«نعم، الأسعار من نار، ومن يدّعي غير ذلك فمن الأكيد أنه يعيش خارج تونس» ، يقول زهير ذو الأربعين عاماً والأب لثلاثة أبناء أصغرهم في السابعة من عمره. ويضيف: «اشتعلت الأسعار بشكل جنوني، فماذا يعني أن يزيد سعر البيض ضعفاً؟ وما معنى أن تصبح اللحوم على أنواعها من الكماليات؟ ماذا سيفعل مواطن مثلي يتقاضى ما يعادل أقل من 500 دولار اميركي مع أسعار تتصاعد في كل يوم؟». شهدت السلع الاستهلاكية ارتفاعاً كبيراً في الأسعار أثار منذ أشهر الصيف الماضي قلقاً واسعاً وسخطاً من المواطنين التونسيين وبخاصة محدودي الدخل، ويحدث كل هذا أمام غياب كامل لمرافق وزارة التجارة وتحديداً جهاز المراقبة الاقتصادية، فضلاً عن تهريب كميّات كبيرة من المواد الأساسية إلى ليبيا التي تشكو نقصاً حاداً فيها. وتستمرّ ظاهر ارتفاع الأسعار، على رغم أن التونسيين كانوا ينتظرون أن تشهد انخفاضاً بعد «ثورة 14 يناير». ومع أنّ بعض الأسعار عادت للمستوى الطبيعي، أو قاربت، كالدجاج أو الأسماك وبعض أنواع الخضر، إلا أن التونسي مازال يشتكي ويبرر ذلك بكون ما يكسبه ليس في مستوى ما يتطلبه الإنفاق اليومي وبخاصة إذا كانت الأسرة كبيرة العدد. ويقول سعيد (47 سنة): «عائلتي كبيرة العدد، زوجتي وأبنائي الخمسة ووالدي ووالدتي، تصوروا عائلة من تسعة أفراد تعيش براتب شهري لا يتجاوز 700 دينار (حوالى 550 دولاراً اميركياً)، هذا يدعو للجنون ويتطلب منّي أن أكون ذكيّاً بدرجة عالية حتى أتمكن من تصريف المبلغ بما يسمح للعائلة بأن تأكل وتشرب وتلبس وتدفع عديد الاستحقاقات كالكهرباء والماء والهاتف وغيرها...». ولعلّ أهم أسباب الزيادة المفرطة أحياناً في الأسعار هي الإضرابات والاعتصامات التي كثرت وتزايدت لدرجة إغلاق عدد من المصانع والمزارع ما سبب نقصاً في الإنتاج فضلاً عن تهريب آلاف الأطنان من السلع يوميّاً إلى ليبيا، وكلّها أسباب أدت إلى نقص في المنتوج وغلاء في الأسعار. وفي المقابل برزت ظواهر أخرى خطيرة ومن شأنها أن تتلاعب بصحة التونسي وجيبه في آن، وعمّت الشارع التونسي وباتت واقعاً ملموساً يهدد اقتصاد البلاد، إذ غزت البلاد في صيف 2011 مشروبات غازية وعصائر وعلب لبن من الحجم الكبير مجهولة الهوية قيل إنها قادمة من الجزائر، وهذه السلع كانت تباع بأسعار تدعو الى التساؤل لأنها تباع بأسعار بخسة جداً، وقد تدخلت الحكومة بعد فترة كانت كافية لتوزيع الملايين منها في الأسواق التونسية وسحبت كلّ العلب الموجودة ومنعت دخولها الى تونس. وتتنوع المواد المعروضة في الأسواق الموازية وتشمل حتى المواد الغذائية والحلويات والشوكولا والبسكويت ليجد التونسي أنواعاً مجهولة المصدر وبالتالي غير مضمونة العواقب الصحية، هذا فضلاً عن عدد المواد البلاستيكية المصنوعة من اعادة تصنيع فضلات البلاستيك الخطرة جدا والتي يتهافت عليها التونسيون بسبب رخصها. ومن العادي الآن وأنت تتجول بين المدن التونسية أن تجد محطات بنزين موازية للمحطات القانونية، وبأسعار تفاضلية، حيث البنزين المهرّب والذي لا يخضع للتعريفات الرسمية أو الأداءات، وتنتشر منذ أشهر محطات بنزين في كل مكان في تونس، أكوام من البراميل ومصفاة يدوية وأنبوب من البلاستيك لتصبح المحطة جاهزة والزبائن بالدور، نظراً الى الأسعار المنخفضة. ويرى كثيرون أنّ على المجلس الوطني التأسيسي والحكومة الانتقالية الجديدة تحديات كبرى لعلّ من أهمّها توفير مستوى معيشي يليق بالتونسيين بعد الثورة، لأن من أهم شعاراتها التشغيل ثمّ العيش الكريم وكرامة التونسي، والكرامة لن تتحقق من دون رواتب في مستوى الأسعار التي تشتعل بشكل متواصل. ومع ذلك يجد آخرون أعذاراً للحكومة ويقولون إنّ ما هو كائن يعتبر جيداً جداً مقارنة بما تتخبط فيه البلاد من فوضى ومشاكل مالية واجتماعية تتفاقم يومياً. وكما عبّر عن ذلك الدكتور المنصف المروزقي المرشح لرئاسة البلاد، أنّ أمام الرئيس المقبل والحكومة الجديدة «تسونامي من الملفات العالقة»، وهي ملفات تنتظر حلولاً سريعة ومجدية تتماشى وطلبات الشعب الذي زادت فيه نسبة البطالة بعد الثورة حتى وصلت إلى ما يقرب من مليون عاطل من العمل.