طغت القضايا الاقتصادية والتحديات الاجتماعية والبيئية على شعارات المتنافسين في الانتخابات البرلمانية المبكرة في المغرب، المقرّر إجراؤها نهاية هذا الأسبوع، تنفيذاً لمقتضيات الدستور المصادق عليه في تموز (يوليو) الماضي، والذي رفع عدد مقاعد مجلس النواب إلى 395، بزيادة 70 مقعداً، يتنافس عليها 33 حزباً سياسياً، وسط اهتمام ضعيف للمواطنين غير المنتمين سياسياً، خصوصاً في المدن الكبرى. ويشدد المرشحون على زيادة النمو وتأمين مئات آلاف الوظائف للشباب العاطلين من العمل، ومحاربة الفساد المالي واعتماد الحوكمة الجيدة والتدبير السليم للموارد العامة، إضافة إلى تطبيق الجهوية الاقتصادية والإدارية، أي نظام المحافظات، والاهتمام بالعالم القروي وتحسين وضع المرأة الريفية. ومن القضايا التي ركّز عليها المتنافسون، إرساء الحقوق التي ينص عليها الدستور الجديد، ومنها الحريات الفردية والجماعية والمساواة في اعتلاء المناصب والشفافية في الحسابات وحق التملّك والاستثمار وسرية الاتصالات والعدالة الاجتماعية. الأحزاب المتنافسة وتتنافس ثلاث مجموعات سياسية متباينة، ليبرالية ومحافظة وإسلامية، للفوز بالمناصب الأولى في الانتخابات، ما يؤهلها إلى رئاسة الحكومة المقبلة، التي ستتمتع بصلاحيات واسعة في حال استنادها إلى أكثرية برلمانية لا تقل عن 200 مقعد. وأشار «تيار الاتحاد من اجل الديموقراطية»، الذي يقوده رئيس «التجمع الوطني للأحرار» وزير المال صلاح الدين مزوار، إلى أن «الحكومة المقبلة يجب أن تكون قوية ومنسجمة، ولديها آليات عملية لتنفيذ برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقدرة واضحة على تحقيق تطلعات المواطنين في العمل والسكن والصحة والتعليم والتنمية». ووعد التيار، الذي يضم ثمانية أحزاب غالبيتها ذات توجه ليبرالي، بتحقيق معدل نمو لا يقل عن ستة في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة، وخلق مليون فرصة عمل لخفض معدلات البطالة إلى ما دون سبعة في المئة، وتحرير الاقتصاد لينخرط في الاقتصاد العالمي، وتشجيع المبادرة الحرة واقتصاد السوق وجذب الاستثمارات الخارجية. وأكد ان في حال فوزه، سيقلّص الفوارق الاجتماعية ويعمل على الاهتمام بالفئات الفقيرة، وتطوير الطاقات المتجددة وزيادة الإنفاق على البنية التحتية، إضافة إلى تشجيع الشباب على إنشاء شركات خاصة، وسيرفع حجم الاستثمارات في القطاع الزراعي والصيد البحري والسياحة وبرامج الشباب والرياضة. وتوقع بعض مراكز الدراسات الأميركية فوز «تيار الاتحاد من اجل الديمقراطية» بالمركز الأول في الانتخابات، في حال لم يُحدث حزب الإسلاميين أي مفاجئات، نتيجة رهانه على فريق من الشباب والنساء يتمتعون بكفاءات عالية، إضافة الى نجاح رئيسه في تجنيب البلاد تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية والمالية الأوروبية وتحقيق نمو بلغ في المتوسط 4.8 في المئة خلال أربع سنوات قضاها وزيراً للمال والاقتصاد. وينافس على الفوز أيضاً حزب «الاستقلال المحافظ»، الذي قاد الحكومة السابقة وهو من أقدم الأحزاب المغربية وأكثرها حضوراً في كل المناطق، إلا أن أداءه تعرّض لانتقادات حادة بسبب الوضع الصحي لرئيس الحكومة عباس الفاسي، الذي اسند مناصب مهمة في الدولة إلى مقرّبين من الحزب أو العائلة. وقال القيادي في الحزب وزير النقل والتجهيز كريم غلاب «يعتزم الحزب تحقيق نمو يصل إلى خمسة في المئة من الناتج المحلي، وخلق 170 ألف فرصة عمل سنوياً، 20 ألفاً منها في القطاع الحكومي، إضافة إلى الحدّ من المحسوبية والرشوة والفساد. ولفت إلى أن «الوضع الإقليمي في الجوار العربي والأزمة المالية في دول الاتحاد الأوروبي، تحول دون تحقيق نمو اكبر من خمسة في المئة». واعتبر «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي المعارض، أنه مؤهل للفوز في الانتخابات، إذ أنه يستند إلى قاعدة جماهيرية واسعة، خصوصاً في المدن، واعداً ناخبيه بتوفير شروط معيشية أفضل في قطاعات الصحة والسكن والتعليم والعمل، لكنه لم يقدّم أرقاماً تفضيلية. واكتفى أمينه العام عبد الإله بنكران بانتقاد خصومه السياسيين في «مجموعة الثماني الليبرالية»، واصفاً إياهم بتنفيذ برامج مسطرة سلفاً، في إشارة إلى نية الرباط مواصلة انفتاحها الاقتصادي على شركائها الخارجيين، خصوصاً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الخليج وتركيا، بانتظار إحياء الاتحاد المغاربي. تحديات اقتصادية واجتماعية وفي حين لم يشهد المغرب أزمات سياسية، على غرار دول عربية أخرى طاولها الربيع العربي، إلا أنه يواجه ثلاثة تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، أهمها البطالة التي تطاول مليون شخص من خريجي الجامعات، الذين قد يُصعدون مطالبهم في حال عدم تنفيذ الحكومة المقبلة وعودها بتأمين فرص عمل. وهي تحتاج إلى إنفاق 40 بليون دولار سنوياً لتأمين مناخ اقتصادي مساعد على تشغيل عشرات آلاف الشباب العاطلين من العمل، وهو مبلغ كبير تحتاج معه الرباط إلى دعم مالي وتمويلات خارجية وتقليص النفقات غير الضرورية. أما المشكلة الثانية، فتتمثل في حال الفقر التي يعاني منها ثلث سكان الأرياف وتتسبب في هجرتهم إلى المدن، ما يزيد الأعباء الاجتماعية والأمنية حول مدن الصفيح الهامشية. ويُقدّر عدد الفقراء بعشرة في المئة من السكان، في حين تنفق الدولة نحو ستة بلايين دولار سنوياً لحماية القدرة الشرائية ومحاربة السكن غير اللائق للفئات الفقيرة والمحدودة الدخل. ولعبت «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية»، التي أطلقها الملك محمد السادس عام 2006، دوراً كبيراً في تقليص معدلات الفقر إلى النصف، من خلال تمكين خمسة ملايين شخص من تحقيق بعض الارتقاء الاجتماعي وتحسين مصادر الدخل إلى أكثر من دولارين في اليوم. وتتمثل المشكلة الثالثة في أن الاقتصاد يحتاج إلى 20 بليون دولار سنوياً لمعاجلة عجز الميزان التجاري الخارجي، الذي ترهقه الفاتورة النفطية، خصوصاً ان المغرب ليس بلداً نفطياً. وقُدّر هذا العجز بنحو 153 بليون درهم (18.5 بليون دولار) في الشهور العشرة الأولى من السنة. وتبقى الأرقام مرشّحة للارتفاع شهرياً نتيجة ارتفاع أسعار المواد النفطية والغذائية في السوق الدولية من جهة، وبسبب اتجاه الرباط إلى توقيع مزيد من اتفاقات المناطق التجارية الحرة مع أوروبا والولايات المتحدة وكندا وتركيا ودول عربية وافريقية وأميركية لاتينية. وتساهم السياحة وتحويلات المغتربين والتدفقات الاستثمارية والمالية الأجنبية في تغطية الجزء الأكبر من عجز الميزان التجاري، الذي بات يمتص نفس قيمة مجموع الاستثمارات العمومية في سنة، علماً أن المغرب استثمر نحو 800 بليون درهم خلال أربع سنوات في البنية التحتية والمشاريع المهيكلة والسكن والموانئ والمطارات والسدود. وكان يمكن مضاعفة التنمية لولا مشكلة عجز التجارة الخارجية. وتخوّف محللون من تداعيات ممكنة للازمة الاقتصادية الأوروبية على الاقتصاد المغربي، الذي يعتمد بنحو 70 في المئة من تجارته الخارجية وعائداته السياحية و80 في المئة من تحويلات المهاجرين، على دول «منطقة اليورو».