لم يعد الاستيقاظ على أصوات الرعد وتساقط المطر الغزير و دهم السيول منازل السكان وجرفها مركباتهم وممتلكاتهم وهدم بناياتهم، هو ما يرعب قاطني مدينة جدة التي تعرضت لفاجعتين في عامين متتاليين، بل أن مجرد مطالعتهم إعلان الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة أو المراصد العالمية عن حال الطقس الذي ستكون عليه منطقة مكةالمكرمة وتحديداً محافظتهم الساحلية، يكون ذلك مثار فزعهم وجعلهم على أهبة الاستعداد لمواجهة خطر طالما عرفوا حجمه. ومثلت الكارثتان (الأولى والثانية) درساً مريراً لسكان العروس لا سيما المناطق التي تأثرت في شكل كبير جراء تلك السيول، ما جعل من ال «جداويين» أنفسهم يشكلون خططاً وإجراءات خاصة للطوارئ غير مستكينين للاستعدادات التي تبديها مديرية الدفاع المدني. وعلى رغم من أن بساطة التدابير التي اتخذتها الأسر وغرابتها في نفس الوقت نوعا ماً، لكنها تنبىء في مضمونها عن خلفية لمآسٍ عاشوها في أروقة أحيائهم كان يفوح منها رائحة الموت في كل شبر منها. في موازاة ذلك، ظلت أمانة جدة في سباق محتدم، ومسارعة مع الزمن بالعمل على قدم وساق لإنجاز مشاريع تصريف السيول في أسرع وقت ممكن، مسابقة في ذلك السحاب الممطر بغية تأمين مجارٍ خاصة تمكن من تصريفها في شكل انسيابي، بعيداً عن المواقع المدنية حتى لا تتكرر الفاجعة. ويعتبر حي قويزة (جنوبجدة) أحد أشهر الأحياء التي تضررت في شكل شبه كامل، إذ جعلت منه مياه السيول وهي محاصرة له منظر جزيرة محيطة بها المياه من كل جانب، فالسيول جرفت كل ما في شوارع الحي وتغلغلت حتى استوطنت داخل غرف منازل السكان. وما زالت قصص وحكايات المأساة تستحضرها ذاكرة أهالي الحي، واسترجع أحد القاطنين طلال أحمد قصصاً محزنة سببتها تلك الكارثة، وقال ل «الحياة»: «هناك العديد من المواقف المفزعة حصلت في حينا، ولم يسلم أحد من الخسائر التي أقلها جرف الكثير من السيارات». وعلى رغم اعتقاده بعدم هطول أمطار غزيرة هذه العام بناء على الأجواء الطبيعية حتى الآن التي لا توحي بإحداثها «حسب وصفه» كارثة مثل التي سبقت، إلا أن المواطن طلال أبدى تخوفه كغيره من يوم الأربعاء الذي ارتبط بنزول الكوارث، وأردف: «أصبح هذا اليوم (الأربعاء) في هذه الفترة يخيفنا كثيراً ويجعلنا نبقى في منازلنا». وتداخل معه صديقه فهد القليطي بالقول: «ندعو الله أن تكون الأمطار لنا سقيا خير ورحمة، وأن تجلب معها الرزق»، لافتاً إلى أن كل ما يحصل هو بحكمة وتقدير من رب العالمين، وزاد: « أنزعج كثيرا عندما أسمع من يدعو الله بأن لا ينزل علينا المطر، فهو لا يدري أن الله أعلم منه بما فيه الخير لعبيده». أحداث الفاجعة في الحي المنكوب، زادت من وعي أبي مرزوق أحد ملاك المنازل في قويزة، إذ أكد ل «الحياة» أنه ليس قلقا كثيراً هذه المرة من تكرر الحادثة على الحي، مفيداً بأنه اتخذ تدابير استباقية أراحته كثيراً، وتابع: «لدى أبنائي ثلاث سيارات قررنا عند شعورنا بتغير الأجواء نقلها ووضعها في أحد المراكز التجارية ذات الأدوار متعددة المواقف»، وأضاف: «سأقوم بنقل الأجهزة الكهربائية الثمينة في المنزل من الدور الأول إلى الدور الثاني حتى لا تطالها أو تصيبها المياه». وعن مدى تأثره بالكارثة الأخيرة، استرسل: «تأثرت السيارات لدينا أكثر، إضافة إلى تأثرنا بانقطاع التيار الكهربائي ما تسبب لنا في الكثير من القلق، بيد أن الدولة لم تقصر في سرعة مساعدتنا من خلال توفيرها مساكن وشققاً مفروشة ، مكنتنا بذلك من تجاوز الأزمة». وكسابقه، يأتي حي أم الخير الذي لم يعرفه بعض سكان العروس إلا حينما عصفت به كارثة السيل الأخير، في المرتبة الثانية من حيث حجم الضرر الذي طال أحياء جدة، بيد أن الجائل حالياً في أرجائه لا يكاد يشعر بأن ضرراً لحق به، إذ أعيد بناؤه وإصلاح الكثير من أجزائه المتأثرة. وإن اكتملت فصول إعادة بناء الحي، كما أفاد المواطن فيصل السبيعي «إلا أن هناك العديد من الأماكن تأخرت عمليات إعادة بنائها وإصلاحها كبعض الأرصفة وزفلتة بعض شوارع الحي»، وأردف: « أجد أهل الحي يتحدثون دائماً عن أمطار الأربعاء ويتناقشون في الأمر وهم يتملكهم الرعب والخوف على ممتلكاتهم ومنازلهم، وحتى أبنائهم فالكثير فجع في رحيل أبنائه أو أبناء جاره العام الماضي». وعن استعداداته للتعامل مع أمطار هذا العام أوضح أنه ربما يغادر جدة إلى الطائف لزيارة بعض أقاربه هناك «ليس هروباً من المطر لكن نظراً لصعوبة التنقل في المدينة بأكملها». وعلى عكس هدوء السبيعي، ارتفعت الحماسة لدى سعيد البقمي الذي أكد إجراءه العديد من الترتيبات للأيام المقبلة «قمت بجمع أغراضي الهامة كافة ووضعتها في حقائب موثقة وسأضعها في الدور الثالث عند أخي الذي يسكن في نفس البناية، ولن أدع أبنائي يذهبون إلى المدرسة في حال مشاهدة أي غيوم توحي بهطول أمطار». هذه الترتيبات جاءت نتيجة مشاهد عاشها أهل حي أم الخير يستحضرها البقمي دائماً، واستطرد: «لقد وصل منسوب المياه إلى ما لم أكن أتوقع أو أتخيل، وعندما أشاهدها في موقع اليوتيوب لا أصدق أن هذا كان يحصل في حينا»، حاثاً جيرانه على أخذ الحيطة والحذر خصوصاً الانتباه للأطفال الصغار وعدم السماح لهم بالخروج من المنزل في حال تلبد الأجواء بالغيوم. تلك الحادثة، اضطرت ظافر القحطاني وأصدقاءه إلى إجراء تدابير تقيهم شرها، ويسرد: «اشترى أصدقائي جميعاً أطواق نجاة وقوارب بلاستيكية قابلة للنفخ استعداداً لمواجهة أي أمطار أو سيول للإبحار بها إلى مناطق آمنة في جدة»، ولا يرى ظافر أن هناك ما يوحي بهطول أمطار مثل ما سبق، مستدركاً: «الأمر كله بيد الله، لكن لا أعتقد أنه ستكون هناك أمطار وإن هطلت فلن تكون كالتي أحدثت أخيراً كوارث».