في تشرين الأول (اكتوبر) 1973، قرأ الشاعر زين العابدين فؤاد قصيدة تروي وضع الشعب المصري وضيق حاله في أمسية كانت حاضرة فيها السيدة الأولى جيهان السادات. وقال في القصيدة: «اتفجري يا مصر ضد الجوع... ضد الدمار». عندها، وقفت جيهان السادات غاضبة، وقالت: «لا يوجد جوع في مصر»، وبعدها منع الشاعر الشاب من النشر وسجن. تجربة فؤاد مع الإقصاء والمنع والاعتقال طويلة. فخلال ترؤس يوسف السباعي وزارة الثقافة عام 1969، منح الشاعر فؤاد جائزة بقيمة 100 جنيه، فرفضها وأعاد الشيك إلى الوزير. صاحب ديوان «مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر» الذي سيصدر قريباً، مثلت «ثورة 25 يناير» بالنسبة إليه نقطة تحوّل. عاش ليراها بعدما تعرّض للإقصاء والاعتقال مدة طويلة، فتوقف أمام هدير الشعب، ولم يجد طريقاً للكتابة عن هذه التجربة. أقام في ميدان التحرير حاملاً الكاميرا ليوثق الحدث الأهم في التاريخ المصري المعاصر. التقطت كاميرته تفاصيل كثيرة إذا حاول تركيبها ستكون قصيدته 15 ألف صورة تكفي لتروي غليل شاعر العامية المصرية. تشعبت تجربة فؤاد بين الشعر والجغرافيا، وتجلت في بيروت حيث أقام ورفض الخروج منها إبان الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. خروجه من مصر كان اضطرارياً بسبب حملات التضييق والاعتقال التي شملت الكثير من المثقفين خلال حكم الرئيس السابق أنور السادات. في بيروت، وتحت القصف، تعرف فؤاد إلى نخبة من المثقفين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب، وأخذت تجربته هناك منحى آخر. التقى الأطفال في مخيم برج البراجنة ومخيمات أخرى للاجئين الفلسطينيين في مناطق مختلفة من لبنان، واستطاع بذلك أن يؤسس وجهاً آخر للشاعر هو وجه الفنان المكتشف مواهب الأطفال. ويقول الشاعر الذي غنى له عدلي فخري وصديقه الراحل الشيخ إمام: «زرت بيروت مدة أسبوعين عام 1982، وكنت بعدها أنوي الذهاب إلى عمّان والعودة إلى القاهرة لاحقاً. وخلال وجودي في العاصمة اللبنانية سمعت عن اعتقالات يقوم بها النظام في القاهرة. دعاني الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ومجموعة من المثقفين الفلسطينيين والللبنانيين إلى الفطور صباحاً، وكان في استقبالنا الشاعر محمود درويش، وطلب مني أن أبقى في بيروت لأن اسمي نشر في الصحف المصرية ضمن قوائم المثقفين المصريين المطلوب اعتقالهم». بوصلة الشاعر الأطفال من اللبنانيين والفلسطينيين هم بوصلة جديدة للشاعر الذي احترف الإقامة في ورشات الرسم والفنون: «تعرفت إلى فلسطين ومدنها وعاداتها وتقاليدها من خلال الأطفال، كانوا يرسمون يومياتهم وذاكرتهم وما يعرفونه عن قراهم ومدنهم التي هجروا منها». ميدان التحرير كان بالنسبة إلى فؤاد الحلم وصناعة الثورة. يقول: «الميدان الذي شهد تغيّر النظام أخيراً كان شاهداً على تحولات سياسية واجتماعية وثقافية معاصرة. ففي كل شارع أو زاوية يحكي الميدان حكاية لمرحلة من مراحل الثورة وشخصياتها التي كرسته ميداناً شهد تحولاً في التغيير السلمي على أيدي الشباب المصريين»، مشيراً إلى أن أغاني سيد درويش والشيخ إمام عادت بقوة إلى ميدان التحرير من خلال «ثورة يناير». يقول: «استمرارية الحركة النضالية بأسمائها المتعددة من أبناء جيلي كانت حاضرة بأفكارها وإبداعها ليتحقق الحلم في التحرير، ولأكون شاهداً على مرحلة مهمة وحساسة في حياتي كنت أتمناها سابقاً. وحزنت لأن الكثير من المناضلين الراحلين لم يكونوا موجودين، لكن أرواحهم كانت حاضرة بقوة». ويشرح أنه ذهب في ميدان التحرير إلى منحى آخر من التعبير عن الحدث، من خلال كتابة الشعارات السياسية أو إعادة صوغ الشعارات التي كان يرفعها في الستينات، ووضع شعار «هو يمشي مش حنمشي». يقول: «لم أشعر بأن هناك ضرورة لكتابة قصيدة عن انتصار الثورة، بل إن الجموع المشاركة في الميدان هي القصيدة الحقيقية التي كتبت نفسها». توثيق الحال التعبيرية كانت محط اهتمام الشاعر الذي رصد بالكاميرا كل صغيرة وكبيرة في الميدان. الحال التي عبر عنها في صوره كانت بالنسبة إليه هي القصيدة التي أرادها. يقول: «هذه الثورة حققت أهم إنجازاتها، وهي مرحلة تحوّل في حياة المصريين. الناس كسروا حاجز الخوف، واستعادوا قوةً فقدوها قبل سنوات طويلة». ساهم فؤاد ومن خلال كاميرته في رصد الميدان، وأرسل صوره إلى الصحافة. «كنت أرسل كل يوم 300 صورة إلى الصحف والأصدقاء لكي ينشروها عبر المواقع الإلكترونية. وخلال تلك الفترة كتبت قصيدة «من الهرم إلى الشام» لكل الثورات العربية. في هذه اللحظة أفتقد وجود صديقي الشاعر الراحل ممدوح عدوان، كنت أتمنى أن يرى ما كنا نحلم به».