بعد خمس سنوات من التوقف، عاد بينالى الإسكندرية الدولي لدول حوض البحر المتوسط في دورته السادسة والعشرين ليعيد نبض الحرية والفن في شرايين متحف الفنون الجميلة في منطقة محرم بك القديمة بالإسكندرية. ثلاثون يوماً يحتضن فيها أول متحف للفنون الجميلة في مصر والعالم العربي أداءات تشكيلية أوروبية وعربية كرنفالية مكسوة بوشاحات مختلف الفنون البصرية والتعبيرية التقليدية والحداثية من نحت وطباعة وتصوير زيتي وفوتوغرافي وأعمال مركبة، إلى فنون ما بعد الحداثة من فيديو أرت وانستليشن (التجهيز في الفراغ) او تركيبات فنية الى ما غير ذلك من التجريب الفني المنوع والدمج الفني بين التصميم والفيديو ارت. تحت شعار «إرادة التغيير» يشارك 18 فناناً يمثلون 13 دولة (مصر وإسبانيا، وتركيا، وصربيا والجبل الأسود، والبوسنة، وسلوفينيا، ومالطا، واليونان، وليبيا، وتونس، وسورية، والجزائر، والمغرب) في فعاليات البينالي الذي تختتم فعالياته الشعر المقبل. يمتاز البينالي بتنوع أطروحاته الفنية واختياراته المغايرة واستقطابه آخر التجارب الفنية المدهشة من مختبرات الفنانين المشاركين، اذ ازدانت جدران المتحف المعروف بمتحف حسين صبحي بروائع أعمال الفنانين المشاركين بمختلف ثقافاتهم وأيدلوجياتهم وأطروحاتهم الفنية والتشكيلية. إلا أن اللافت في هذه الدورة شيوع الأجواء السلبية لما بعد ثورات الربيع العربي والتي عبر عنها كثير من الفنانين خصوصاً ممن عاشوا أتون الثورة بمعاركها واحتدامها في مناطق الصراع في ليبيا وسورية. أحد هذه الاعمال ما قدمه السوري قيس سليمان الذي جسد هيئة غريبة لرأس ضخم لأحد مدعي الإسلام وهو يحمل قلب أحد ضحاياه وآخر يحمل ما يشبه أوسكار الشر وآخر في هيئة ضاحكة بعدما حصد ما تمناه من رؤوس وقلوب واكباد ضحاياه. وفي طرح مشابه قدم تمام عزام «نموذج هجين» باستخدام الوسائط المتعددة «قادر على الاقتراض والتضاعف كلما تطور» واصفاً دوائر العنف والدمار التي تمزق بلده سورية، ومصوراً مجموعة من الخرائط المحطمة والمجروحة وبيادق الشطرنج الواقعة ورموزاً أخرى أعاد تكوينها. ومن تونس قدم زياد زيتون ثورة المرأة التونسية الرافضة لما تتعرض له من تهميش وانتهاكات وعنف عقب الثورة، وجسد قنستانتينوس إيسلين من اليونان دلالات الطفولة والصراع لأسر التعددية الكاملة للمشاعر والمواقف الإنسانية مستخدماً هرج الأشكال الغريبة وصلاتها مع العالم المادي. كما قدم التقني الاسباني إدواردو ناف أعمالاً تتعرض للأماكن التي شهدت أحداثاً ومدى إمكان أن تستعيد هذه الأماكن ما حملته بين أركانها من ذكريات. وقدمت هديل نظمي من مصر فيلمي «جغرافيا بديلة»، و «ما تذهب إليه لم يأتِ بعد» ويعرض لثلاثة أزمنة مختلفة من تاريخ الإسكندرية. وفازت التشكيلية المصرية هدى لطفي بالجائزة الكبرى للبينالي عن عملها «بيادات» وهو فيديو آرت طرحت من خلاله قضايا التمثيلات الجندرية والثقافية عبر مناقشة قضايا العنف والعولمة والحرية. كما فاز كل من السلوفيني ساسو سيدلاسيك، والليبية أروى أبو عون، والمصري كمال الفقى بجائزة البينالي، إضافة إلى ميدالية البينالي. وضمت لجنة التحكيم الدولية الأميركي أولو أيجب رئيساً والألمانى توماس إيلر، والنروجية سيلين يندت، والبحريني فيصل سمره، والسنغالي نُدييه ماني توريه، والمصري محمد شاكر أعضاء. واكب البينالي عدد من الندوات واللقاءات النقاشية بمشاركة نخبة من الفنانين والنقاد من فرنسا ولبنان ومصر واليونان واسبانيا، دارت حول محاور ثلاثة هي التغيير والثورة والمفهوم البيولوجي للهدم والبناء، إضافة إلى ديمومة التاريخ واللحظات المواتية للمستقبل وكذلك نماذج من الثورات وعلاقتها بالحراك الفني والثقافي والتغيير الإجتماعي، وأيضاً التراث والحداثة وهوية التغيير وكذلك مستقبل الفنون الكلاسيكية والفنون الحداثية وأيضاً مستقبل الفن والأدب والثقافة، كما افتتح على هامش البينالي معرض «لمسات اسكندرية» في «أتيليه الإسكندرية» بمشاركة 44 فناناً من مختلف الأجيال، إلى جانب ذلك احتفى البينالي بالراحل حامد عويس (1919-2011) ضيف شرف الدورة من خلال تقديم عرض خاص لأعماله. ويعد بينالي الإسكندرية ثاني أقدم بينالي على مستوى العالم بعد بينالي فينيسيا ويقام كل سنتين، وكان أول بينالى افتتحه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1955.