أطلت القناة الوطنية التونسية ب «لوغو» جديد على مشاهديها، من دون ان تفوتها المواكبة المميّزة لانتخابات المجلس الوطني التشريعي، بما خصصته من حيّز زمني ومنابر للنقاش. وقال المدير العام للتلفزيون التونسي مختار الرصاع إن «المؤسسة أرست نواة صلبة للعمل التلفزيوني بعدما عانى التلفزيون التونسي ركوداً، وهو لم يعد بوقاً لنظام أو حكومة، بل أصبح مرفقاً عمومياً يموّله المواطن التونسي، ولذلك سيحافظ على حريته واستقلاليته في هذا الميدان، بخاصة أن الديموقراطية لا تمنح في بلد لا يتمتع بحرية الصحافة». وكان التلفزيون الرسمي بقناتيه الأولى والثانية شرع منذ 15 آذار (مارس) حتى تموز (يوليو) الماضيين في تقديم عدد من البرامج السياسية، مثل «قاموس السياسة» الذي كان يهدف الى التعريف بمفهوم الدستور والمجلس التأسيسي والأنظمة البرلمانية وتقريب المصطلحات السياسية من المشاهد، فضلاً عن برامج الحوار، مثل «ساعة الأحزاب» الذي تمكن من استضافة 117حزباً، و«الطريق إلى الاقتراع» الذي قدمته «القناة الوطنية 2». وذكر تقرير «وحدة مراقبة وسائل الإعلام» التابع ل «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» أنّ القناة الوطنية الثانية كانت القناة الوحيدة التي توافرت فيها عناصر التوازن بين الفاعلين السياسيين. وأكد الرصاع أنّ التلفزيون التونسي «قام بواجبه في خضم هذه الانتخابات على أكمل وجه من خلال التعريف بكل الأحزاب»، مشيراً إلى «الحرص الشديد لدى القائمين على التلفزيون على مزيد من العمل والاجتهاد للاقتراب أكثر من المستوى الحرفيّ الذي نرنو إليه والذي يلزمنا الكثير من الوقت لتحقيقه». مقر جديد ومعدّات حديثة المقر الجديد للتلفزيون التونسي يتسع لخمس قنوات تلفزيونية جديدة، وفي انتظار أن تحصل القناة الرياضية على تأشيرتها الرسمية، هناك سعي لإضافة قناة تعليمية وربما قناة دينية حتى يكون الخطاب الديني وسطياً في القطاع العمومي. ومن إنجازات التلفزيون التونسي في الفترة التي أعقبت الثورة، فسخ عقد استغلال «استوديو900» لتنفيذ برنامج «أستوديو الفن» التابع لأصهار الرئيس المخلوع، كما طُلب من المكلف العام بنزاعات الدولة اتخاذ إجراءات قانونية وقضائية لتتبع مؤسسات الإنتاج الخاصة التي لها علاقة قرابة مع الرئيس المخلوع والقائمين عليها جزائياً ومادياً مع إرجاع معدّات تقنية موجودة في استوديوات «أوتيك» التابعة لشركة «كاكتوس برود» صاحبة قناة «التونسية». كما تمّ تطوير أساليب العمل في مؤسسة التلفزة التونسية بقناتيها، وجرى اقتناء 16 كاميرا جديدة، وهناك عمل على رقمنة الأرشيف التلفزيوني فضلاً عن تهيئة الاستوديوات بأحدث تقنيات الإضاءة وبديكورات معاصرة وإطلاق أسماء عليها مثل «أستوديو 14 يناير» و«أستوديو نجيب الخطاب» رائد البثّ المباشر في التلفزيونات العربية، و«أستوديو حمادي الجزيري»، مع التركيز على مشروع إنشاء وحدات تلفزيونية جهوية جديدة في محافظات سيدي بوزيد والقصرين ومدنين وتوزر والقيروان وباجة. وفي هذا الإطار، يبدو أنّ النيّة تتجه لأن تتخصص القناة الوطنية الثانية في «الشؤون الجهوية» (المحافظات) حتى «تحقق المصالحة مع أعماق تونس، وحتى تتكلم بلهجات كل جهات الجمهورية التونسية بالتالي للاستماع إلى صداها»، كما أكد الرصاع. وأضاف أن «القناة الوطنية الأولى ستحرص على إشعاع تونس خارج حدود الوطن من خلال عدد من البرامج الجديدة». وأوضح أنّ «نسبة بث الأغاني الشرقية لن تتجاوز 5 في المئة فقط، وسيكون النصيب الأكبر للأغاني التونسية». ومن البرامج الجديدة التي سترى النور قريباً على شاشة الوطنية الأولى برنامج يومي يحمل عنوان «حديث الساعة» يقدمه الياس الغربي، وبرنامج «جمعيات بلادي» الذي يسلط الضوء على الجمعيات الناشطة في تونس وبرنامج «كفاءاتنا بالمهجر» الذي يتابع الكفاءات التونسية المهاجرة خارج حدود الوطن. ثمّ برنامج «مشاكل المجتمع التونسي» الذي يطرح المسائل التي تهتمّ بكل جوانب حياة المواطن التونسي. أسئلة للمستقبل أمّا الوطنية الثانية فأعدت مجموعة من البرامج والتصورات التي تسعى لتأسيس المنحى الجهوي الذي اتخذته القناة بعد ثورة «14 يناير»، بخاصة بعد تعزيز الوحدات الجهوية الخمس التابعة للتلفزيون التونسي بخمس وحدات جهوية جديدة. وتشهد هذه الشبكة إدراج عدد من العناوين الجديدة منها «إليكم»، وهو برنامج إخباري خدماتي مباشر و«الصحة والناس» و«الكلمة لكم»، وهو برنامج يرصد ويتابع كل أخبار الجهات من خلال تحقيقات وريبورتاجات ميدانية تفسح في المجال للمواطن لإسماع صوته، و«على عين المكان» و«صدى الجمعيات» و«بيئة وطبيعة». وأعدت القناة سهرتين كل أسبوع، واحدة للسينما وأخرى للمسرح إلى جانب برامج الحوار والثقافة. لكنّ كل هذه الإجراءات وعمليات التطوير على المستوى التقني والإداري يجب أن ترافقها إجراءات أخرى تدعم هامش الحرية في التلفزيون التونسي، وتقدم الدليل أنّ الإعلام العمومي قطع مع التبعية للدولة وللحكومة، مع التشديد على ضرورة الالتزام بالمهنية والحرفية العالية في تقديم المادة التلفزيونية مع المحافظة على خط تحريري واضح بقطع مع الماضي، وبخاصة في نشرات الأخبار التي وإن شهدت تطوراً ملحوظاً بعد «14 يناير»، إلاّ أنها ما زالت تنتظر الكثير من الإضافات. وكذلك في ما يتعلق ببرامج الحوار السياسية التي يجب أن تكرس أكثر مبدأ الحياد وعدم التفاضل بين الأحزاب والوجوه السياسية والحقوقية، خصوصاً أنّ التقرير الأول ل «وحدة مراقبة وسائل الإعلام للهيئة العليا المستقلة للانتخابات» أثبت «أن «الوطنية الأولى» لم تكن منصفة في توزيع أزمنة البث عكس «الوطنية الثانية» التي التزمت الحياد التامّ».