نشأت زهرة هندي (30 سنة)، في المغرب حيث ولدت من أصل بربري وأحبت التمثيل والموسيقى والفنون الجميلة منذ صباها فانضمت الى فرقة مسرحية في مدرستها قبل أن تكتشف أن الغناء هاجسها الأول وأنها لا بد من أن تتعلمه على أصوله وتسعى الى احترافه بقدر المستطاع. وفي انتظار اليوم الموعود راحت زهرة تغني في شوارع ومقاهي القرية الصغيرة حيث تقيم مع عائلتها، مستحقة إعجاب وتصفيق سكان حيها. انتقلت زهرة إلى باريس في سن المراهقة كي تقيم مع والدها الذي كان قد عثر على فرصة عمل في فرنسا، ودفع بها حبها للفنون الجميلة والتشكيلية إلى التفتيش عن عمل في هذا الميدان بانتظار أن يصبح الغناء مهنتها الوحيدة ومصدر رزقها. وهكذا وجدت نفسها في متحف اللوفر، أفضل مكان بالنسبة إليها كي تتعلم الفنون أكثر وأكثر وتجاور أجمل التحف وأغلاها، خصوصاً لوحة «جوكوندا» التي راحت زهرة تستوحي منها كل صباح لكتابة أغنيات رومانسية بلغ عددها الآلاف، لكنها لم تحتفظ منها إلا بعدد قليل جداً صار الجمهور يعرفه بعدما تركت اللوفر لتصبح مغنية محترفة تصدر الأسطوانات التي تحمل اسمها كمؤلفة ومغنية، إضافة الى وقوفها فوق مسارح نوادي الجاز الباريسية المرموقة تغني كلماتها ولكن أيضاً العديد من الألحان المعروفة عالمياً في الجاز والبلوز والموسيقى الأفريقية، مثل أغنيات الفنان البير علي فاركا توريه، ثم العربية. وتعشق زهرة أم كلثوم، ولا تتردد في إدخال فقرات من بعض أغنيات كوكب الشرق في إطار وصلاتها الغنائية. وقبل أن تصبح زهرة هندي فنانة متكاملة ومستقلة بذاتها، غنت في فرق الكورال. وإذا كان هذا النشاط قد سمح لها بأن تتدرب وتكتسب الثقة الضرورية في نفسها إضافة إلى بلورة صوتها وحسن استخدام حنجرتها، فهي شعرت طوال فترة ممارستها له بنوع من الكبت الفني إذ كانت تتخيل نفسها في كل مرة واقفة في مقدمة المسرح تردد أغنياتها الشخصية أو ألحان غيرها من الذين تهواهم. وهي تعترف الآن بأن كل التجارب التي مرت بها قبل أن تنجح فعلاً، وإن بدت بمثابة فشل أو كبت في نظرها، علّمتها، في الحقيقة، المثابرة وسمحت لها بالتدريب الفني الضروري لأي فنان يرغب في الاستمرارية وليس فقط في إصدار أسطوانة واحدة تلاقي النجاح في موسم محدد ثم يختفي مغنيها إلى الأبد. تقول زهرة إن موسيقى الجاز في نظرها قريبة كثيراً من الموسيقى العربية، وهي لم تكتشف هذا الشيء إلا بعدما غنت ألحان الجاز بالتحديد سنوات طويلة من دون أن تعرف ما الذي كان يثير إعجابها بها. وعندما استنتجت أن لون الجاز على علاقة وطيدة بالموسيقى الشرقية أدركت سر اهتمامها اللاشعوري بأركانه وصارت تتمادى أكثر وأكثر في اللجوء إليه كلما أحيت سهرة أو سجلت أسطوانة. وبين الأغنيات الناجحة التي ترددها زهرة «روحنا» و «التانغو الجميل» و «لما سميك» التي تغنيها باللغة البربرية. حياة الناس الهاجس الأول لزهرة في أغنياتها، فهي لا تتكلم إلا عن الحب والعلاقات الإنسانية وكل ما يمس الحياة اليومية، مهما بدت هذه الأشياء ثانوية أو مجردة ظاهرياً من الأهمية.