يجلس وزير العمل في السعودية على أعقد الكراسي مقارنة بالوزراء الآخرين من زملائه، وإن كان زميله وزير النفط يجلس مرتاحاً على مقعد فخم، فهو محظوظ لأنه يتربع على ثروات من النفط وأكثر من تسعة ملايين برميل يومياً يتم استخراجها وتشكل المصدر الأهم للبلاد، ووزير المالية لا يقل أهمية عن الكرسي الذي عليه وزير النفط فالسعودية مرشحة لأن تكون ثالث أكبر احتياطي مالي بنهاية العام الحالي بمجموع 1.7 تريليون ريال. إلا أن حظ كرسي وزير العمل في السعودية هو الأتعس، فهو يتربع على ملفات بطالة وصلت إلى أكثر من ثلاثة ملايين طلب عبر برنامج «حافز»، ونسبة بطالة مرتفعة في النساء تشكل 70 في المئة، وما يقارب تسعة ملايين مقيم ووافد يعملون في السعودية، منهم نحو ثلاثة ملايين يعملون بطريقة غير نظامية، ويشكل ملف هروب نحو مليون و500 ألف من العمالة المنزلية أحد أهم الملفات التي تقلق المسؤولين في وزارة العمل، ومعوقات توظيف النساء، وما يقلق وزارة العمل السعودية فتح باب الاستقدام على مصراعيه من دون مراعاة لحاجة سوق العمل، لهذا أطلقت برنامج «نطاقات» لمراقبة الشركات الفعلية التي تطبق برنامج توظيف السعوديين. كرسي وزير العمل في السعودية، وفي العالم العربي، هو كرسي مليء بالأشواك وغير مريح، ومنغص للنوم، وغير مفيد للاسترخاء، لهذا فأي وزير عمل يجلس على هذا الكرسي، يجب عليه أن يبقى مدافعاً عن وزارته ومسوقاً لإنجازاته، وحليماً على غضب العاطلين والخلافات العمالية، والباحثين عن العمل وتدني الأجور. الأسبوع الماضي دعيت مع مجموعة من الكتّاب والمفكرين للقاء مفتوح مع وزير العمل المهندس عادل فقيه ليتحدث عن برنامج «حافز»، ونطاقات وتوظيف المرأة في محال بيع المستلزمات النسائية، وكل ما يتعلق بسوق العمل، الوزير على رغم صراحته وحماسته الشديد لإنجازه أحد أهم المشاريع المتعلقة بمساعدة الشباب العاطلين عن العمل، وتقديم مبالغ من أجل مساعدتهم إلى حين الحصول على وظائف، إلا أن هذا المشروع يواجه بكثير من الانتقاد في المجتمع لكونه يقدم فقط 2000 ريال، ويرى الكثيرون أنه «لا يسمن ولا يغني من جوع»، وحول هذه النقطة قال المهندس عادل فقيه: «إن مقدار الإعانة هو أعلى من70 في المئة من المتوسط العالمي، تماشياً مع الوضع الاقتصادي للدولة، فمثلاً في بريطانيا تقدم بنسبة 11 في المئة، وفي السويد 11 في المئة، وتعادل في السعودية 26 في المئة، وهي الأعلى عالمياً، ولا ينتهي الأمر بصرف المبلغ الذي يستمر لنحو 52 أسبوعاً فقط، فإسبانيا تدفع إعانات للعاطلين تصل إلى 78 أسبوعاً، فيما البحرين وبريطانيا وتايلاند تدفع إعانات تصل إلى 26 أسبوعاً، وأقلها جنوب افريقيا ثمانية أسابيع». يقول المهندس عادل فقيه: «إن وزارته استطاعت أن تترجم رغبات خادم الحرمين الشريفين في منح رواتب للعاطلين، واستطاعت في وقت قياسي وضع معايير لمعرفة المستحقين»، ويقول: «إن وزارته ستضع في حسابات نحو 700 ألف مستفيد من برنامج «حافز» الإعانات المالية من مطلع كانون الثاني (يناير) المقبل، ولن يهنأ هؤلاء العاطلون بهذه المبالغ، بل ستتم مراقبتهم بمنحهم فرص عمل، ومجالات التدريب المتنوعة التي تتناسب مع ظروفهم وتخصصاتهم»، وأستبعد أن تكون وزارته مسوقة لوظائف متدنية الرواتب. من الواضح أن وزارة العمل السعودية، مهما قدمت من حلول ومنتجات لمعالجة الخلل، فهي تواجه من المجتمع بكثير من الانتقاد والتضجر، وهذا ليس غريباً في بلد يواجه فيه العامل السعودي كثيراً من الظلم والاضطهاد والتحايل، يكتشف إنه مسجل في بيانات العاملين السعوديين في التأمينات الاجتماعية، أو قضيته خاسرة في خلاف مع شركات كبرى، أو يعاني من تدني الرواتب وقلة الترقيات، وزيادة معدلات الفصل للسعوديين، ومعاناة الموظفات السعوديات. كل هذه المعوقات التي تواجه وزارة العمل في السعودية، إلا أن هدوء الوزير وحديثه بثقة يجعلك تنتظر المزيد من هذه الوزارة، فهو يقول: «إن وزارته ملزمة بالبحث عن عمل لكل السعوديين»، ويحتاج إلى تعاون جهات أخرى، وهناك أكثر من مليوني طلب يتم فحصها لتدخل في برنامج «حافز»، الوزير تطرق في حواره عن توظيف النساء في محال بيع المستلزمات النسائية، ونقطة مهمة تحسب لمصلحة المرأة السعودية هو معاملة أبناء السعودية المتزوجة من أجنبي على أنهم سعوديون، كما أن بإمكان المرأة السعودية العمل في المجالات التي تريدها، بعد أسابيع قليلة سيتم تطبيق قرار تأنيث توطين محال بيع المستلزمات النسائية، مع إتاحة الفرصة لمجالات التدريب. حزمة الإصلاحات التي تحدث عنها المهندس عادل فقيه، كلها جميلة ومؤثرة ومقنعة، والمراقبون يريدون أن يروا هذه الأعمال تتحقق على أرض الواقع، وإعادة النظر في إعانة ما فوق 35 عاماً، والنظر في أبجدية في طرد الشركات الكبرى لموظفيها السعوديين بحجج غير مقنعة، وتدني الرواتب، سوق العمل السعودية لا تحتاج إلى تهيئة فرص العمل فقط، بل أيضاً إلى الأمان الوظيفي والاستقرار، وانتهاء انعدام الأمان الوظيفي، وزيادة الفصل من شركة إلى شركة، ففي الوقت الذي يمضي فيه مقيم في الشركة عشرة أعوام، فإن الموظف السعودي يكون عمل في أكثر من ثلاث أو أربع شركات نتيجة فصله أو مضايقته، حتى أن 30 إلى 40 في المئة من سوق الباحثين عن العمل ليسوا مستجدّين، بل هم إما مفصولون يبحثون عن فرصة أخرى، أو لم يجدوا وظيفة بعد وظيفتهم الأولى. سيبقى كرسي وزير العمل مقلقاً إلى أن تُحل مشكلة أربعة ملايين عاطل وعاطلة في السعودية. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] twitter | @jbanoon