موجة من التصفيق الحاد اجتاحت قاعة الاحتفال حين أعلن مذيع الحفل عن تكريم الفنانة الجميلة زهرة العلا، تميمة الحظ في أفلام الخمسينات وما بعدها، وهي أيضاً ابنة مدينة الإسكندرية، كان مولدها فيها في حي محرم بيه في عام 1934. وفي المهرجان السكندري تقدمت ابنتها المخرجة الشابة منال الصيفي لاستلام شهادة التكريم من الكاتب ممدوح الليثي رئيس الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، وشعار المهرجان من الناقد نادر عدلي رئيس المهرجان في دورته الحالية، فدارت بين الجمهور همسات عتاب لتأخر تكريم تلك الفنانة المحبوبة. لفتت زهرة العلا الأنظار منذ صباها بطبيعتها الخجول وجمالها النبيل، فضلاً عن صوتها المميز. وهي خطت أولى خطواتها على مسرح يوسف وهبي، ثم انتقلت إلى فرقة زكي طليمات فتتلمذت بهذا على يد عملاقين من عمالقة الإلقاء والأداء. وعت زهرة أهمية الدراسة، فما أن تخرجت في معهد الفنون المسرحية حتى جذبتها السينما فظهرت في أول أفلامها «خدعني أبي» عام 51. وعلى مدار مشوارها الفني شاركت زهرة العلا في بطولة أكثر من 110 افلام تنوعت بين الكوميدي والوطني والاجتماعي. غير أن معظم رصيدها كان من نوعية أفلام الميلودراما، وهي نوعية الأفلام التي شاعت ولاقت إقبالاً فترة الخمسينات. لقد تعاونت زهرة العلا على مدار مشوارها الفني والذي امتد لأكثر من أربعين عاماً مع مخرجين من مدارس وأساليب فنية متنوعة، عملت مع كبار المخرجين أمثال صلاح أبو سيف وهنري بركات ويوسف شاهين كما عملت أيضاً مع الأخوين محمود وعز الدين ذو الفقار، إضافة إلى المخرج حسن الإمام وعاطف سالم وغيرهما. وقد وقع اختيار المخرج فطين عبدالوهاب على الفنانة الرقيقة لتضطلع ببطولة فيلمين من مجموعة أفلامه الكوميدية (14 فيلماً) والتي تحمل اسم إسماعيل ياسين وهو من الفنانين الذين تلقى أفلامهم إلى الآن إقبالاً حين عرضها على الفضائيات. ففي فيلم «إسماعيل ياسين في البوليس» عام 56 تقبل زهرة العلا الزواج منه بعد أن يبدي شجاعة فائقة – على طريقته – في تعقب مجرم خطير إلى أن يتم القبض عليه. وفي فيلم «إسماعيل ياسين في الأسطول» تقبل زهرة العلا الزواج منه بعد أن يتخلص من حالة الخوف والجبن التي يعانيها وقد كان أكبر نصيب من أفلام زهرة العلا من إخراج المخرج حسن الصيفي الذي تزوجها وأنجبت له ابنتهما المخرجة الشابة منال الصيفي. مفتاح الدراما لقد أبدعت زهرة العلا على مدار مشوارها فصولاً سينمائية إنسانية لا تمحى من الذاكرة، فهي صاحبة المفتاح الذي تفجر الدراما تارة وهي أيضاً التي تمهد لانفراج الأزمة تارة أخرى. من يغفل عن دورها الرائع في فيلم «الوسادة الخالية» عام 57 عن قصة لإحسان عبدالقدوس وإخراج صلاح أبو سيف وفيه شاركت البطولة كلاً من عبدالحليم حافظ ولبنى عبدالعزيز، ومن يغفل حضورها في فيلم «دعاء الكروان» عام 59 عن قصة لعميد الأدب العربي طه حسين ومن إخراج بركات، حيث شاركت البطولة كلاً من فاتن حمامة وأحمد مظهر، وذلك إضافة الى فيلم «في بيتنا رجل» عام 61 عن قصة لإحسان عبدالقدوس وإخراج بركات أيضاً وفيه شاركت البطولة كلاً من عمر الشريف وزبيدة ثروت ورشدي أباظة، وقد تم تقدير الفيلمين من جانب النقاد أنهما من أهم مئة فيلم في السينما المصرية. في فيلم «الوسادة الخالية» تكتشف زهرة العلا (درية) أن زوجها (صلاح) عبدالحليم حافظ ما زال يحمل في قلبه حبه الأول ل(سميحة) لبنى عبدالعزيز والتي اضطرها أهلها للزواج من طبيب ناجح وقد قضت الظروف أن تربطهما صداقة حميمة بالزوجين درية وصلاح، فما يكون من الزوجة زهرة العلا إلا أن تتحلى بضبط النفس وتخفي آلامها وتتكتم على الأمر لدرجة أن تخسر جنينها. ومع تتابع الأحداث يخبو الحب الأول في قلب الزوج ويفيض قلبه بالحب لزوجته ويعوضها عما انتقصه من حقوقها. وفي فيلم «دعاء الكروان» تعيش زهرة العلا شخصية الفتاة البريئة (هنادي) النازحة من البادية لتعمل خادمة في بيت مهندس الري أحمد مظهر، فتقع في حبه لوسامته وأناقته من دون أن تعي العواقب، فما يكون من كبير العائلة إلا أن يمحو عاره برصاصة تقضي عليها ليردد الكروان تغريدة الأحزان على اغتيال البراءة وتتفجر دراما الفيلم والتي تحمل تبعاتها الشقيقة الصغرى (آمنة) فاتن حمامة. وفي «بيتنا رجل» تجسد زهرة العلا دوراً فعالاً في حل الأزمة ما يمهد الطريق للوصول الى ذروة الدراما. في الفيلم تنتمي سامية (زهرة العلا) الى أسرة متواضعة ووالدها موظف بسيط لا يعنى إلا بتوفير حياة آمنة لأولاده. يتقدم ل(سامية) ابن عمها رشدي أباظة طالباً يدها، إلا أنها ترفضه لعدم استقامته ولكنه لا يفقد الأمل، يحدث أن يلجأ إلى بيت الأسرة الشاب إبراهيم (عمر الشريف) الذي كان غافل حراسه وهرب من تنفيذ حكم بالسجن لاغتياله رئيس الوزراء. وللمرة الأولى يتهدد أمن الأسرة ويجد الأب نفسه متورطاً في عمل سياسي، فيقبل استضافة الشاب الوطني إلى حين. غير أن ابن العم يكتشف أمر الشاب ويستغل الموقف للضغط على الأسرة لقبول خطبته لسامية ويشتاط غضباً حين يكتشف أن الشاب قد ترك المنزل في غفلة منه. فيندفع وهو في أوج ثورته إلى مديرية الأمن فما يكون من سامية إلا أن تحمل عبء الدراما على كتفيها لتنقذ أسرتها وتلحق بابن العم وتقتحم حجرة مدير الأمن وتختلق قصة تحول دون أن يدلي ابن عمها بما يدين أسرتها وتلمح له بين السطور بقبول خطبته. غير أن مدير الأمن الحصيف لا تنطلي عليه الحيلة لتتفجر الدراما ويساق الأب الطيب وابنه إلى المعتقل وتتلاحق الأحداث ليفيق ابن العم إلى نفسه ويعدّل مساره. وفي فيلم «بين القصرين» عن قصة نجيب محفوظ ومن إخراج حسن الإمام، تجسد زهرة العلا دور عائشة ابنة السيد أحمد عبدالجواد ذات الجمال اللافت والتي تعيش وفق تقاليد ذلك الزمان داخل البيت منغلقة، غير أنها تجد متنفساً لها خلال النافذة المطلة على نقطة البوليس لتتعلق عينا الضابط بالفتاة الجميلة. وما أن يتقدم لطلب يدها حتى يثور السيد عبدالجواد ثورة عارمة، إذ يرى في طلب الضابط دليلاً دامغاً على أن أسرته المصونة مكشوفة وأن بيته غير محصن. ومع تلاحق الأحداث يقبل زواج ابنته زواجاً تقليدياً في زمن لا تقوى فيه البنات على الاختيار أو الاعتراض وتعيش عائشة حياة باردة مفرغة من المشاعر، وتنجب أولاداً يشاركون في الحركة الوطنية. فنانة في الستين بعد تلك الأعوام الذهبية يمر الزمن، وفي عام 1983 يقدم المخرج عاطف الطيب الفنانة زهرة العلا في دور مختلف عن قصة لمحمد خان بعنوان «سواق الأوتوبيس». ففي خلال الأحداث تعمل الأم زهرة العلا على إفساد الحياة الزوجية لابنتها ميرفت أمين وتجبرها على ارتياد مجالات جديدة لتتخلص من الفقر والمعاناة مع زوجها نور الشريف سائق الأوتوبيس. وربما يمكن اعتبار دور زهرة العلا في هذا الفيلم واحداً من آخر ادوارها الكبيرة. غير ان هذا لا يمنع من الإشارة إلى الحضور الإبداعي للفتاة زهرة العلا وهي على عتبة الستين من عمرها في الفيلم القصير «زيارة في الخريف» عام 1994. وكان مشروع التخرج في المعهد العالي لسعد هنداوي، ويعرض لحياة أرملتين لزوج رحل عن عالمنا فرضت عليهما الظروف أن تعيشا في تآلف ووئام وأن تسكنا بيتاً قديماً في إحدى الضواحي لينشأ أولادهما في جو من الأخوة والمحبة. يتقدم العمر بالأرملتين ويستقل الأولاد بحياتهم، تنمو شجرة الأسرة وتتعدد فروعها ولكن يحرص الجميع على اللقاء في بيت الأسرة حيث تدب الحياة في البيت المتصدع ويعم الصخب ويسود المرح. لقد اختارت الفنانة زهرة العلا أن تعيش حياة أسرية هادئة بعيداً من صخب الوسط السينمائي وسكنت قلوب المشاهدين بأدائها الصادق وطلعتها الراقية وفي يوم تكريمها نتمنى للفنانة الكبيرة الصحة وندعو لها بالشفاء.