ما زالت معاناة عاملي إحدى شركات المقاولات في تزايد مستمر جراء امتناعها عن تسليمهم رواتبهم الشهرية ومستحقاتهم المالية ورفضها إنهاء إجراءات سفرهم إلى بلدانهم، أو تمكينهم من نقل كفالاتهم على جهات أخرى لديها فرص وظيفية تستوعب طاقاتهم.وأكد الناشط الحقوقي عبدالمحسن النهدي ل «الحياة» عدم صرف الشركة (تحتفظ «الحياة» باسمها) رواتب ومستحقات 50 موظفاً وعاملاً أجنبياً فضلاً عن غضها الطرف عن شؤون سكنهم ومعيشتهم ومتابعة أحوالهم بعد فشل المالك الجديد لإدارة الشركة المخالفة. وأوضح النهدي أن القضية مستمرة منذ ما يزيد على الثمانية أشهر، توقفت خلالها «الشركة» عن منح العاملين لديها رواتبهم ومستحقاتهم بعد إيقافهم من العمل، بسبب توقفها نفسها عن مزاولة نشاطها، لافتاً إلى أنها لم تكتف بذلك فحسب بل قامت بسحب الأوراق الثبوتية والإقامات من العمال الموقوفين. وكشف الناشط الحقوقي تسلم هيئة حقوق الإنسان ومكتب العمل شكوى بهذا الخصوص منذ ثلاثة أشهر، صدر بشأنها أمر بحضور مالك الشركة من وزارة الداخلية في شكل عاجل، وطلب حضور آخر للمالك من وزارة العمل ممثلة في مكتب العمل والعمال بمحافظة جدة، لكن ما زالت القضية على حالها، كما جرى أيضاً التواصل مع سفارات دول المتظلمين في المملكة «ولم يكن هناك أي تجاوب للقضية». وعن جنسيات ومهن العمالة الموقوفين من الشركة المدعى عليها، أبان أنهم من جنسيات مختلفة ما بين هندي وفيليبيني وباكستاني وبنغلاديشي، أما نوعية المهن التي كانوا يمارسونها في الشركة فموزعة ما بين السباكة والكهرباء وأعمال عامة أخرى. وعن وضع العمالة الحالي، أفاد النهدي أن ال50 عاملاً الموقوفين يعيشون جميعاً في بناية واحدة من ثلاثة طوابق، فصل عنهم مالكها التيار الكهربائي وكذلك الماء، ويتهددهم الآن بنيته إخلاءهم منها لعدم تسديد الشركة المستحقات المالية له من إيجار وفاتورة كهرباء وماء، مبيناً أنه يصعب عليهم توفير المعيشة والاهتمام بشؤونهم الصحية. ووعد الناشط الحقوقي برفع خطاب يشرح فيه وضعهم الحالي والمعاناة التي يواجهونها إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للبت في أمرهم وتذليل صعوباتهم. بدورها، وقفت «الحياة» ميدانياً على مقر سكن العمالة واطلعت من قرب على حجم المعاناة والصعوبة التي يجابهونها في الناحية المعيشية والصحية والنفسية المهترئة. وقال عبدالستار (بنغلاديشي الجنسية): «لدي مرض السكر ولا أجد ما أملكه من مال لتوفير الأدوية التي علي تناولها في شكل يومي، كما لا أملك تأميناً طبياً، وقد أجريت تحليلاً ووجدت أنه وصل إلى 400 درجة، وكذلك هناك أربعة آخرون مثلي من مريضي السكر يواجهون نفس المشكلة». وربما أن عبدالستار ورفاقه ممن يحملون هذا المرض، يكادون أن يقاتلوا الجوع والسكر في محاولة من النجاة منهما. وأضاف: «بعدما تقطعت بنا السبل، ذهبنا إلى السفارة لعل وعسى نجد من ينقذ وضعنا، وبعد شكوانا لها حالنا لم تمنحنا سوى 100 ريال لكل شخص، ولك أن تتخيل أننا ربطنا على أنفسنا بأن لا يتخطى معدل صرف الواحد منا في اليوم ريالاً فقط». ولم يكمل عبدالستار حديثه، حتى قفز زميله فائق أحمد (هندي الجنسية) وهو يصيح: «لقد قطع منا الماء منذ أربعة أشهر، وفصلت عنا الكهرباء بعدها بشهر، والآن نستخدم الشموع للرؤية فقط، فلا تكييف ولا استخدام لأدوات أخرى، ونستخدم جراكل وقوارير الماء للنظافة، ونتيجة لهذا الوضع تأذينا كثيراً من الحشرات كالناموس والفئران، فعن أي وضع نشكو!». وفي داخل السكن «المظلم» رأت «الحياة» محمد هارون الذي يعيش حالة نفسية سيئة، تستطيع أن تلمح بريق عينيه نظراً إلى حاجة أهله في بلده إلى ما كان يتقاضاه ومعتمدون عليه تماماً «لم أقم منذ ثمانية أشهر بإرسال ريال واحد لعائلتي هناك، وقد تضررت كثيراً وهم الآن يتصلون بي لكي أعود إلى بلادي فقد حصلت لهم الكثير من المشكلات بسبب توقفي عن العمل وبالتالي توقف الإمداد لهم لما يقوّمون به ظروفهم الحياتية اليومية ولكي يتدبروا قوت يومهم لعدم توافر المال». هذه الحال كان صعباً على المتضررين منها التوقف عندها، ما حملهم إلى مزاولة أعمال غير مشروعة كغسيل السيارات وجمع علب المشروبات الغازية والكراتين والورق والألومونيوم من حاويات النفايات، ولدى همّ «الحياة» بمغادرة مسكنهم البائس ارتصوا أمام عدستها وهم يحملون أوراقاً كتبوا عليها باللغة الإنكليزية «الملك عبدالله نحن في حاجة إلى مساعدتك»، وطلبوا تصويرهم وهم يحملوها أملاً في أن يصل صوتهم ويحل مأزقهم.