في أجواء انتخابية كهذه، كان يُفترض بضباط جهاز مباحث أمن الدولة المنحل أن يكونوا في حال من الاستنفار لضمان نجاح مرشحي الحزب الوطني المنحل أيضاً في الانتخابات البرلمانية وإسقاط مرشحي «الإخوان المسلمين»، لكن الحال تبدَّل بعد «ثورة 25 يناير»، فلم تعد الشرطة مندوب النظام في لجان الانتخابات كما ظلت على مدار عقود. وطالما سعى مرشحون لانتخابات المجالس النيابية في مصر إلى ضمان دعم الجهات الأمنية لهم، فالدعم يعني الفوز بمقعد البرلمان. وعلى رغم أن الانتخابات كانت تجرى تحت إشراف قضائي، إلا أن لضباط الشرطة «اليد الطولى»، فلا القضاة ولا مندوبو المرشحين ولا المرشحون أنفسهم بإمكانهم وقف تجاوزات «مندوبي الحاكم»، حتى أن انتخابات البرلمان الماضية التي سبقت الثورة بأسابيع شهدت «تجاوزات فجة» من الشرطة وصلت حدَّ منع قضاة من ممارسة أعمالهم والتفتيش على سير العملية الانتخابية واحتجاز مرشحين ومنع مندوبيهم من دخول لجان الانتخابات، فضلاً عن دخول رجال المباحث بملابسهم المدنية اللجان للإشراف على تسويد البطاقات الانتخابية في الدوائر المعروفة بقوة مرشحي «الإخوان»، ومنع أنصار منافسي الحزب الوطني المنحل من الإدلاء بأصواتهم والسماح للبلطجية بإرهاب الناخبين عبر غضِّ الطرف عن ممارساتهم. لكن هذا تبدل، وباتت للشرطة حدود لا يمكن تجاوزها، فلم ترصد منظمات المجتمع المدني وجوداً لافتاً لضباط الشرطة في لجان الانتخابات، وكذلك كان دورهم ثانوياً في تأمين اللجان التي عهد لقوات الجيش بالدور الأكبر في تأمينها، وأصبحت الشرطة أداة لمساعدة القضاة المشرفين على الانتخابات لإتمام مهمتهم لا إعاقتها. أما عملية نقل الصناديق إلى مراكز الفرز التي كانت «فرصة عظيمة» يستغلها الأمن لتزوير الانتخابات لمصلحة مرشحي الحزب الحاكم، فعهد إلى القوات المسلحة الإشراف عليها، إذ أكد قائد قوات الشرطة العسكرية اللواء حمدي بادين أن الجيش سيقوم بتأمين عملية نقل الصناديق من مراكز الاقتراع إلى ساحات الفرز. وبذلك وقفت الشرطة للمرة الأولى على الحياد في الانتخابات البرلمانية بعد أن كانت بمثابة «بوابة المرور» إلى البرلمان. الدور الجديد للشرطة عبَّر عنه بجلاء تعامل وزارة الداخلية مع الإشكال الذي حدث بسبب تأخر وصول أوراق التصويت في بعض لجان حي عين شمس في القاهرة، إذ بمجرد أن اشتكى نادي القضاة من هذا الأمر، صدر قرار بإيقاف مأمور قسم شرطة عين شمس عن العمل «لعدم قيامه بواجبه»، وأرسلت وزارة الداخلية من ينوب عنه في متابعة هذه المهام.