بعد نحو ثلاثة شهور على انفصال جنوب السودان عن شماله، باتت عودة الحرب بين الجانبين خياراً راجحاً، في ظل حرب بالوكالة، في أطراف السودان الجنوبية والشرقية ونشاط الجماعات المسلحة المتمردة على حكومة الجنوب وطغيان لغة السلاح على منطق السياسة، ما يهدد بتمزيق السودان وفشل دولة الجنوب وإطاحة نظامي الحكم في الدولتين. وعاد التوتر بين الخرطوموجوبا بسبب تمرد المقاتلين الشماليين في الجيش الجنوبي في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق المتاخمتين للجنوب. وترى القيادة السودانية أن الفرقتين التاسعة والعاشرة في «الجيش الشعبي» في الولايتين ما زالتا تابعتين للجنوب، وتتلقيان أوامر عسكرية من جوبا، مشددة على عدم تحقق فك الارتباط العسكري الذي كان ينبغي أن يحدث قبل الانفصال. وتعتقد الحكومة السودانية بأن دعم جوبا للمتمردين في الولايتين يستهدف إضعافها وتحقيق توازن يمنع أي مطامع لها في الجنوب، وتعزيز موقف حلفائها الذين قاتلوا معها خلال مرحلة الحرب الأهلية، وبناء منطقة حزام آمن بين الشمال والجنوب وعمق أمني للدولة الجديدة. في المقابل، ترى القيادة الجنوبية أن الشمال قبل مُكرهاً بانفصال الجنوب ويدعم الجماعات التي تمردت عليه بالسلاح والعتاد العسكري لخلق فوضى أمنية تمنع بناء الدولة الوليدة، حتى تنشأ دولة فاشلة وتجهض ثمرة الاستفتاء، ويستمر اعتماد الشمال على الجنوب ما يمكن الخرطوم من السيطرة على الجنوب عملياً وصعود حلفائها إلى الحكم هناك. وعزز الشكوك المتبادلة إعلان «الجبهة الثورية السودانية» التي تضم حركات التمرد في دارفور و «الحركة الشعبية» في الشمال التي تعتبر فرعاً من الحزب الحاكم في الجنوب وتقاتل الجيش السوداني في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وتتهم الخرطومالجنوب ب «احتضان» التحالف الذي أعلن عزمه إسقاط نظام الرئيس عمر البشير عبر المزاوجة بين الوسائل السياسية والعمل العسكري. وتعتبر ذلك «تنفيذاً لأجندة أجنبية تسعى إلى إطاحة نظام الحكم» عبر زحف عسكري من أطراف البلاد، على غرار النموذج الليبي. ويرى مراقبون أنه في ظل غياب رؤى سياسية لتسوية الأزمة بين حكومتي السودان وجنوب السودان وانشغال العرب بالأوضاع في سورية واليمن والدول الغربية الغارقة في أزماتها المالية وتطورات الربيع العربي، فان الصراع بين الخرطوموجوبا مرشح للوصول إلى مرحلة «كسر عظم» وانتقام متبادل عبر حرب وكالة أو حرب مباشرة ستكون هذه المرة بين دولتين وليست حرباً أهلية كما كان سابقاً. ولا يستبعدون أن يتجه نظام الحكم في أي بلد إلى اقتلاع الآخر واستبداله بآخر موال له لضمان عدم تهديده مستقبلاً، خصوصاً أن أمنهما مرتبط ولا تزال قضايا متصلة بفك الارتباط بين الدولتين عالقة. وقال وزير الإعلام السوداني كمال عبيد أمس إن «حكومة الجنوب تدعم تحالف المعارضة المناهض للخرطوم وانصرفت عن مهماتها الأساسية». واعتبر ذلك «هروباً من المشاكل التي يجب أن تضطلع بها، سواء على مستوى علاقاتها مع السودان أو مع دول الجوار»، مهدداً بأن حكومته سترد على الجنوب في المكان والزمان المناسبين. في المقابل، قال رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت أمس إن البشير «يسعى إلى الهروب من مشاكله الداخلية عبر افتعال معارك مع الجنوب والتخطيط لغزوه وإخضاعه لحكمه». ورأى أن ذلك «ليس ممكناً».