حتى أيام قريبة جداً كان إخفاق أي حكم سعودي في إدارة أية مباراة يكلف بها يعزى مباشرة إلى ضآلة ما يتلقاه من مكافآت مقارنة بالحكام الأجانب المرفهين، حتى صار البعض يربط سوء الإدارة وكثرة الأخطاء التحكيمية بانعدام الحافز المادي الذي كان مقداره موضع تندر وسخرية هذا إن صرف في وقته ولم يؤجل أو تطاوله الخصومات. كان وضع الحكام مزرياً وأحد البرامج يصور حالهم عند التدريب في ملعب عبث الزمن في زواياه وأحالها أطلالاً حتى غدت قوائم المرمى مشاجب تعلق عليها ملابسهم وأدواتهم الشخصية في فيديو كان حديث الشارع يومها. ومع كل هذه التراكمات تجرَّأ رؤساء الأندية والإعلام وبعض اللاعبين على الحكام بشكل سافر فعلاً أو قولاً لولا أن تدخلت لجنة الانضباط وكبحت جماح الجميع بسيف العقوبات التي أول ما طاولت رؤساء الأندية، فكان لزاماً أن ينضبط من دونهم رغماً عنهم. الحكام اليوم في مأمن من هذا كله ويحظون بدعم لا محدود من الرئيس العام لرعاية الشباب يترجمه التوجه الرائع بتوقيع عقد رعاية حكام دوري زين من إحدى شركات القطاع الخاص للمرة الأولى ولمدة موسمين في خطوة إيجابية ستقدم دعماً لا محدود ليس مالياً فقط ممثلاً في زيادة المكافآت والالتزام بها في موعدها وهو المتوقع بل باستثمار عقد الرعاية في إقامة الدورات التدريبية والأماكن اللائقة للتدريب والمحاضرات أو هو باختصار الصرف بسخاء على متطلبات لجنة الحكام وطاقمها الفني والإداري من دون الحاجة إلى انتظار المبلغ الزهيد المقرر لها الذي أثبتت الأيام أنه لم يعد قادراً على وفاء اللجنة بالتزاماتها. بعد هذا كله أتوقع أن تكون الحجة سقطت ولم يعد مقبولاً ألا يطور الحكم نفسه وأدواته القانونية بالاطلاع والقراءة مع رفع لياقته البدنية، أو أن يعود لأخطائه البدائية السابقة، فالحافز المادي أصبح متوافراً ومغرياً لأنه صار يشكل دخلاً إضافياً يحفز على التألق والإبداع والتفرغ لتطوير الذات، خصوصاً ممن نتوسم فيهم أن يكونوا نجوم التحكيم هذا الموسم وإن بقيت قلة لا أتوقع أن التدريب أو الحافز المادي يمكن أن يضيف لهم جديداً، خصوصاً ممن هم من الحكام القدامى وهؤلاء من الأفضل أن يتركوا الساحة لغيرهم من الحكام الشباب، فسرعة البديهة والحضور الذهني وحسن التمركز واللياقة العالية حتماً ليست لدى كل من رغب في أن يكون حكماً، فتلك سمات شخصية وموهبة فطرية لا تكتسب بمجرد الخبرة أو الممارسة. [email protected]