بعد التوقيع على اتفاق المصالحة الخميس في 24 الشهر الماضي بين الرئيس محمود عباس والسيد خالد مشعل في القاهرة، حملت التصريحات المتفائلة التي صدرت من جانب البعض، وما قابلها من تصريحات «متشائلة» من جانب بعض آخر، إشارات إلى إمكانية ألا تمضي المصالحة في رحلة كمالها واكتمالها حتى انتهاء الانقسام فعلياً. وبالتالي فإن مصالحة ناقصة بدليل ما هو واقع على الأرض، لا في ما هو مأمول ومرتجى، لا يمكنها أن تشكل رافعة فعلية للوضع الوطني الفلسطيني، ليس على صعيد الوحدة، وإنما على صعيد قدراته وإمكاناته العملية في صوغ إستراتيجية كفاحية محددة وواضحة، وإقرار تكتيكات لا تثير المزيد من الخلافات والاختلافات في واقع غير موحد أصلاً، لا على الأهداف القريبة ولا على تلك البعيدة، وهو الأمر الذي وضع وشرّع للانقسام المستمر منذ منتصف العام 2007 وحتى اللحظة. المصالحة بهذا المعنى؛ معنى اكتمال إنهاء الانقسام، وصولاً إلى استعادة التعافي للوضع الوطني الفلسطيني بما هو كذلك، لا بما هو موجود من معطيات التحاصص الفئوي والفصائلي، هذه المصالحة، تفتقد رصيدها العملي على الأرض، في واقع أفسد فيه التحالف المعادي الأميركي – الإسرائيلي كل إمكانية بنهوض مفاوضات مثمرة أو منتجة، وها هو التحالف ذاته يحاول إفساد المصالحة ذاتها والضغط لعدم إتمامها، إلى حد البحث عن بديل للسلطة ولمنظمة التحرير، وتوجيه تهديدات للرئيس عباس بقطع المساعدات عن السلطة، حتى لقد وصلت الضغوط إلى حد تهديد جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) بتصفية الرئيس ما لم يتراجع عن المصالحة وإنهاء الانقسام السياسي والجغرافي، فماذا عدا مما بدا حتى يلجأ الأميركيون والإسرائيليون إلى كل هذا التهديد التصعيدي ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها؟ هي المرة الأولى التي تذهب الحكومة الإسرائيلية إلى هذا الحد من الإثارة والتصعيد الكلامي، وممارسة العنف اللفظي ضد السلطة وتوجهاتها نحو البدء بخطوات من أجل المصالحة، وصولاً إلى إنهاء الانقسام. وقد ردت إسرائيل على اللقاء القاهري عبر القائم بأعمال رئيس الحكومة الوزير سيلفان شالوم الذي قالَ إِنَّ مُحادثاتِ المُصالَحَة بينَ فتح وحماس، هيَ تَطوُّراتٌ تُثيرُ القَلَق، وتقضي على المحادثات المباشرة مع الفلسطينيين. وذلك على أساس أن حركة حماس يمكن أن تُصْبِح رُكْناً مَركزيّاً في الحكومة الفلسطينية المقبلة، معَ العلمِ بأنَّ حركةَ حماس لا تَعْترفُ بدولةِ اسرائيل. وكانَ المجلسُ الوزاريُّ المُصغر للشؤونِ السياسيةِ والأمنية وفي رد أولي على اللقاء بين عباس ومشعل قد قَرَّرَ في هذهِ المرحلة الاستمرارَ في عَدَمِ تحويلِ عائدات الضرائب الى السلطةِ الفلسطينية. ونقلت إذاعة جيش الاحتلال عن مصادر حضرت الاجتماع قولها إن غضباً شديداً ساد المجتمعين بسبب تجاهل الرئيس الفلسطيني التحذيرات التي أرسلت من واشنطن وتل ابيب له بعدم التصالح مع حماس، مشيرة إلى أن بعض الوزراء طالبوا بقطع كامل للعلاقات مع السلطة، وتطبيق عقوبات جديدة كالمنع من السفر لبعض قياداتها وتحديد تحركاتهم في الضفة، إضافة إلى المنع الكامل لتحويل عائدات الضرائب اليها. وعود نتانياهو إلاّ أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو، عاد إلى تكرار وعوده العرقوبية وأكاذيبه في ترداد ما لا يملك أن يقدمه للفلسطينيين: «آمل أن يختار الفلسطينيون هجر الوحدة المتوقعة مع حماس والابتعاد عن خطوات أحادية الجانب. إذا فعلوا ذلك وعادوا إلى المسار الوحيد الذي يمكنه أن يؤدي الى السلام، أي الى مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة، فأعتقد أنه سيكون ممكناً دفع السلام الى الأمام، وهذا سيخدم المصالح الاسرائيلية والفلسطينية على حد سواء». بل وصلت التهديدات الإسرائيلية إلى حد اتهام مصادر أمنية الرئيس عباس بتجاوز كل الخطوط الحمر في اتفاقه الأخير مع حركة حماس في القاهرة. بل إنه تلقى تهديدات من عناصر تابعة للموساد بأن مصيره سيكون مثل مصير أبو عمار إذا استمر بتحدي السياسات الإسرائيلية. كذلك لأن الرئيس لا يخضع للإملاءات التي ترده من واشنطن وتتعلق بعملية التسوية في المنطقة والموقف الفلسطيني منها. حتى إن المصادر الإسرائيلية أوضحت موقفها للكثير من الدول الإقليمية ودول العالم، في تأكيد منها أن تطورات المنطقة تحتم عليها اتخاذ إجراءات فاعلة لحفظ أمنها. ونقلت إذاعة جيش الاحتلال عن تلك المصادر قولها إن عباس أدار ظهره لعملية السلام بإصراره على التوحد مع حركة حماس، معربة عن أملها في أن تتفهم القيادة الفلسطينية وعناصر الاعتدال فيها أن عباس يدفع بالمنطقة إلى الهاوية، عبر محاولاته التساوق مع اندفاع المنطقة نحو التطرف، وأن تقوم بما يلزم لإيقافه. وانسجاماً مع سيل التهديدات الإسرائيلية وحدّتها، نقلت وسائل الإعلام المختلفة السبت الماضي، عن مصدر في مكتب الرئيس عباس أن الإدارة الأميركية وجهت تحذيراً عبر رسالة سرية وصلت إلى رام الله، مفادها أن أي مشروع وحدة مع حماس سيعني قطع المساعدات الأميركية المقدمة الى السلطة بصورة فورية. وفي السياق ذاته، كشفت صحيفة «إسرائيل اليوم» في اليوم التالي للقاء القاهرة عن وصول نائب وزيرة الخارجية الأميركية «بيل برانس» في زيارة سرية، بهدف لقاء نتانياهو والرئيس عباس لإبلاغ الأخير رسالة حادة من الرئيس باراك أوباما، فحواها أنه إذا أراد عباس تشكيل حكومة وحدة، فإن على حماس أن تقبل شروط الرباعية الدولية التي تتضمن اعترافاً بإسرائيل، احتراماً للاتفاقات السابقة التي وقعتها السلطة الفلسطينية ووقف الإرهاب. وبينت الصحيفة أن التحرك الأميركي السريع في هذا الاتجاه، يأتي على خلفية تشخيص واشنطن أن هناك نية جدية لتنفيذ اتفاق المصالحة، ما دعاها للتحرك في شكل مسبق. التلويح بجعبري جديد وبث التلفزيون الإسرائيلي حلقة عن سيناريوات تفكيك السلطة الفلسطينية، ورد فعل إسرائيل عليها، حيث استخف المسؤولون الإسرائيليون بتهديدات بعض القادة الفلسطينيين حل السلطة، وردوا عليها بازدراء واستفزاز، وزعم نائب وزير الخارجية داني أيالون أنه يجب على الفلسطينيين أن يعرفوا أنهم لا يهددوننا بتفكيك السلطة وتسليم مفاتيحها، لأنه إذا رغبت منظمة التحرير بالتخلي عن السلطة، «فإن إسرائيل ستبحث عن قوى دولية أو محلية لاستلامها، وفي حال لم تعثر على الجهة المناسبة وسقطت السلطة، فإن هذا لن يعني نهاية العالم بالنسبة الى إسرائيل». أما الصحافي شمعون شيفر فقد قال إن الحل حينها سيكمن في إعادة الحكم العسكري للضفة الغربية، وإذا كان الأمر سيكون عند قرار نتانياهو ورغبته، فإنه يرغب فعلياً في ذلك من كل قلبه. وانسجاماً مع كل هذه التطورات، واحتمالات الحل للسلطة أو الوصول بالمصالحة إلى إنهاء الانقسام فعلياً، فقد تلجأ حكومة بنيامين نتانياهو هذه الأيام إلى ما لجأت إليه حكومات إسرائيلية سابقة في السبعينات، في محاولاتها لإيجاد قيادات فلسطينية بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية على شاكلة «روابط القرى». فقد اتصلت الحكومة الإسرائيلية، كما ذكرت صحيفة «التايمز» البريطانية يوم الجمعة الماضي، مع شيخ من عائلة الجعبري اسمه أبو خضر الجعبري، لبحث مسألة إيجاد قيادة بديلة من أجل منع حركة فتح الحزب الحاكم من تشكيل حكومة وحدة مع حركة حماس. ووفق الصحيفة، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعطى موافقته على اللقاء الذي تم مع الشيخ الجعبري، وهو من الشخصيات ذات النفوذ في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية. ووفق «التايمز» التي نقلت الخبر عن صحيفة إسرائيلية غير معروفة باسم «ماكور ريشون»، فإن الاتصال مع الجعبري هو جزء من خطة طوارئ إسرائيلية، لتغيير السلطة الفلسطينية في حال تصالحت مع حماس. وأكد الجعبري ل «التايمز» اتصال الإسرائيليين به في شأن ما سمّاه المبادرة. وقال «أعتقد أن الإسرائيليين يستحقون قيادة أفضل، ولكن لا أدري إذا كان في إمكاني التوصل إلى صفقة مع هذا الشيطان (نتانياهو) أم لا». غير أن الجعبري، نفى عندما اتصلت به صحيفة «الشرق الأوسط» أن يكون قد تباحث مع الإسرائيليين في شأن إيجاد قيادة بديلة، أو أنها عرضت عليه. وقال: «هذا غير صحيح». لكنه هاجم في شكل ضمني السلطة والمفاوضات التي خاضتها وتخوضها مع إسرائيل، قائلاً إنه يؤيد تماماً في هذه المرحلة «حكم الشعب للشعب». وأضاف «دائماً ما أكرر: هذه أرض وقف إسلامي، والتفاوض عليها أو التنازل عنها غير مقبول وغير شرعي». ودعا الجعبري إلى الإسراع في انتخابات يختار فيها الشعب ممثليه، ملمحاً إلى ضرورة استبدال القيادة الحالية بقوله: «يجب ألا تبقى الأمور بيد أشخاص محددين، الشعب الفلسطيني يجب أن يقرر». وتابع القول: «جاء وقت الوقفة مع الذات، يجب أن نسأل ماذا حققنا بعد كل هذه المفاوضات، الاستيطان تضاعف 300 في المئة». وأردف: «من وجهة نظري أي إنسان قيادي يجب أن يقف الآن ويصارح شعبه بالحقيقة». والجعبري هو أحد وجهاء مدينة الخليل، وينتمي الى عائلة تعتبر من كبريات العائلات في المدينة التي تسيطر عليها العشائر في شكل كبير وما زالت تحتكم الى القانون العشائري على رغم وجود السلطة الفلسطينية. أخيراً وبالعودة إلى الموقف الأميركي من «المصالحة»، كونها العقبة الكأداء أمام استئناف المفاوضات، طالما لم تستجب حركة حماس لشروط الرباعية الدولية، فقد كان الأميركيون قد أوضحوا أخيراً، أنهم يربطون موضوع استئناف المفاوضات، بموضوع داخلي فلسطيني يتعلق بمسألة «المصالحة» الفلسطينية. وذلك حين أجاب مسؤول أميركي رداً على سؤال لصحيفة (هآرتس) يوم21 حزيران/ يونيو الماضي، حول توقعات الولاياتالمتحدة من إسرائيل، بالقول إن الإدارة لا تنتظر من إسرائيل أن تتفاوض مع حركة حماس. وعلى رغم اعتباره أن مسألة «المصالحة» الفلسطينية هي مسألة مهمة، إلاّ أن هناك أسئلة عميقة يمكن الإجابة عنها من جانب الفلسطينيين فقط. وقال إننا ننتظر ونرى ما سيترتب على «المصالحة». وها هم الأميركيون تحديداً وقد ملّوا انتظارهم «الغودوي» لاستئناف المفاوضات، يستفزهم اليوم الاقتراب مجدداً من موضوع المصالحة، كونه الموضوع الأثير الذي يمكن أن يفسد المفاوضات، ويبعدها عن سكة وخرائط الطرق الأميركية – الإسرائيلية التي ستبقى تنتظر انتظاراتها ووعودها غير الواثقة أو الموثوقة. * كاتب فلسطيني