اهتمام الإعلام الفرنسي المكثف بأزمة اليونان وباجتماع قادة ال20 في مدينة كان الفرنسية، لم يقلل من اهتمامه بقضية أخرى: «حرية الصحافة المقدسة» التي جرت محاولات للنيل من «قدسيتها» في اليوم ذاته. الكل كان متضامناً مع المجلة الساخرة «شارلي ايبدو» مستنكراً القاء قنبلتين حارقتين على مقرها في باريس. المجلة «تجرأت» ونشرت عدداً عنونته «شارلي شريعة» في تهكم واضح على نتائج الانتخابات في تونس وتصريحات رئيس المجلس الانتقالي الليبي حول «الشريعة كمصدر للدستور». رافقت العنوان صورة كاريكاتورية للنبي محمد (صلى الله عليه وسلّم) مع تعليق «100 جلدة إن لم تمت من الضحك». بثت المحطات التلفزيونية الإخبارية الفرنسية على مدار الساعة صوراً لمحتويات المقر المرمية على الرصيف، والزيارات المتتابعة للسياسيين والمتضامنين وتصريحات العاملين في المجلة الذين «لن يتزحزحوا ولو قيد أنملة» عن مبادئهم. من الصباح الباكر تم تخمين «الجهات المنفذة» التي لم تكن بحسب تصريح مدير التحرير الى المحطات سوى «اثنين من الحمقى فقط لا يمثلان المسلمين في مجموعهم». الاتهامات توجهت نحو «مسلمين متشددين» قبل إجراء أي تحقيق وقبل ان يعلن احد مسؤوليته. فالأمر «بديهي»، المجلة تسخر من نبي المسلمين وموقعها اخترق لتوضع عليه صورة مسجد مع قرآن. حتى أن مدير النشر، بحسب تصريحه على BFM الإخبارية، كان لديه شعور «بأن الشريعة تطبق هنا، فهذا حريق مقابل اهانة النبي». صحيح، فالمجلة ساخرة وسياستها التحريرية هي التهكم على الجميع وسبق ان اصدرت أعداداً تتهكم فيها على البابا والكاثوليكية... لكن الكاثوليكيين «لا يستخدمون العنف في التعبير عن استنكارهم»، كما قال أحدهم في نقاش حول القضية قدمته المحطة نفسها، لكنهم يذهبون يومياً ليحتجوا أمام مسرح في باريس يعرض مسرحية عن «ابن الإله». صاحب القول، تناسى، كما ذكرته معدة الحوار، أنه في الماضي أُحرقت سينما في باريس لعرضها فيلم «إغواء المسيح». رجال السياسة، وان كانوا لا يحبون كثيراً تلك المجلة التي تسخر منهم باستمرار، نددوا بما حصل حتى «لو لم يكونوا متفقين مع المضمون»، كما قال رئيس الوزراء الفرنسي ورئيس بلدية باريس. لكنها حرية الصحافة «المقدسة» لدى الفرنسيين، «لأنها حرية التعبير وبالتالي التفكير»، كما صرح كلود غيون وزير الداخلية أمام العدسات. سمعنا غيون يتحدث عن هذه القضية ولم نسمعه مثلاً يتحدث عما يحصل يومياً أمام المسرح الفرنسي!» إننا في سياق سياسي يتخذ معنى آخر هنا...»، أشارت مديرة تحرير مجلة «نظرة» الشهرية لمحطة BFM لافتة إلى أنه في فرنسا لا يوجد شكل واحد للتشدد هو «الإسلامي»، والذي يوصم به كل المسلمين، فمن المهم ايضاً «إدانة التشدد الكاثوليكي وغيره...». في كلمة «غيره» التي لم تحدد «من؟»، تكمن المشكلة في حرية التعبير «المنقوصة» في فرنسا.