نتيجة طفرة أسواق المنطقة بين عامي 2004 و2008 والتي أدت إلى ارتفاع قياسي في قيمة التداولات وعدد المستثمرين والمضاربين، قفزت قيمة التداولات في سوقي الإمارات، مثلاً، من 67 بليون درهم (18.25 بليون دولار) عام 2004 إلى 510 بلايين عام 2005، وبلغت قيمة التداولات عام 2007 نحو 554 بليون درهم وعام 2008 نحو 536 بليون درهم. وفي سوق عمّان قفزت قيمة التداولات من 3.7 بليون دينار (5.25 بليون دولار) عام 2004 إلى 16.8 بليون دينار عام 2005 وسجلت 14.2 بليون درهم عام 2006. ورافق طفرة التداولات ارتفاع كبير في عدد شركات الوساطة المالية لتلبية طلبات المضاربين والمستثمرين في الأسواق، إذ يقدَّر عدد المستثمرين الجدد الذين انخرطوا في سوقي الإمارات عام 2005 بنحو مليون مستثمر، خصوصاً بعد السماح للأجانب بتملك جزء من رؤوس أموال الشركات المساهمة العامة المدرجة في الأسواق. وقفز عدد شركات الوساطة في الإمارات من نحو 10 شركات عام 2004 إلى 105 شركات عام 2005 بعدما فتحت هيئة الأوراق المالية الإماراتية الباب على مصراعيه أمام الراغبين في الحصول على تراخيص لتقديم خدمات الوساطة من ضمن شروط محددة. وكان عدد شركات الوساطة في تلك الفترة تجاوز عدد الشركات المساهمة العامة المدرجة. وحققت شركات الوساطة في المنطقة خلال فترة طفرة الأسواق أرباحاً قياسية من العمولات التي تتقاضاها على عمليات البيع والشراء، إلا أن هذه السنوات السمان تحولت إلى سنوات عجاف بدءاً بمطلع عام 2009 نتيجة التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية بعد التراجع القياسي في قيمة التداولات. وأصبحت قيمة التداولات هذا العام، مثلاً، لا تشكل سوى ما نسبته ثمانية في المئة من قيمة تداولات عام 2005 وهو ما ينطبق على معظم أسواق المنطقة نتيجة سيطرة حال من الحذر والترقب وانحسار الثقة. وانخفض عدد المستثمرين والمضاربين في أسواق المنطقة إلى ما نسبته 10 في المئة من عددهم عام 2005 بعد تعرضهم لخسائر فادحة خلال العامين الماضيين والفترة التي مضت من هذا العام. وأدى التراجع الكبير في قيمة التداولات والذي تسبب بانخفاض العمولات بالنسبة ذاتها، إلى تعرض نسبة مهمة من شركات الوساطة في المنطقة إلى خسائر فادحة بعد تجاوز نفقاتها إيراداتها. وانسحب سوقي الإمارات، مثلاً، نحو 45 شركة العام الماضي مع توقعات بانسحاب نحو 20 شركة خلال الفترة الباقية من هذا العام. وإذا استمرت فترة ركود الأسواق خلال العام المقبل ثمة توقعات أولية بانسحاب نسبة مهمة من شركات الوساطة في المنطقة لتبقى في الأسواق الشركات القوية القادرة على تحمل التكاليف وفي مقدمها شركات الوساطة التابعة للمصارف والتي قد لا يتجاوز عددها 20 شركة بانخفاض نسبته 80 في المئة عن عددها عام 2005. وبلغت خسائر شركات الوساطة في سوقي الإمارات خلال العامين الماضيين نحو 645 مليون درهم. وأعلنت هيئة الأوراق المالية الإماراتية، استناداً إلى مبدأ السوق الحرة والبقاء للأقوى، أكثر من مبادرة لتشجيع شركات الوساطة على الاندماج لإيجاد كيانات قوية قادرة على المنافسة وعلى حفظ حقوق المستثمرين في ظل انخفاض الملاءة المالية لعدد كبير من شركات الوساطة نتيجة الخسائر التي تعرضت لها. وسُجلت بطالة كبيرة في صفوف العاملين في مجال الوساطة المالية بعد تسريح أعداد كبيرة منهم العام الماضي وهذا العام، كما انعكس الوضع في صورة واضحة انخفاضاً في رواتب هؤلاء العاملين في المنطقة بعد ارتفاعها بنسبة كبيرة خلال فترة طفرة الأسواق. * مستشار أسواق المال في «بنك أبوظبي الوطني»