ينصح الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ديفيد بولوك الإدارة الأميركية ب «قطع شريان الحياة» عن النظام السوري. شريان «يدعم النظام اقتصادياً وسياسياً وأمنياً». ويشكل صلة الوصل بين طهرانودمشق، ومنها إلى لبنان وفلسطين. ولمن لا يعرف هذا المعهد هو مؤسسة بحثية أسستها لجنة العلاقات الأميركية - الإسرائيلية «إيباك» عام 1985 وغالباً ما تتحول دراساتها إلى سياسة رسمية. الواقع أن جزءاً كبيراً من الأزمة المتفاقمة في سورية له علاقة باستراتيجية النظام، المستمرة منذ قرار الأسد الأب التحالف مع إيران، منذ الثورة الإسلامية وإطاحة الشاه، واستمرار هذه الإستراتيجية مع الإبن وتعميقها على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وغني عن القول إن المساعي الأميركية والعربية، منذ وصول بشار الأسد إلى الحكم، كان هدفها الرئيس فك هذا التحالف، وزاد الضغط على دمشق في هذا الاتجاه بعد احتلال العراق وتفكيكه ووصول أحزاب وجماعات احتضنتها طهران قبل الحماقة الأميركية الكبرى وما زالت تحتضنها، وتحولت بغداد إلى ساحة للصراع الأميركي - الإيراني، من جهة، والأميركي - السوري من جهة أخرى. اتخذ هذا الصراع اتجاهاً أكثر عنفاً بعد اغتيال الحريري عام 2005 وإجبار النظام السوري على سحب جيشه من لبنان، لكن النظام السوري استطاع استيعاب هذه الصدمة بالتفاف شعبي ملحوظ حوله، وتمتين علاقاته الإستراتيجية مع إيران وتركيا. ثم كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، على أمل القضاء على «حزب الله» وحرمان سورية وإيران من هذا الموقع المتقدم من الصراع على المنطقة. لكن الحرب فشلت، وخرج منها المحور الإيراني - السوري أكثر قوة. وتجذر نفوذه في العراق، خصوصاً بعد فشل وصول إياد علاوي إلى رئاسة الوزراء وتولي نوري المالكي، بما ومن يمثل، هذا المنصب. بمعنى آخر، أصبحت سورية وإيران جاهزتين لملء الفراغ الأمني والسياسي في العراق، بعد انسحاب الجيش الأميركي نهاية العام الجاري، فكان لا بد من فعل شيء لتغيير هذا الواقع. بدأت واشنطن استغلال «الربيع» العربي والأحداث في سورية لقلب المعادلة. إلتقت في ذلك مع اصحاب «الربيع» ومن يساندهم من العرب الذين يرون في إيران عدواً يشكل خطراً عليهم في الخليج، إذا ما تمكن في العراق أكثر وحافظ على تحالفه مع دمشق. توصية بولوك للإدارة الأميركية بقطع شريان الحياة عن النظام السوري، جاءت ضمن دراسة خلت تماماً من اي إشارة إلى الديموقراطية والحرية التي يطالب بها السوريون. المهم لديه المحافظة على مصالح واشنطن ونفوذها، فحتى ورقة التوت هذه التي تغطي بها الولاياتالمتحدة سياساتها وحروبها لم تعد تعني لها شيئاً. فك التحالف السوري - الإيراني هو المهم، وليكلف هذا الهدف ما يكلف من دماء السوريين. للشهداء الجنة أما الأرض فللأقوياء.