في الوقت الذي يتهيأ فيه ملاك المنازل إلى هجرها، وتجهم مخيلاتهم بالرعب والخوف مما يتردد من شائعات ومواقف تذكرهم بكوارث سيول الأعوام المنصرمة، يستعد أصحاب الشقق المفروشة لتغذيتها بمستلزمات التأثيث، لاستقبال وفود هائلة من المتضررين الهاربين خوفاً من انهيار غرف مساكنهم على رؤوسهم كما حدث في الكارثتين الأخيرتين. وقال أحد المتأثرين بكارثة العام المنصرم الذي قضى 10 أيام في شقق مفروشة مع عائلته أبو يوسف ل «الحياة»: «لم أعد أسترجع شيئاً من الذاكرة التي تحدث هلعاً في القلب من شدة الموقف، بيد أن ما أتذكره هو أن خطة إخلاء منازلنا جاءت في شكل عشوائي، إذ هربنا إلى الشوارع ولا نعرف إلى أين وجهتنا، وكان هلع السكان في العمائر وبعثرة الأطفال دون شد الرحال أو أخذ أدنى جزء من الأثاث رحلة رعب لا يمكن تصورها أو تشبيهها إلا بيوم كارثة حقيقية». واستطرد: «ذهبت بأسرتي إلى إحدى الشقق المفروشة التي كانت في أحياء مرتفعة لم تتضرر في الشكل الذي غمرنا في جنوب العروس، ولم أجد غرفة واحدة شاغرة تُؤوي أسرتي وأطفالي، في الوقت الذي رفعوا فيه إيجار الغرفتين إلى 500 ريال أي ثلاثة أضعاف الأيام العادية». وفي ذات السياق، لفتت سيدة خمسينية (فضلت عدم ذكر اسمها) إلى معاناتها وبناتها وأطفالها الستة مع الشقة التي لجأوا إليها، وتابعت: «كنا نستغل مادياً من بعض أصحاب الشقق المفروشة الذين غالوا علينا في السعر و رفضوا إيواءنا ما لم ندفع المبلغ الكبير مقدماً، و آخرون كانوا يرفضون استقبالنا بحجة أن الموقع لا يوجد به شاغر، علماً بأن الموقع به شقق شاغرة و لكنهم يخشون أن يكون ذلك بالمجان، وبقيت مع أبنائي لمدة ست ساعات بعد أن قطعنا طريقنا سيراً على الأقدام لأكثر من ساعتين» . في مقابل ذلك، نفى مسؤول إيواء السكان بإحدى الشقق المفروشة في شمال جدة خالد العباد ل «الحياة» عدم رد أي أحد من المتضررين وصل إليهم، بل كنا نستقبلهم، مفيداً بأن مالك الموقع شدد على أن لا نرد أحد، ونبهنا إلى الاهتمام أكثر بالأسر و النساء دون الرجال، كما عكفنا على شراء بعض المواد الغذائية وتزويد النزلاء من غير المقتدرين و من دهمت السيول خزائنهم وألحقت الضرر بممتلكاتهم المالية بها، وأضاف: «لكي نستوعب أكبر عدد ممكن احتوينا فوق الطاقة الاستيعابية بتقسيم الشقق إلى شقين واحد للرجال وآخر للنساء، ووضعنا مفارش مكشوفة للشباب على الأسطح في مجمعاتنا كافة». وأردف: «بدأنا ترتيباتنا حالياً منذ وقت مبكر لشراء المفارش والألحفة ومستلزمات المبيت منذ توارد الأنباء حول هطول الأمطار هذا العام». وحول تخوف أصحاب الشقق المفروشة من عدم دفع بعض النزلاء قيمة السكن، أكد أن من ينظر إلى مثل هذه الأمور في ذاك الوقت لا يراعي الوازع الإنساني «فالموقف أشد من المتطلب»، لا سيما أن الدفع و التعويض في ذلك الوقت كان حالاً من دون تأخر بعد توجيهات خادم الحرمين الشريفين ومتابعة أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل. بدوره، أبان مدير إدارة العلاقات والمبيعات الحكومية في فندق الأنتركونتننتال بجدة محمد الرفاعي أن الفندق استقبل في الموسم الماضي للأمطار المستغيثين من دون أدنى ممانعة، وقدم لهم المساعدة من حيث الإيواء وإشراع الصالات المفتوحة وتوفير المفارش الجديدة تفاعلاً مع الواجب الإنساني و الحس الوطني، وزاد: «نستعد للمبادرة في أي حال (لا سمح الله) تقع على المواطنين، بل ننادي زملاءنا أصحاب المساكن والفنادق على التماس حاجة المتضررين و المبادرة بإعداد فرق وخطط طوارئ لأي ظرف يحل جراء موسم الأمطار».