الشبكات الاجتماعية الافتراضية صارت وثيقة الصلة بعالم الواقع، ولم يعد أثرها يقتصر على الخسائر الإلكترونية. وتتوالى فصول الحرب الإلكترونية الافتراضية بين كارتل «زيتا» (أعنف مجموعة جريمة منظمة في المكسيك، وهي أبصرت النور في 2004 وجندت قدامى رجال الشرطة ونخبة العسكر في ذراع كارتل «الغولف» العسكرية المسلحة) وبين المجموعة الدولية الإلكترونية «أنونيموس». وهي حرب يومية افتراضية مدت الجسور إلى الواقع، وبدأ ضحاياها يسقطون الواحد تلو الآخر، بعضهم يقتل وبعض آخر يخطف أو تبتر أطرافه. وفي «غوغل» و «فايسبوك» لا يملك أحد التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، على رغم أن الموقعين يستضيفان صفحات الفريقين الخصمين المتواجهين. وتعاظم وتيرة المواجهات بين الكارتل والمجموعات العسكرية وبين رجال الشرطة حمل مستخدمي الشبكة الإلكترونية والناشطين على الشبكة في المكسيك على تنظيم صفوفهم، والسعي إلى إلقاء الضوء على هذه الحوادث. وبعضهم دعا إلى تحركات وتظاهرات، على غرار مجموعة «المستنكرون» في سيوداد خواريز ومكسيكو، وبعض آخر من المجموعات مثل «انونيموس» (وهي مجموعة تستوحي الفوضوية ورمزها هو غيّ فاوكس، الكاثوليكي الإنكليزي الذي حاول نسف البرلمان البريطاني في 1605) لا يتوانى عن تحدي المنظمات الإجرامية. وبدأت «انونيموس» المواجهة هذه في السادس من تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم، إثر نشرها شريطاً مصوراً على «يوتيوب» يطلق عملية «كارتل». «طفح الكيل من هذه المجموعة الإجرامية المسماة «لوس زيتا» المختصة بالخطف والسرقة والنهب، قال ممثل «أنونيموس» في الشريط هذا. وطالب بالإفراج عن زميل ناشط في المجموعة خطف أثناء توزيع مناشير ترويجية تدعو إلى الانضمام إلى عالم «أنونيموس» الحر في آب (أغسطس) الماضي في منطقة فيراكروز، وهدد «زيتا» بكشف بيّنات على تواطؤ السياسيين ورجال الأعمال ورجال شرطة وعسكر مع ذراع كارتل «الغولف» العسكرية. ولم تقصر «انونيموس» تهديداتها على «زيتا»، ولوحت بفضح «كل من يتاجر بالمخدرات ويتواطأ مع المؤسسات، أي حكومة المكسيك ووكالات مكافحة المخدرات الأميركية على وجه التحديد. وبعد ثلاثة أيام على بث الشريط وعشية انتهاء مهلة الإنذار قبل بث المعلومات، أبلغت «أنونيموس» مستخدمي الإنترنت أن زيتا رضخت، وأفرجت عن الرهينة. وحمل المفرج عنه رسالة تهديد تبلغ «أنونيموس» أن 10 أشخاص سيلقون حتفهم جزاء نشر اسم ضالع في الكارتل، وأن المجموعة ستنتقم من أسر الناشطين. وذاع صيت عملية «انونيموس» في الصحافة العالمية، على رغم أن الصحافة المكسيكية سعت إلى طمس أهمية الحادثة. ويرى السناتور فرانسيسكو خافيه كستيللون فونسيسكا، رئيس لجنة العلوم والتكنولوجيا المكسيكية، أن عملية «انونيموس» هي «شد حبال بين سلطة «أنونيموس» الافتراضية وسلطة تجار المخدرات. ولم يتوقع أحد أن تنتقل الحرب على تجار المخدرات من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي. وعالم اليوم مدهش. فالواقع في بعض الأحيان يفوق الخيال ويعصاه». وفي 28 من الشهر الماضي، قرصنت المجموعة الفوضوية موقع وكيل تابَسكو السابق، غوستافو روزاريو توريس، وكتبت على صفحة الدخول: غوستافو روزاريو من «الزيتا». ونشر المقرصنون شريطاً على يوتيوب يتبنى العملية. ولم تخف مدونة «أنونيموس اسبانو» ما ترمي إليه، وأعلنت حيازتها معلومات هامة وأنها لن تترك الشعب المكسيكي وحيداً في مواجهة «زيتا» ولن تتراجع أمام الفساد والسرقة والجريمة. وفي الأشهر الأخيرة، تعاظمت وتيرة استهداف مستخدمي الشبكات الاجتماعية، ولوحت سلطات ولايات مكسيكية بملاحقة وتوقيف من ينشر «إشاعات» أو معلومات «حساسة» من غير موافقة السلطات. وفي نويفو لاريدو في تاموليباس، عثر في 13 أيلول (سبتمبر) المنصرم على جثتي رجلين وعليهما رسالة من «زيتا»: أُعدما لنشرهما معلومات عن الكارتل. وفي 26 من الشهر نفسه، وجدت الصحافية ماريسول ماسياس كاستانيدا مقطوعة الرأس إثر كشفها «معلومات حساسة» تتناول رجال شرطة وتجار مخدرات على مدونتها وعلى حساب «تويتر» الخاص بها. وتبنت «زيتا» الاغتيال هذا. وفي فيراكروز، أعلن الحاكم خافيه ديوراتي سجن جيلبيرتو مارتينيز فيرا وماريا دو جيزوس برافو كارانزا بتهمة نشر أخبار على «تويتر» و «فايسبوك»، أكثر مواقع الشبكة الإلكترونية رواجاً في المكسيك، عن مواجهات مسلحة وعمليات خطف في مدارس عامة في منطقة مرفأ فيرا كروز. وقبل أيام ظهرت جثة ناشط إلكتروني رابع في نيويفو لاريدو. وفي مرحلة تنهش أعمال العنف المكسيك تبرز الشبكة الإلكترونية شبكة تواصل وحماية بين الجماعات في أكثر من ولاية. وتتوسل السلطات الحكومية وتجار المخدرات الأدوات نفسها لرصد الناشطين الإلكترونيين وملاحقتهم وقمعهم وقتلهم. * مراسل، عن «بروسيزو» المكسيكية، 5/11/2011، إعداد منال نحاس