دخلت جماعة «الإخوان المسلمين» اختباراً حاسماً في تاريخها بعد تقدمها الكبير في نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية في مصر الذي وضعها أمام معضلة مواكبة التغير الذي طرأ على وضعها من جماعة دعوية استمرت كوجه معارض بارز طوال العقود السابقة إلى حزب سياسي «الحرية والعدالة» ستكون له الكلمة العليا في إدارة شؤون البلاد. وطرح فوز الجماعة التي كانت محظورة تساؤلات عدة في مقدمها قدرتها على كبح جماح التيار السلفي الذي يُنظر إليه على أنه «الأكثر تشدداً»، إضافة إلى مدى قدرتها على احتواء المتخوِّفين من توجهاتها، لا سيما الأقباط، والانخراط مع التيار الليبرالي، خصوصاً أن محكات عدة ستظهر في هذا الشأن عند تشكيل اللجنة التأسيسية التي ستضع الدستور الجديد للبلاد. وإذا كانت الجماعة نجحت في تجاوز اختبارات عدة كادت أن تعصف بها منذ تأسيسها في عشرينات القرن الماضي، بل وخرجت أكثر قوة، غير أن الأمر هذه المرة مختلف، إذ لن تتوقف تبعات الفشل على انشقاقات داخلية، بل ستطاول شعبيتها لدى الطبقات غير المسيَّسة التي صوَّتت لمصلحتها في الانتخابات الجارية. وسيكون افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة المقررة الشهر المقبل كاشفاً لمستقبل تحركات الحزب ذي المرجعية الإسلامية، ومدى استعداده لمشاركة الأحزاب الأخرى في مسائل مثل اختيار رئيس مجلس الشعب وتشكيل 19 لجنة برلمانية، وهي أمور كان يهيمن عليها الحزب الوطني المنحل الحاكم سابقاً. وكانت الجماعة دعمت القاضي الإصلاحي المستشار محمود الخضيري المرشح مستقلاً في إحدى دوائر الإسكندرية، ويخوض جولة الإعادة. وعُلم أن الجماعة تحضِّر الخضيري ليترأس أول برلمان بعد إطاحة نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، خلفاً لفتحي سرور الذي يحاكم الآن على خلفية قضايا فساد وقضية قتل المتظاهرين المعروفة إعلامياً باسم «موقعه الجمل». وتؤكد مصادر إخوانية ل «الحياة» أن «مسألة تشكيل اللجان البرلمانية كانت نصب أعيننا ونحن نختار مرشحينا في الدوائر الانتخابية»، لكنها شددت في الوقت ذاته على أن «الإخوان ليسوا بمعزل عن باقي التيارات التي ستتواجد في البرلمان... لا يجب أن نستبق الأمور، فما زالت هناك مرحلتان انتخابيتان من المؤكد أنه ستحدث خلالهما تغييرات في ترتيبات الكتل السياسية المتصارعة». ويؤكد سياسيون متحالفون مع «الإخوان» أنه لا يمكن أي تيار سياسي التفرد بالحكم، وهو ما ينسجم مع مواقف قادة الجماعة الذين رفضوا في أكثر من مناسبة الاتهامات التي توجَّه إليهم بالرغبة في الاستئثار بمفاصل إدارة شؤون البلاد، ودعوتهم إلى البعد من الاستقطاب والبحث عن أرضية مشتركة للعمل. غير أن غالبية القوى المدنية في مصر غير متفائلة ب «حكم الإسلاميين، وفي القلب منهم «الإخوان». واعتبر المرشح الرئاسي المحتمل الدكتور محمد البرادعي أن من صوَّتوا للإسلاميين، سيكتشفون مع الوقت أن الشعارات لا تكفي لحكم البلد.