لا تنتمي "ساحة مناصرة المظلومين" إلى تلك الساحات المطالبة بإسقاط نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أو الموالية له، فهدف المعتصمين في هذه الساحة الواقعة في مديرية الشيخ عثمان في محافظة عدن الجنوبية، ينحصر بمحاولة الضغط على قائد المنطقة العسكرية الجنوبية لتسليم جنود يعملون تحت إمرته متهمين بإطلاق نار على سيارة كانت تقل ستة شبان عزل، ما أدى الى مقتل اثنين منهم وجرح ثلاثة. ويتسبب عناصر في مؤسسات الجيش والأمن والاستخبارات في قتل أو جرح مدنيين عزل تحت طائلة الشبهة بوجود انتحاريين أو لخلاف شخصي. وغالباً ما يواجه أهالي الضحايا صعوبة في تقديم الجناة إلى القضاء، ناهيك بالحصول على حق القصاص العادل منهم. وتتكرس "ساحة مناصرة المظلومين" للتضامن مع أسرة أحمد عيسى الدبعي الذي نصب خيمة كبيرة في الساحة احتجاجاً على عدم اعتقال المتهمين بقتل نجليه أكرم (18سنة) ومحمد (14سنة) وجرح ثلاثة من أفراد أسرته في الحادثة المعروفة ب "جريمة الطريق البحري" التي شهدتها مدينة عدن (فجر يوم 5 رمضان الماضي، 5 آب/ أغسطس). وبحسب الرواية المتداولة، فإن مجموعة من الجنود كانوا على متن مركبتين عسكريتين، أطلقوا النار على سيارة تويوتا بيك آب تقل ستة من أفراد أسرة الدبعي كانوا عائدين لتوِّهم من الساحل. وقال والد "المغدورين" إن المجموعة العسكرية لم تكتف باطلاق الرصاص الكثيف من دون أن تتحقق من هوية الضحايا، بل صادرت هواتفهم وتركتهم من دون أن تسعفهم. وأدى ظهور انتحاريين وسيارات مفخخة تستهدف عسكريين أو مواقع عسكرية، إلى ارتفاع التوجس والخوف بين عناصر الشرطة والجيش، وشاع بين هؤلاء إطلاق النار على أهداف مفترضة ومدنيين تحت طائلة الشبهة، ما يؤدي إلى قتل أبرياء. ووقعت حادثة إطلاق النار على سيارة أسرة الدبعي بعد مضي أقل من أسبوعين على استهداف انتحاري بسيارة مفخخة رتلاً من الجيش اليمني في مدينة عدن، ما أسفر عن قتل 9 جنود فضلاً عن منفذ العملية، الذي أعلنت السلطات اليمنية انه السعودي تركي الشهري المطلوب من سلطات بلاده بتهمة الانتماء إلى تنظيم "القاعدة". وليست ظاهرة السيارات المفخخة وحدها ما يقف وراء اطلاق عسكريين النار على مدنيين من دون إثبات أو مبرر، بل يتعلق الأمر أيضاً بطبيعة المؤسسات العسكرية والأمنية في اليمن. وهي تخلو تقريباً من الضوابط اللازمة لمعاقبة المتهمين المنتسبين اليها بارتكاب جرائم قتل واعتداء خارج القانون. كما يفتقر العاملون في هذه المؤسسات للوعي القانوني والإنساني اللازم. ويساهم ضعف استقلال جهاز القضاء وتفشي المحسوبية والفساد فيه في تعثر العدالة. ويتضاعف الأمر حين يكون المتهمون بمثل هذه الجرائم منضوين في جهات تدار بواسطة شخصيات نافذة. ويقول الدبعي ان النيابة العامة وجهت إلى قائد المنطقة العسكرية مذكرات عدة تطالبه فيها بتسليمها أفراد المجموعة العسكرية التي أطلقت النار، لكنها لم تتلقَّ جواباً. وأخفق أهالي ضحايا قتلوا على أيدي عناصر في الجيش أو الشرطة في تنفيذ أوامر قضائية تقضي بإحالة المتهمين الى العدالة، ويحدث أحياناً أن يضطر بعض الأهالي للضغط على الجهات الحكومية لنيل حقوقهم من خلال اللجوء إلى القبيلة أو التلويح بذلك. وتنتشر في اليمن حالات القتل المجاني وغير المبرر، وفضلاً عن مئات المدنيين العزل الذين يلقون حتفهم في التظاهرات، يُقتل سنوياً عشرات المدنيين بواسطة جنود وضباط تحت طائلة الشبهة أو الخطأ. والمحسوبية والوجاهة والولاءات القبلية والحزبية شائعة في اليمن، في شكل يعطّل أحياناً إنفاذ القوانين ويحول دون حصول بعض مواطنين على حقوقهم. ولا يقتصر الأمر على جهاز الدولة، بل يطاول عمل منظمات المجتمع المدني، ومنها تلك الموصوفة بالحديثة، مثل نقابة الصحافيين.