لم يجد احمد ( 19 سنة) الطالب في جامعة الحسين في مدينة معان (300 كلم جنوب العاصمة عمان) وسيلة للتعبير عن معاناته بعد ان فقد والده بجرعة زائدة من المخدرات سوى ان يكتب رسالة اعطاها لاطفال وأجلسهم على بوابة المسجد الكبير وسط المدينة لتوزيع نسخ منها على المصلين يحذرهم فيها من المصير الذي ينتظر عائلاتهم جراء انتشار المخدرات في المدينة. احمد الذي لم يكن قد انهي بعد دراسة السنة الاولى في جامعته عندما فجع بوفاة والده، اضطر لترك الدراسة والتوجه الى سوق العمل الشحيح في مدينة جنوبية تخلو من النشاط الاقتصادي بسبب بعدها عن العاصمة من اجل اطعام اخوته الخمسة الذين تركهم موت والده فريسة سهلة لحياة التشرد والحرمان والانحراف. اخوة احمد لم تتركهم حياة التشرد من دون ان تدمغهم بمساوئها حتى جعلتهم يواجهون مصيرهم المحتوم فالثاني قتل في قضية اغتصاب فيما واجه الثالث والرابع حكماً بالسرقة القى بهما خلف القضبان، في الوقت الذي تجهد فيه الأم بكل ما أوتيت لجمع الصدقات لانقاذ حياة ابنها الخامس الذي يرقد في حالة غيبوبة في احد المستشفيات بعد اصابته خلال مشاجرة بين مجموعة من الشباب. تشتت عائلي ما يعيشه احمد من تشتت لعائلته بسبب لعنة المخدرات يعيشة كثيرون في المملكة بعد ان اتسعت ظاهرة الاتجار وتعاطي المخدرات بين السكان، ولكن الاخطر هو تسرب هذة الآفة الى طلبة المدارس والجامعات بشكل محسوس لا يمكن تجاهله. فأولياء أمور طلبة مدارس وجامعات في المملكة يتحدثون عن حبوب مخدره اخترقت أسوار مدارس ابنائهم وكلياتهم وجامعاتهم، لتحيل العديد من الطلاب الى ضحياها لهذه الافه. وهو ما يؤكده مصدر أمني في روايته عن أحد المنازل التي تمت مداهمتها في مدينة معان مطلع العام الحالي، مشيراً الى ضبط خمسة من طلبة جامعة الحسين يتعاطون المخدرات، إلا أن الموضوع تم التعتيم عليه والتعامل معه بحساسية تامة. ضغوط نفسية محمود احد الطلبة الذين يدرسون في جامعة البلقاء التطبيقية في مدينة السلط (15 كلم غرب العاصمة عمان) يبرر تعاطيه للحشيش بالضغوط النفسية التي يتعرض لها، بخاصة المشاكل التي تعاني منها عائلته، مثل التفكك والفقر، وبالتالي فإن التعاطي يمثل له هروباً من الواقع الذي يعيشة. ورغم ان تعاطيه للحشيش يؤثر سلباً على تحصيله العلمي في الجامعة، الا ان محمود يقول ان لمته مع «شلته»، اضافة الى النشوة التي يشعر بها بعد تدخينة لسيجارة الحشيش تجعله مقبلاً عليها، بخاصة مع غياب دور الاهل في مراقبته. وتعد ظاهرة انتشار تعاطي المخدرات بين طلبة المدارس والجامعات احد اهم الاسباب التي تؤدي الى نشوب المشاجرات الطلابية والتي تقود في النهاية الى مشاجرات عشائرية تمتد الى خارج اسوار الجامعة او المدرسة، بحسب الباحث الاجتماعي بلال العقايلة الذي يؤكد ان هذة المشاجرات اصبحت تشكل ازمة حقيقة للمجتمع تمزق اوصاله باستمرار. ويؤكد المقدم خضر آل خطاب من إدارة مكافحة المخدرات خلال ندوة له عقدت في اتحاد الجمعيات الخيرية في مدينة معان حول المخدرات أن نسب التعاطي في مدينة معان من أعلى النسب في مدن المملكة، لافتاً أن الحد من هذه المشكلة يكمن في زيادة الوعي الأسري لأنه يعد الركيزة الأساسية في هذا الجانب، داعياً الى إقامة ورشات عصف ذهني من أبناء المدينة للتفكير الجاد في مقاومة هذه الآفة. مراكز بيع معروفة ويزعم مواطنون أن طلاب مدينة معان اصبحت لديهم مراكز معروفة لشراء الحبوب المخدرة، اضافة الى شيوع مصطلحات خاصة بهذه الحبوب مثل «كاسة شاي أو فنجان قهوة ملغومة» بمعنى المخلوطة بالحبوب المخدرة و «كل بسعره». وفي فعالية طريفة قام بها ناشطون تعبيراً عن رفضهم لاتساع الظاهرة قام شباب في مدينة معان مؤخراً بحمل نعش في جنازة تعبيرية جابت شوارع المدينة للتحذير من النهاية المأسوية لمتعاطي ومدمني المخدرات. وبسبب تعاظم الظاهرة في منطقة الجفر التابعة لمحافظة معان لم ينفك أهالي المنطقة منذ ما يزيد على عامين واكثر عن المطالبة بإنشاء مكتب لمكافحة آفة المخدرات في منطقتهم، التي تفشت فيها الظاهرة، وأضرت بأبنائها، وفق العديد منهم. ويرجع عدد من السكان انتشار الظاهرة في منطقة «الجفر»، والتي يصل عدد سكانها الى 12 الف نسمة، الى تفشي الفقر والبطالة بينهم، بسبب انعدام فرص العمل، في ظل خلو المنطقة من أي محاضرات أو نشاطات لها علاقة بالتوعية والإرشاد حول هذة الآفة، وفق وجهاء فيها. وما يزيد من انتشار الظاهرة ان كثيراً من القضايا التي يتم الكشف عنها بالجرم المشهود والأدلة الدامغة يتم تكييفها بعيداً من المخدرات، ما يجعل تجارها يتمتعون بحرية تامة في نقلها وبيعها. حوادث انتحار ويذهب العشرات من الشباب ضحية هذه الآفة، اما بجرعات زائدة من «الهيرويين» او بالانتحار من خلال إطلاق النار على أنفسهم. ويلاحظ السكان في الآونة الاخيرة الكثير من فئة الشباب يقومون بحركات غريبة في الشوارع تلفت الانتباه جراء تناولهم حبوب مخدره تسبب «الهلوسة». وقد تمكن قسم المخدرات في مديرية شرطة اربد من ضبط 77 قضية مخدرات وإلقاء القبض على 106 أشخاص متورطين في هذه القضايا وإيداعهم القضاء في عام 2010، وفق مدير شرطة معان العميد عارف الوشاح وذلك خلال لقائه اعضاء المجلس الأمني في المدينة، مشيراً الى أن المواد المخدرة المضبوطة تضمنت 270 الف حبة كبتاغون و7 ترب حشيش وعينات من الهيرويين ومجموعة من أوراق الماريجوانا وقطع أخرى من الحشيش بهدف التعاطي. ويوضح الوشاح أن القسم كشف في العام الحالي عن 103 قضايا مخدرات، ألقي القبض فيها على 154 شخصاً، حيث تم ضبط 261370 حبة كبتاغون مخدر، و33 قصديرة هيرويين وسبعة ترب حشيش ومجموعة من أوراق «الماريجوانا».