القاهرة - رويترز - قبل أن يتمكن الأطباء من علاج العدد الذي يتدفق باستمرار من المصابين على مستشفاهم الميداني الموقت في ميدان التحرير، كان عليهم أولاً أن يعالجوا أنفسهم من أثر الغاز المسيل للدموع الذي يعبئ الأجواء. عملية تقديم الرعاية الطبية للشبان الذين يواجهون قوات الأمن محفوفة بالأخطار، إذ يقول طارق سالم، وهو أحد الأطباء الذين ظلوا يعملون في المستشفى الميداني حتى وقت متقدم من مساء أول من أمس، إن ثلاثة من الأطباء المتطوعين قتلوا حتى الآن بسبب العنف. وأضاف وهو يسكب كمية من المحلول الملحي على وجهه لمواجهة آثار أحدث وابل من الغاز: «كانوا حديثي التخرج... أحدهم قتل اختناقاً من أثر الغاز، بينما قتل الآخران بطلقات نارية أصيبا بها بينما كانا يقوّمان الإصابات في الخارج». رائحة الغاز لا تقل شدة داخل المستشفى الميداني عنها في خط النار القريب حيث واجه شبان سلاحهم الوحيد هو الحجارة قوات الأمن أمس في سادس يوم من الاحتجاجات ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد. وتسقط قنبلة واحدة على الأقل يومياً في قلب المستشفى الميداني المقام في ساحة مسجد صغير في شارع ضيق، ما يؤدي إلى استمرار أثر الغاز في المكان الضيق لفترة طويلة. ولا يعدو المستشفى كونه بطانيات موضوعة على الأرض. وتم تطويق المنطقة التي يجرى فيها علاج المصابين بشريط لاصق. وتتكدس فيه كميات كبيرة من الإمدادات الطبية. وعند مدخله، قال أحد المتطوعين: «مرحباً بكم في الجحيم». ويشير سالم، وهو يجفف وجهه بينما جعلت زخة أخرى من الغاز المسيل للدموع كل الناس يضعون على الفور الأقنعة الواقية، إلى أن «الخدمة تحسنت من أول يوم». وكان بعض الأطباء يضع أقنعة واقية من الغاز بينما غطى آخرون وجوههم بأقنعة طبية غير مخصصة لمهمة الوقاية من الغاز. وأضاف سالم: «يصلنا جريحان أو ثلاثة كل دقيقة... 60 أو 70 في المئة منهم نتيجة الاختناق والباقي نتيجة طلقات الخرطوش أو الرصاص». وفي حين أن البعض يغادر المستشفى الميداني خلال دقائق إلا أن البعض يلقى حتفه. وقال سالم إن أربعة لفظوا أنفاسهم الأخيرة داخل المستشفى أول من أمس، اثنان نتيجة الاختناق واثنان نتيجة الرصاص. ونقلت جثثهم سيارات الإسعاف التي يتعين عليها محاولة السير وسط حشود غفيرة في ميدان التحرير لنقل الجثث أو المصابين بجروح خطيرة. وفي أنحاء المستشفى الميداني، كان هناك أكثر من عشرة أطباء يتحركون بهمة لعلاج نحو 20 مصاباً. وطلب أحد المسعفين ومعه مكبر صوت من الناس إخلاء الطريق مع قدوم أحدث مصاب فقد الوعي. وأخذ متطوع آخر أنبوب الأوكسجين لمحاولة علاج حالة أخرى مصابة بالاختناق. ويشعر الأطباء بقلق بالغ من أثر الغاز الذي أطلق خلال الأيام القليلة الماضية. وقال سالم فيما ترقد وراءه حالة تظهر عليها الأعراض ذاتها التي كان يتحدث عنها: «نرى تشنجات خطيرة». وأخرج من جيبه ورقة مكتوبة بخط اليد تشرح مكونات «غاز سي. إس»، أحد الغازات المستخدمة. ولا يحمل الكثير من عبوات الغاز التي جمعها النشطاء علامات، ما أثار تكهنات باستخدام أسلحة أكثر خطورة. ونفى المجلس العسكري استخدام قوات الأمن أية غازات سامة. ومن المخاوف الأخرى أن تكون الغازات التي تطلقها قوات الأمن منتهية الصلاحية. ولوحظت عبوة غاز تظهر في ما يبدو تاريخ الإنتاج في 2001، ما يوحي بأنها استخدمت بعد خمس سنوات من تاريخ انتهاء الصلاحية. وقال سالم إن الأطباء مصرون على البقاء حتى النهاية لمساعدة المواطنين في ما يطلقون عليه صراعاً لاستكمال الثورة المصرية من أجل الحرية. وتابع: «لا أحد يريد مغادرة المكان... سنبقى هنا حتى ينتهي كل شيء».