب من بني البشر تحمل ذات الطابع حتى في حال امتلاكهم المركبات، إذ ظل نوع العبارات المدونة أو الملصقة على خلفيات الشاحنات متباينة كلياً عما هو في السيارات التي يفضل الشبان قيادتها، التي تختلف بدورها عن سابقتها بإمكان التدوين في صورة أكثر على زجاجها الخلفي، وهو ما لا يوجد في الكبيرة. وعلى رغم تعليل كثير من الناس بأن حجم المركبة ونوعيتها هو ما يحدد في الغالبية نوعية العبارات والرسومات التي تطبع على ظهر المركبة، إلا أن دراسات نفسية متعمقة أثبتت خطأ هذه النظرة وأكدت أن شكل التشابه في التفكير والفئات العمرية للمجتمع هو الفيصل في مضامين تلك العبارات التي تجوب بها السيارات شوارع الأرض طولاً وعرضاً، إذ تشتهر شاحنات النقل الثقيل بالعبارات «الباكية الشاكية» التي توصف «لوعات الزمن» لتظهر النفسية المعبرة عن قائدها، وكذلك جمل النصح و التصبير على «النسافات» (القطع المطاطية التي تعلو الإطارات) والجهة الخلفية منها، في مقابل تسيد عبارات «إظهار القوة» وكلمات «الغرام والعشق» وأسماء «الأبطال الافتراضيين» أو الرمزية ل «المحبوبة» أو «الانتماء الرياضي أو الفني»، على مركبات الشبان. ودائماً ما تشير غالبية العبارات الروحانية إلى عمق الوازع الديني لدى البعض، فترى كلمات المشيئة وجمل الدعاء والرجاء تعلو رأس الزجاج الخلفي للمركبات الصغيرة والكبيرة مثل «ما شاء الله وتبارك الله»، «زينها مع الله تزين»، «هذا من فضل ربي»، إذ منهم من يتقي بها شر العين على حد زعم العامة، إضافة إلى العبارات «النصحية» مثل «على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب» وغيرها من التي جعلت من تلك المركبات مدونات متحركة. وقال البائع بأحد محال زينة السيارات هادي سالم ل «الحياة»: «نجد الإقبال الكبير من فئة الشبان على الملصقات التي تحمل أسماء سياراتهم، فضلاً عن طلباتهم الخاصة في تصميم عبارات يؤلفونها غالباً ما تصف حالهم العاطفية، وآخرون يرمزون لشخصياتهم بصور وأشكال منها الحماسية وأخرى تخويفية، فيما لا نستطيع التمنع عن تقديمها للزبائن بفعل قناعتنا بأنها أمور شخصية، وكون ذلك يدر لنا دخلاً عالياً خصوصاً في ما يكون عليه طلبات شخصية». وشارك الخطاط من الجنسية الآسيوية محمد عبدالجبار سابقه الرأي: «يختار بعض زبائني من جنسيتي دائماً عبارات بلغة «الأوردو» فهي تذكرهم بحياة بلدانهم وتعني لهم تلك الكلمات غالباً أسماء من ينتمون لهم بعواطفهم، أو تعبر عن تجاربهم الحياتية التي أضافتها لهم الغربة، فيما تحتل نصيبها أحياناً العبارات «العتيقة» التي تعبر عن واجب احترام وتوقير السيارات الصغيرة لشاحناتهم الكبيرة، مشبهين ذلك الأمر بهرم التعامل الشخصي بين الكبير والصغير». وفي الجانب الشبابي، يظهر كثيراً أمام المارة تعليق الشباب أحد أشهر صور الثائر البوليفي تشي جيفارا، التي تعبر عن شموخه واستمراره في المقاومة، من دون معرفة غالبية هؤلاء الشباب بقصته الحقيقية، يقول المدون والناشط الاجتماعي ماجد الحمدان ل «الحياة» عن تلك الظاهرة، فهو أحد المنظرين لتطبيقات حرب العصابات، التي وإن كانت وسيلة لمقاومة الظلم، إلا أنها سبب آخر في استمرار الفوضى. ومحفزاً لهذا الفعل، أضاف الحمدان: «أدعم رغبة البعض بالتعبير عن النفس، خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة، ولا أرى في ذلك ضرراً، بل أراها انعكاساً لما يؤثر في الشباب الصغار، وهو ما يدفعنا للتأمل وإعادة النظر في المشكلات الاجتماعية الكثيرة في الهوية وصناعة الأبطال، فحتى العبارات الأخرى القائمة على الأبيات الشعرية هي انعكاس لثقافة أدمنت البكاء والحزن، وتصبير الذات، وكذلك تلك التي تحث على النجاح والتفوق والكفاح، بدلاً من الرمزية للمحبوبة والعشيقة والحب والغرام الزائف».