رغم حذر الولاياتالمتحدة من تجاهل صعود الصين، إلا أن ثمة أسباب للاعتقاد أن الخشية من قيام صين أقوى وأكثر ثقة بنفسها هي ما يقف وراء الخطوات الأميركية في منطقة آسيا- المحيط الهادئ. وهذه مجرد عودة إلى السياسة الواقعية «الريل بوليتيك» التقليدية التي تأجل العمل بها بسبب الورطة الأميركية في العراق وأفغانستان. وطبيعي أن يوجِد صعود قوة جديدة رد فعل ومقاومة من القوة السائدة التي لا ترغب في خسارة هيمنتها وامتيازاتها. وسعيا إلى الرد بفاعلية، تحتاج الصين ليس فقط إلى استراتيجية جديدة، بل أيضاً إلى خطاب جديد في السياسة الخارجية من دون أن يُنظر إليها كأنها تفتعل جدالاً أو صراعاً. ينبغي أن تُبقي هذه الاستراتيجية، بدورها، التركيز الحالي على النمو الاقتصادي المتواصل كأولوية وطنية عليا. ويجب أيضاً استبدال الديبلوماسية الخاملة بأخرى نشطة والتخلي عن خطاب «الصعود السلمي» لمصلحة خطاب «الصعود المسؤول». على المستوى الإقليمي، تتطلب الديبلوماسية النشطة من بكين التركيز على حقيقة أن ما من دولة إقليمية واحدة ترغب في رؤية وجود أميركي دائم في المنطقة. بدا هذا جلياً في الاحتجاجات التي شهدتها اليابان في العام الماضي وفي تعليقات الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبانغ يودهويونو أثناء اجتماع «أبيك» (منظمة التعاون الاقتصادي في آسيا والمحيط الهادئ) في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. يجب أن تتركز الأولوية على الاهتمام باليابان وكوريا الجنوبية. وعلى بكين السعي إلى تسوية الخلافات السابقة ومحاولة رفع مستوى الاعتماد الاقتصادي المتبادل إلى مستوى يتيح للدول الثلاث تطوير مصالح مشتركة تبقي العلاقات قوية، فمع المصالح المتبادلة تأتي الثقة المتبادلة. وعلى الديبلوماسية النشطة هذه أن تتسع أيضاً لتشمل مناطق أخرى من العالم. والواقع أن الولاياتالمتحدة لا تحتاج الصين فقط لإخراج نفسها من الركود، بل أيضاً تحتاجها ديبلوماسياً في كوريا الشمالية وإيران وأفريقيا. لذا، على الصين السعي إلى زيادة قيمتها الديبلوماسية بالنسبة لواشنطن عبر بذل الجهد للانخراط في سياسات مناطق أخرى من العالم انخراطاً ذا مغزى. من هذا المنظور، يمكن للكراهية العامة للولايات المتحدة في بعض مناطق العالم وعضوية الصين في منظمات من نوع «بريكس» (التي تضم الصين والهند وروسيا والبرازيل) ومنظمة شنغهاي للتعاون، أن تسهل تسهيلاً عظيماً جهود الصين لتعزيز قوتها الديبلوماسية. بيد أن الديبلوماسية النشطة لا ينبغي أن تأتي على حساب النمو الاقتصادي في الوطن. بل ينبغي العمل عليهما بالتوازي. فاللعبة الحقيقية هي الاقتصاد. وفي زمن تبدو فيه مؤهلات الولاياتالمتحدة كزعيم لاقتصادات العالم الحر موضع شك، فإن نمو الصين الاقتصادي المتواصل سيصبح المصدر الأقوى للقوة الناعمة، في حين سيبدأ عدد متزايد من الدول النظر إلى الصين بصفتها محرك النمو العالمي. وطالما أن الاقتصاد الصيني استمر في النمو، فلن يتمكن العالم، ناهيك عن جيران الصين، مجازفة تجاهل أو تجاوز الصين. وعلى بكين أن تبدل تدريجاً خطابها حول «النهوض السلمي» إلى لغة عن «النهوض المسؤول» حيث تعبر عن اعترافها بأن القوة تجلب المسؤولية. وبينما تنمو قوتها، عليها التصرف بمسؤولية عبر التمسك بمبدأ عدم التدخل الذي تتبعه. وهي لن تسعى إلى أي مواجهة وأن تبدأ مواجهة. وعلى رغم ذلك، لديها عدد من المصالح المحددة التي ستعمل على الدفاع عنها، على نحو ما تفعل الولاياتالمتحدة. وغير واضح بعد إذا كانت الولاياتالمتحدة تبحث حقاً في تقسيم آسيا اقتصادياً عبر وسائل من نوع «الشراكة عبر المحيط الهادئ». وفي حال صح ذلك، فسيرقى إلى مستوى حرب اقتصادية باردة في المنطقة. لكن ليست العودة إلى الواقعية، بل انتشار المشاعر القومية والانقسامات السياسية عند الجانبين، هي ما يمكن أن يسبب تصعيد للنزاع ناجم عن سوء تفاهم أو سوء إدراك. ومع تحلي الولاياتالمتحدة بقدر أكبر من الواقعية في «عودتها إلى آسيا»، يمكن للصين أن تتبعها أو أن تجازف بجر خطواتها وراءها. * محلل أمني في «مشروع الأزمات الانتقالية» – لندن، عن موقع «غلوبال تايمز» الصيني 1/12/2011، إعداد حسام عيتاني