يضرب الموت بقوة في حياة السوريين حتى في أيام العيد، ورغم ذلك يخرج هذا الشعب العظيم من وسط أشلاء الجثث والدماء وحطام المنازل والخراب، بأغان ونكت وأهازيج، وكأنه يتحدى بشار الأسد، فمرة يطلق عليه النكات، وأخرى يحول دباباته إلى أراجيح للأطفال. وبث اتحاد تنسيقيات الثورة السورية، مقطع فيديو على موقع "يو تيوب" عنوانه "أريحا أول أيام العيد.. حدائق الأطفال مقابر جماعية" وتظهر في أول جزء منه أطلال حديقة عامة في منطقة أريحا، مكتوب على أحد عمودي مدخلها بالخط اليدوي كلمة (مقبرة)، بينما العامود الآخر مكتوب عليه جملة: (الفاتحة لأرواح الشهداء). وتقول صحيفة "المصري اليوم" القاهرية: بين شواهد القبور وأسماء الشهداء المدونة على كل قبر، يتنقل مصور الفيديو بالكاميرا الخاصة به ليرصد الحزن الذي يخيم على وجوه الزائرين، ثم يرصد قبوراً أخرى في الحديقة ما زالت مفتوحة تنتظر قاطنيها الجدد من السوريين الذين يواجهون الموت بأبشع صوره كل لحظة. و بث اتحاد تنسيقيات الثورة السورية، مقطع فيديو آخر على موقع "يوتيوب" لمظاهرة في منطقة (تلبيسة) بمدينة حمص، يحمل عنوان: (تحويل دبابة إلى أرجوحة.. أجواء العيد 19-8-2012)، وتعلق صحيفة "السوسنة" الأردنية على الفيديو قائلة: يعتلي بعض المتظاهرين دبابة خاصة بالقوات النظامية، وقد علقوا على فوهتها أرجوحتين ليلهو فوقهما الأطفال الذين استمروا في التأرجح وهم يهتفون مع المتظاهرين: (الانتصار يا ثوار). أيضا تتدوال صفحات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، أكثر من 11 نكتة يتداولها السوريون عن بشار الأسد، يتندرون بها على أنفسهم وعلى قدرهم، في محاولة لتحويل مأساتهم إلى ابتسامات. ولمدينة حمص حصة كبيرة في هذه النكات، على الرغم من القمع والدمار الذي لحق بها، ويتناقل السوريون أن حمصياً كان يلهو بقذيفة أطلقتها القوات النظامية على المدينة ولم تنفجر. ولما حذره صديقه من أنها قد تنفجر، قال "لا تقلق، لدينا الكثير منها". ويروي أهالي حلب أن حمصياً وزوجته المحجبة دخلا حلب هرباً من القصف على حمص. وبعد مرور ساعات على وصولهما لم يسمعا أصوات إطلاق رصاص أو قذائف، فقال الحمصي لزوجته أن تنزع حجابها لأنه يبدو أن "لا أحد في حلب". ويروي السوريون أن أحدهم عاد إلى منزله مع دجاجة حية، وطلب من زوجته أن تذبحها وتطهوها، فذكرته زوجته بأنهما اضطرا إلى بيع كل أدوات المطبخ بسبب الحاجة إلى المال، وأن ليس لديهما غاز للطهي. فهتفت الدجاجة "يعيش بشار، يعيش بشار". ويعاني السوريون من أزمة غاز ومحروقات، وبالتزامن مع دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت أخيراً في لندن، احتلت الأخبار الرياضية الساخرة صفحات الناشطين المعارضين على "فيسبوك" لتعكس الواقع المعيشي في سوريا، ومنها "المنتخب السوري يفوز بالميدالية الذهبية في حمل أنابيب الغاز وصعود السلالم". ومع الشائعات المتكررة عن انشقاق نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، باتت النكتة الأكثر شيوعاً تقول إن بشار الأسد يجبر نائبه على النوم إلى جانبه في فراش واحد في الليل خوفاً من هروبه، فيما تنام أسماء الأسد على الكنبة. وبعد انشقاق رئيس الحكومة رياض حجاب، ضجت صفحات الناشطين السوريين المعارضين بصور لمسؤولين جدد يقسمون اليمين أمام الرئيس: "أقسم بالله ألا أنشق وأن أبقى طرطوراً كما عهدتني". وأثار انتقال (حجاب) وغيره من المسؤولين المنشقين إلى الأردن المجاورة خيال أصحاب الفكاهة، حتى رسم أحدهم قاعة الجمارك على الحدود السورية الأردنية متخيلاً فيها أربعة طوابير: "أردنيون وعرب ودبلوماسيون ومسؤولون سوريون منشقون". ويحظى العسكريون المنشقون اللاجئون إلى تركيا بكم من النكات لابتعادهم عن ساحة المعركة في الداخل. وقد رفعت لافتات عدة في تظاهرات كتب عليها: "عزيزي المنشق، الثورة السورية تجري في سوريا وليس في تركيا". أما انشقاق العميد مناف طلاس وتوجهه إلى باريس فدفع بأحد المتظاهرين في قرية كفرنبل في ريف إدلب (شمال غرب) إلى رفع لافتة كتب عليها "كتائب شارل ديغول بقيادة العميد مناف طلاس تسيطر على شارع الشانزيليزيه". ولا تخلو التعليقات الساخرة من المعاني السياسية، مثل تلك التي تقول إن "سوريا فازت في الألعاب الأولمبية بالميدالية الذهبية في الرماية، وقد حققها اللاعب الإيراني أكبر قناصي"، في إشارة إلى الأخبار التي يتداولها المعارضون حول استعانة النظام بقناصة ومقاتلين من حليفته إيران. وعندما لا يجد الناشطون ما يسخرون منه قد يتحولون إلى السخرية من أنفسهم، على غرار ناشط حمصي صور شريط فيديو يظهر فيه دمار كبير وتسمع أصوات القذائف من حوله، وهو يشير إلى "دبدوب (دمية) مصاب ولا يقدر أحد على إنقاذه بسبب القناص". ثم يردد ما يقوله الناشطون الإعلاميون عادة خلال تصويرهم مجازر أو أحداث دامية، وهو يسلط الكاميرا على الدمية: "الله اكبر، أين العرب؟ أين المسلمون؟...".