في ضاحية المعادي، وبينما كان السكان منشغلين بمتابعة آخر أخبار الاشتباكات التي تقع بين الحين والآخر بين قوات الأمن والمتظاهرين في ميدان التحرير، قطعت سيارة نصف نقل هدوء هذا الحي الواقع جنوبالقاهرة، حيث وقف أحد الشباب معتلياً ظهر السيارة، ممسكاً بمكبر صوتي ليردد الهتافات والأغاني التي لم يُفْهَم منها سوى دعايته لمرشحي حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» في الانتخابات البرلمانية المقرر أن تنطلق الإثنين المقبل. ظل الرجل ينادي على الناس: «صوتك لقائمة الحرية والعدالة... صوِّت (اقترع) لرمز الميزان... معاً في مواجهة الفساد». ما حصل في المعادي تكرر في ضواحي أخرى. الفتية طليقو اللحى انتشروا لتوزيع الملصقات والمنشورات لمرشحي حزب «النور» السلفي، بينما كان عدد من الخطاطين يرفعون لافتات في ضواحي أخرى لأحزاب خرجت من رحم «الحزب الوطني» المنحلّ أو من يُنعتون بلقب «الفلول»، في ما استمرت المؤتمرات والمسيرات الانتخابية في عدد من الدوائر المصرية. ويأتي ذلك في وقت علقت نخب سياسية محسوبة على التيار الليبرالي حملاتها الانتخابية احتجاجاً على أحداث العنف التي يشهدها الميدان، تلك الخطوة نفسها التي اتخذها تحالف «الكتلة المصرية» الذي يضم ثلاثة أحزب: «المصري الديموقراطي» و «المصريين الأحرار» و «التجمع»، في ما أكدت مصادر عسكرية أن الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد الآن «لم تمنعنا من الاستعداد بقوة للموسم الانتخابي»، وهو ما أكدته أيضاً اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات. وأعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات المستشار عبد المعز إبراهيم، أنه يجرى حالياً متابعة كل الإجراءات والخطوات اللازمة لإجراء الاستحقاق النيابي في موعده المقرر، اعتباراً من الإثنين المقبل، وهو الموعد المحدد لإجراء انتخابات مجلس الشعب في 9 محافظات، هي: القاهرة، الإسكندرية، أسيوط، البحر الأحمر، الأقصر، الفيوم، دمياط، بورسعيد، وكفر الشيخ، مؤكداً أن الانتخابات بمراحلها الثلاث للشعب والشورى ستجرى في مواعيدها المقررة. وأوضح أن اللجنة العليا للانتخابات تتابع حالياً المعاينات التي تجرى لمقار اللجان الانتخابية للتأكد من مدى صلاحيتها لإجراء الانتخابات ولتيسير أداء ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى والمعوَّقين لحقهم الدستوري في الإدلاء بأصواتهم، وكذلك التأكد من سلامة الحال الأمنية للعملية الانتخابية التي ستتولاها القوات المسلحة والشرطة. في غضون ذلك، حذر مراقبون ومحسوبون على التيار الليبرالي من إجراء المرحلة الأولى من الانتخابات الإثنين المقبل، خصوصاً في المحافظات المشتعلة (القاهرةوالإسكندرية)، ودعا هؤلاء إلى ترحيل تلك المحافظات إلى المرحلة الأخيرة المقرر لها كانون الثاني (يناير) المقبل. غير أن مصادر عسكرية استبعدت اللجوء إلى هذا الطرح، وأوضحت ل «الحياة» أنه لم يتم حتى الآن حسم ذلك الأمر، مشيراً إلى أن الأمور تسير حتى الآن في اتجاه إجرائها كما هو مقرر. وعلى ما يظهر، لم تمنع الأزمة السياسية الطاحنة التي دخلت يومها الخامس أمس، مرشحين من الانشغال بالمنافسة الانتخابية، بل سعوا لاستغلالها في مصلحتهم، حيث أكد بعضهم أنه خرج للتوِّ من ميدان التحرير للقاء ناخبي دائرته. وشدد آخرون على ضرورة الوقوف في مواجهة أيّ محاولات ل «تعطيل تسليم السلطة». وكان التعهد ب «ضبط الأمن في الشارع» سمة مشتركة في شعارات المرشحين الذين استغلوا على ما يبدو ما تعانيه غالبية المصريين من حال الفوضى والانفلات الأمني الذي تعاني منه مصر في الآونة الأخيرة. كما كان الوعد بحل المشاكل الحياتية للمواطن البسيط، وفي مقدمها الصحة والتعليم والبطالة ركيزة أساسية في عرض المرشحين لبرامجهم، والذين أكدوا جميعهم أن جلوسهم أسفل القبة البرلمانية سيكون خطوة في طريق «إصلاح ما أفسدته سياسات نظام الحكم السابق، وتنفيذاً للشعارات التي خرجت الثورة من أجلها». كما حضُّوا الناخبين على الوقوف في مواجهة «من يريدون تعطيل العملية الديموقراطية». وبين الأحداث المشتعلة في ميدان التحرير وعدد من المحافظات المصرية الأخرى والوعود الرنانة ب «الإصلاح» التي يطلقها المرشحون والتسابق المحموم في ما بينهم على كسب ودِّ الناخب، يجلس المصريون ليشاهدوا المشهد السياسي يساورهم القلق على مستقبل هذا البلد الذي يتحسس خطاه نحو التحول إلى نظام ديموقراطي سليم، فيما يشكك بعضهم في تنفيذ المرشحين لوعودهم وتعهداتهم بعد انقضاء مشهد الانتخابات.