ركّزت ندوة «الأزمة العالمية وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط» التي ينظمها «بنك الكويت الوطني» سنوياً، على تطورات الأزمة العالمية في مناطق العالم والتوقعات المستقبلية، إذ توقع المتحدثون فيها «بدء تعافي الاقتصاد الأميركي عام 2013»، واستبعدوا أن تعالج القرارات المتخذة في قمة بروكسيل الأخيرة أزمة منطقة اليورو جذرياً، فيما أكدوا ضرورة وضع «خطة مارشال» للدول العربية التي شهدت اضطرابات للنهوض باقتصاداتها. وأكد الرئيس التنفيذي لمجموعة «بنك الكويت الوطني» إبراهيم دبدوب، أهمية «عقد الندوة ومضمونها في هذا الوقت للبحث في التداعيات المحتملة للتطورات الحاصلة على دول المنطقة وكيفية تفاديها». وتحدث عن «التجارب المميزة التي لعبها المتحدثون في الندوة كل من موقعه سواء لجهة المساهمة في معالجة الأزمات التي واجهت بعض الدول أو الخبرات التي يتمتعون بها». وعرض الرئيس الفخري للمعهد الوطني للبحوث في الولاياتالمتحدة أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفرد البروفسور مارتن فيلدستاين، واقع الاقتصاد الأميركي والتوقعات المستقبلية، موضحاً أن الولاياتالمتحدة «باتت تواجه احتمالاً نسبته 50 في المئة للدخول في مرحلة انكماش اقتصادي جديد»، لافتاً إلى أن التطورات «تزامنت مع ارتفاع في نسبة الدين إلى الناتج المحلي إلى 70 في المئة هذه السنة»، متوقعاً «ارتفاعها إلى 100 في المئة مع نهاية العقد الحالي». ولاحظ أن «مرحلة الركود بعد الحرب العالمية الثانية استمرت 10 شهور فقط قبل بدء الانتعاش، في حين مضى نحو 3 سنوات على الركود الاقتصادي الحالي من دون بلوغ الانتعاش». ورأى أن الأزمة الحالية «نتجت عن تضخم في أسعار الأصول ما ساهم في ارتفاع الأخطار، في حين شهدت الأسواق المالية اضطرابات». في المقابل، اعتبر أن «تركيز مجلس الاحتياط الفيديرالي على دعم أسواق الائتمان واعتماد برامج التنشيط، لم يحقق النتائج المرجوة، كما لم يترافق ذلك مع خطوات فاعلة لتقليص العجز في الموازنة». وأعلن أن هذه التطورات «تركت تداعياتها على المؤشرات الاستهلاكية للأفراد، الذين استخدموا مدخراتهم لمواجهة مثل هذه الظروف، فضلاً عن التغيير في التركيبة السكانية للمجتمع الأميركي، الذي يسجل ارتفاعاً في شريحة المسنين، وما يعنيه ذلك من ارتفاع في الطلب على المعونات والمعاشات التقاعدية، في وقت تسجل العائدات من الضرائب انخفاضاً، وسط استمرار ارتفاع البطالة وانخفاض مبيعات المنازل، كما سجلت الأجور تراجعاً نسبته 2.5 في المئة مقارنة بما كانت عليه العام الماضي». ولم يستبعد فيلدستاين، أن «تستمر هذه التحديات العام المقبل في ظل الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين حول سبل المعالجة». ورجّح أن «يبدأ الاقتصاد الأميركي مرحلة التعافي عام 2013 ، بعد طيّ ملف الانتخابات الرئاسية». وركّز الرئيس التنفيذي لشركة «بيمكو» الاستثمارية في الولاياتالمتحدة محمد العريان على أوضاع دول الاتحاد الأوروبي، محدداً أسباب أزمة دول اليورو، المتمثلة ب «الاختلال في ميزان المدفوعات، ووجود تحديات حقيقية تحول دون تحقيق النمو، والخلاف في وجهات النظر السياسية في وضع حلول، ودور السياسة في تعميق الأزمة، وأخيراً تفاقم المطالب الاجتماعية». وأكد أن أوروبا «تحتاج حالياً إلى إعادة الثقة والاستقرار إلى الأسواق المالية، وتحديد مدى جودة أصول المصارف والحاجة إلى زيادة رؤوس أموالها مع أهمية تشجيع الأفراد على الإنفاق». ورجح أن «يتزامن تعزيز دور اليورو مع اعتماد حلول وخيارات مشتركة كالاتحاد الضريبي، ومزيد من التكامل الاقتصادي واتخاذ إجراءات حماية». ورأى أن نتائج القمة الأوروبية «لا تزال غير كافية، على رغم استجابة الأسواق المالية لها». واستبعد أن «تساهم في معالجة الأزمة جذرياً». وعن واقع الربيع العربي، لفت إلى أن مصر وتونس «تواجهان تحديات حقيقية خصوصاً أنهما تعتمدان على السياحة». وتوقع «صعوبة في إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية على المدى القصير، والذي لا بد أن يترافق مع إعادة بناء المؤسسات والأنظمة». وشدد على اقتراح دبدوب ب «وضع خطة «مرشال عربية» لمساعدة هذه الدول»، معتبراً أن دول الخليج «مؤهلة أكثر من غيرها لتقديم الدعم الحقيقي لها». وطالب العريان بضرورة «اتخاذ خطوات كثيرة، أبرزها زيادة الصادرات الخليجية إلى الأسواق الآسيوية خصوصاً الصين مع طرح منتجات تناسب هذه الأسواق، وتعزيز الموازنات والاستفادة من الدور والقدرات التي يتمتع بها القطاع الخاص الخليجي». وتحدث نائب رئيس مجموعة «سيتي غروب» السابق ويليام رودز، عن التجربة الصينية، متوقعاً أن «تكون العلاقة بينها وبين أميركا محور العلاقات العالمية». وعن الدور الصيني في الاقتصاد العالمي، أشار إلى «تعزيز قاعدتها المالية وتمتينها من خلال خطوات من بينها تحويل 3.2 تريليون دولار من احتياطاتها إلى أصول متينة». وتطرّق إلى مطالبة الصين بضرورة «تأسيس صندوق إلى جانب صندوق النقد الدولي يُوفّر من خلاله الدعم لاقتصادات دول جنوب أوروبا، إضافة إلى الدول الأخرى خارج الاتحاد». وأوضح أن هذا «الطرح معروض على قمة مجموعة العشرين المقبلة». ولم يغفل رودز، أن الصين «تواجه تحديات، على رغم هذه المؤشرات الطموحة، تبدأ بمستويات التضخم المرتفعة والتي تجد مصدرها بصفة أساسية في المواد الغذائية، إضافة إلى ما يتطلبه النمو السكاني الكبير من إيجاد فرص جديدة، ما يحتم تحقيق نمو اقتصادي لا يقل عن 7 في المئة سنوياً لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل». وتوقع أن «يسجل النمو 8 في المئة مع نهاية هذه السنة». وحضر الندوة محافظو مؤسسة النقد السعودي والبنك المركزي القطري والبحريني والأردني ورؤساء المصارف الخليجية وأعضاء المجلس الاستشاري الدولي ل «بنك الكويت الوطني».