أن تتعاطى الثقافة والأدب ولا تكون لك ميول رياضية، فهذا شأنك ولا دخل لنا فيه، لكن ألا تلفت انتباهك أحداث مونديال كأس العام لكرة القدم المقامة حالياً في البرازيل وتشارك فيه كبار منتخبات الدول والعظمى منها ولا تكون متحمساً أو متابعاً لمجريات الأحداث، فهذا يعدّ خللاً في تركيبتك الثقافية والأدبية. بعض المثقفين انكفأ على نفسه واعتزل الناس وكأن هذه الأحداث لا تعنيه، وبعضهم اكتفى بمعرفة النتائج ومن سيحصل على الكأس ولسان حالهم يقول: ما علاقة الرياضة بالثقافة وما علاقة كرة القدم بالأدب؟من المؤكد أن ابتعاد المثقف والمبدع عن الأحداث التاريخية والرياضية منها، يخلق هوّة كبيرة بين الإبداع والمبدع ذاته، وتنعكس بالضرورة على جودة المنتج الفني الذي سيقدمه، وربما تجاوز الأمر ذلك إلى انحدار في التفكير وضعف في الأداء، وهو ما يجعلنا غير متفائلين بتجارب إبداعية لافتة للارتقاء بالفنون والآداب. وحده الخيال لا يكفي في صناعة الفن، بل إن من أجمل الأعمال الإبداعية تلك التي يلتقطها الأديب من حياة الناس ثم يضيف عليها خياله، فتخرج مميزة في حقلها الفني ومنفردة في أدائها الأدبي ويتفاعل معها القراء ويستشعرون وجودهم معها. إن المنافسة الشريفة التي تخوضها المنتخبات لتحقيق الكأس، وإثبات الشرعية الرياضية والبراعة الفنية في الأداء بحضور جماهير غفيرة من مختلف دول العالم لمتابعة مجرياتها في الملاعب، ليس لأجل الكرة فقط، بل إنها تحمل أبعاداً أخرى ثقافية وسياسية واجتماعية وغيرها، وما تصنعه الرياضة في نفوس الجماهير وفي هذه المحافل بالذات يعجز عن صنعه أي شيء سواها، ولا يخفى على من تنطبق عليه صفة المثقف والمبدع استثمار تلك الأحداث وتداعياته المختلفة واستحضارها في الفن الذي يتعاطاه، وتوظيفها في مشروعه الإبداعي ولو بعد حين. سيكفيني الاستطراد في هذا الموضوع بالقصيدة التي كتبتها الشاعرة السعودية أشجان هندي «هجمة مرتدة» في ديوانها «ريق الغيمات» وأترك للقارئ الكريم تحليلها كيف ما يرى. «ارسمْ كُرةً، داخلها جمهورٌ لا تركُلهُ الأقدامْ، ثم ارسم حَكَماً لا يحملُ صافرةً، وارسمْ أهدافاً؛ تتسللُ منها الأحلامْ.. في المرمى: ارسمْ عقلاً غادرهُ النورْ، ثم أرسمْ في العتمةِ مصباحاً، وصباحاً حولَ المصباحِ يدور.. بين الشوطينِ: ارسمني، وارسمْ أختكَ، وارسمْ كلَ نساءِ الأرضْ، ارسمنا بالطولِ، ولا ترسمنا بالعرضْ.. ارسمنا، ثم افتح وجهَ اللعبِ الحُر، ارسمنا، ثم أغلق وجهكَ، وأخرج من قلبِ المرمى، خذ خطّ دفاعكَ، وشباككَ، خذ ألوانكَ، دعنا في الملعبِ دونَ خطوطٍ حمراء». * شاعر سعودي.