الوضع في إيران والرأي في تطوراتها وتأثيرها في المنطقة وفي سياسة الغرب إزاء طهران، هو موضوع حديث «الحياة» مع وزير الثقافة اللبناني السابق غسان سلامة، الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس وفي جامعة كولومبيا في نيويورك. قال سلامة: «أعتقد أن فاصلاً من أسبوعين على وشك أن ينتهي، وهذا الفاصل ملأه المتظاهرون المعترضون على نتيجة الانتخابات، ورد الفعل الرسمي على هذه الانتفاضة»، ولكن انتهاء هذا الفاصل «لا يعني أن الجمر ليس تحت الرماد وأن نوعاً من إعادة النظر بالمرشد وبمؤسسات الثورة الإيرانية قد حصل عند جزء غير قليل من الشعب الإيراني». أضاف: «ان ما يميز هذه المرحلة هو أن هناك نوعاً من مظلة للنظام أنشئت منذ 30 سنة وهي مظلة الثورة الإسلامية، لكنها تفسح في المجال أمام قدر معين من التعددية السياسية في إطارها». لكنه لفت الى أن هذه التعددية محصورة، إذ كان هناك مثلاً أربعمئة مرشح، لكنه لم يسمح سوى لأربعة منهم بأن يخوضوا الانتخابات، ورئيس هيئة صيانة الدستور آية الله جنتي المسؤول عن الحسم في النتائج اتخذ موقفاً شخصياً مؤيداً لأحمدي نجاد قبل الانتخابات، فيما حدد المرشد ملامح المرشح المفضل لديه وكانت تنطبق فقط على الرئيس أحمدي نجاد قبل الانتخابات، ووزير الداخلية صادق محسودي وهو من المقربين من أحمدي نجاد، منع الآخرين من الدخول الى وزارة الداخلية، لذا فلا أحد في الحقيقة يعلم ما هي نتيجة الانتخابات الإيرانية في الداخل او في الخارج. وتابع سلامة: «ان الانتخابات أُجريت بطريقة مغلقة للغاية، وقد يكون تخللها تزوير كبير مثلما قد يكون حصل على العكس انتصار واضح لأحمدي نجاد، كما يمكن أن يكون حصل أمر ثالث وهو تزوير غير ضروري، بمعنى أن أحمدي نجاد كان سينتخب، ولكن، حصل تزوير بسبب خوف خامنئي وجماعته من التظاهرات المؤيدة لمير حسين موسوي خلال الحملة الانتخابية». واعتبر «أن ما من أحد على يقين بصحة النتائج، وانعدام اليقين سيبقى حاضراً في أذهان كل إيراني في الأشهر المقبلة، ويعني أن الفاصل الذي ينتهي اليوم قد يمدد بعد حين نتيجة تدهور صدقية المؤسسة الإيرانية، خصوصاً أنه اليوم، وبعد أسبوعين من الانتخابات، لا يمكن أحداً الفصل بما هي نتيجتها». وعن سيطرة خامنئي وأحمدي نجاد على آلية القمع والهيمنة العسكرية، قال سلامة: «ما كان حاصلاً هو أن هناك نوعاً من التوازن الهش للقوى بين ما يمثله المرشد وما يمثله الى حد ما هاشمي رفسنجاني، بمعنى أن المرشد كان مرشداً وكان مسيطراً الى حد كبير على الحرس الثوري والباسيج ومجلس صيانة الدستور والى حد كبير على مؤسسة رئاسة الجمهورية. وأخيراً وبعد الانتخابات النيابية الأخيرة، فإن المرشد تمكن من توسيع نفوذه الى مجلس النواب». ومضى يقول: «إنه في السنوات الأخيرة كانت حصة المرشد داخل السلطة محددة بنفوذ هاشمي رفسنجاني في مجال المال والاقتصاد والتربية والإدارة العامة وبعض المؤسسات مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام أو هيئة الخبراء المكونة من 83 شخصاً ويترأسها رفسنجاني، وهذا التوازن الهش بين خامنئي ورفسنجاني انكسر خلال السنوات الماضية تدريجاً، لا سيما بعد انتخاب أحمدي نجاد وسيطرة المرشد التامة على رئاسة الجمهورية». ورأى سلامة «أنه بانكسار التوازن الهش الذي كان قائماً منذ وفاة الخميني سنة 1989، قرر رفسنجاني ومعه عدد من المتضررين من مركزة السلطة في يد المرشد استعمال المناسبة الانتخابية لسنة 2009 لإعادة توازن النظام، لكن الواضح أنهم فشلوا في هذا التحدي من خلال التشكيك في نتائج الانتخابات وفرض المرشد رأيه مرة أخرى». لكنه أشار الى أنه «هذه المرة فرض المرشد رأيه بطريقة تهدد التعددية النسبية التي كانت قائمة ضمن النظام، لذا فإن ما يمكن قوله الآن إن مصدر قوة خامنئي الذي كان قائماً على المؤسسات الدستورية وعلى تأييد بعض العلماء أصبح أكثر ارتكازاً على أجهزة الأمن والقمع، وهذا يضعف قدرته المعنوية وإمكاناته السياسية». ولفت سلامة الى أن «خامنئي تفوق في هذه المواجهة، ولكن بثمن باهظ جداً، وعلى حساب صدقيته الشخصية واعتبار مختلف فئات المجتمع الإيراني له مرشداً وليس طرفاً في النزاع». وأكد أن المرشد «بات الآن طرفاً، وتغيرت بالتالي أسس اللعبة، وأصبحت حاجته للارتكاز الى الأجهزة الأمنية وأجهزة القمع أكبر من أي وقت مضى». وعما إذا كان خامنئي المسيطر فعلياً الآن، أجاب سلامة أن «الفاصل الذي مررنا به انتهى بفوز المرشد على من أرادوا إعادة تقليص صلاحياته، لكن هذا الفوز ترتب عليه ثمن سياسي باهظ وهو نزول المرشد من موقع موزع الصلاحيات والسلطات الى موقع زعيم تيار، على رغم أنه التيار الأقوى حالياً في الدولة الإيرانية، فهو لم يعد ممثلاً لعموم الإيرانيين وموجوداً خارج النزاعات بين مراكز القوى، بل أصبح هو سبب المواجهة». وعن توقعاته بالنسبة الى المرحلة المقبلة، استبعد سلامة أن «يكون النظام على وشك السقوط، أولاً لأن ليس هناك من بديل له، وثانياً لأن التحدي الموجه الى خامنئي جاء من مير حسين موسوي وهو ابن النظام، ومن رفسنجاني شريك خامنئي خلال السنوات ال20 السابقة، ومن خاتمي الذي كان رئيساً للجمهورية،. والتحدي، إذاً، لم يأت من خارج إيران، وإنما هو محاولة أُجريت بقيادة رفسنجاني لإعادة النظام الى سابق توازنه». وقال «إن المحاولة فشلت، مما يعني أن هذه الفئة من داخل النظام ستعيد الكرة مثلما فعلت أيام خاتمي وفشلت وعملت أخيراً من خلال موسوي وفشلت، ولا شك في أنها ستحاول مجدداً في الأشهر والسنوات المقبلة لإعادة التوازن». وعبر عن اعتقاده «بأن هذا معناه أن المرشد ومؤيديه مثل أحمدي نجاد وجنتي سيكونون في وضع الدفاع عن الذات المستمر أمام التحدي المقبل، وسيلجأون الى المزيد من القمع، وحيز الحريات والتعددية داخل النظام سينحسر خلال الأسابيع والأشهر المقبلة». وشكك سلامة في وجود بديل عن نظام الثورة الإيرانية حالياً، مؤكداً أن النظام ليس في خطر اليوم، لكن المواءمة بين مبادئ الثورة وقدر من الديموقراطية الانتخابية التي ميزت إيران خلال السنوات ال30 الماضية، تبدو اليوم أضعف بكثير مما كانت عليه قبل الانتخابات. وبالنسبة الى تأثير هذا الوضع في القطاع الاقتصادي والنفطي، قال سلامة إن هناك «مخططاً كبيراً في إيران في مجال الغاز والنفط، وهناك معنى استراتيجي كبير للتوجه شرقاً، وكان رفسنجاني يحمل مشروع انشاء أنابيب ومشاريع طويلة المدى للتعويض عن العقوبات المفروضة على إيران، لكن هذا المشروع المرتبط برفسنجاني أصيب بنكسة، إذ انه يعتبر نفسه أفضل من يفكر بمصالح إيران الاستراتيجية ولو أحياناً على حساب الأيديولوجيا الثورية». ومضى يقول إن من انتصر الآن هو قدر من الشعبوية الديماغوجية على حساب هذه النظرة الجيوستراتيجية التي مثّلها دائماً رفسنجاني أكثر من خامنئي، ولا أعتقد أن عمال النفط يمثلون شريحة سياسية مستقلة». وذكر أن ما برز في الأزمة الأخيرة، أمران، أحدهما ضعف أو صمت عدد كبير من العلماء في قم وطهران ومشهد، وإحجامهم عن التدخل الى جانب المرشد أو الى جانب الثورة، وعدد الذين تحدثوا بصراحة كان قليلاً جداً. وقال إن الأمر الثاني هو قدر من السكون لدى لاعبين أساسيين مثل البازار من جهة ونقابات العمال من جهة أخرى، علماً أن الدراما خلال الأسبوعين الماضيين «كانت مهزلة سياسية بامتياز بين من يريد دفع النظام باتجاه المزيد من مركزة السلطة والمزيد من الدور لقدامى رجال الحرب العراقية – الإيرانية وأجهزة الأمن وأولئك الذين يريدون انفتاحاً ضمن منطق الثورة، على المجتمع المدني والحريات». وأشار سلامة الى أنه لم يسمع أيضاً خطاباً اقتصادياً، فكان هناك خلاف حول الأرقام ونسبة التضخم والبطالة، لكن لم يُقدم برنامج اقتصادي بديل من الشعبوية الأحمدي نجادية، لدى موسوي، ربما لأنه من دعاة تدخل الدولة الكثيف في الاقتصاد وهو ليس ليبرالياً، مما يبرر غياب المعركة الاقتصادية عن السجال. وعن تأثير التطورات الإيرانية في المنطقة وعلاقات إيران مع العراق، قال سلامة إن «التأثيرات الخارجية ستظهر خلال الأسابيع المقبلة، وما يمكن قوله الآن هو أن هناك نوعاً من الغطرسة الإيرانية التي كانت بارزة منذ سقوط نظام طالبان وصدام حسين، وبعد نجاحات ديبلوماسية إيرانية في أكثر من مكان مثل لبنان وفلسطين، وهذه الغطرسة لن يكون لها التأثير الذي كان في السنوات الماضية. لأنه للمرة الأولى وجدنا في بعض ثنايا خطاب مير حسين موسوي نوعاً من التشكيك بالموقف الإيراني الخارجي، فرأينا من يقول في إيران هل من الحكمة أن تكون إيران: متورطة في كل هذه النزاعات بينما الوضع الداخلي الدستوري والاقتصادي يحتاج الى الاهتمام. هذا الأمر لا بد للمرشد وأحمدي نجاد أن يأخذاه في الاعتبار، فهناك في إيران من بدأ يشكك بسياسة التدخل الكثيف في شؤون المنطقة على حساب الوضع الإيراني الداخلي. وهذا لم نسمعه منذ فترة طويلة وينبغي متابعته بدقة. واهتمام إيران بذاتها سيدفع الأطراف التي شهدت تدخلاً إيرانياً كثيفاً في السنوات الأخيرة، لا سيما العراق ولبنان وأماكن أخرى الى الشعور بأن هذا النفوذ تراجع بعض الشيء، ليس لأن إيران غيرت سياستها بل لأن لديها هموماً داخلية ككل الدول في المنطقة. ما يعني أن النفوذ الإيراني سيبقى لكنه لن يستمر في وتيرته التصاعدية كما كان في السنوات الأخيرة الماضية. أما في الغرب فأعتقد أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أثبت مرة أخرى كم هو حكيم في موقفه، بمعنى أن الكلام الصادر، لا سيما عن وزير الداخلية الإيراني عندما يتهم الأميركيين والبريطانيين بالتدخل في الانتخابات، لا يلقى أي صدى. والسبب هو حكمة أوباما الذي لم يندفع كما دعاه الجمهوريون والمحافظون الجدد الى التبني الكامل لطرف على حساب طرف في إيران. فبقي على موقف هادئ، ولم يعط أي حجة لا لأحمدي نجاد ولا للمرشد ليثبت أن أميركا أو بريطانيا تعملان الى جانب موسوي. وأعتقد أن هذا يضعف الى حد كبير حجة القائلين بمؤامرة لإنشاء ثورة مخملية، كما حصل في أوكرانيا أو في جورجيا. وأعتقد أن أوباما تجنب خطأ سلفه في تبني أي تحرّك في أي مكان من العالم يعتبره مؤيداً للغرب، وهذا التبني يضعفه أمام أصحاب العلاقة كما حصل مع «14 آذار» في لبنان ومع تجمعات أخرى في العالم. ما حصل هذه المرة أن أوباما لم يتحمس بسرعة ويؤيد فئة، لذلك فاتهام أميركا وبريطانيا أنهما وراء مشروع ثورة مخملية في إيران هو أضعف ما صدر عن النظام. من دون أي شك كان في الغرب اهتمام بالحركة التي قام بها مير حسين موسوي. وتمن بأن تصل الى نتيجة وتؤدي الى تغيير في النظام نحو مزيد من الديموقراطية، وهذا أمر مشروع، إنما يصعب القول إن هذه الدول قد تدخلت فعلاً. ما سيحصل الآن أن الجانب النووي من الملف سيستمر كما هو وستبقي إيران على جهدها في سبيل تملك التكنولوجيا النووية. وما صدر عن مدير وكالة الطاقة النووية محمد البرادعي يثير قدراً من الخوف لأنه بات يعتقد أن التوصل الى القنبلة النووية قد يكون الهدف الحقيقي لإيران. والبرادعي كان معتدلاً تماماً خلال السنوات الماضية. وما قاله أخيراً أنه يشعر في قرارة نفسه بأن الإيرانيين يسعون الى تملك ليس فقط التكنولوجيا ولكن أسلحة نووية، هو أمر يثير الاهتمام، لأنه يصدر عنه للمرة الأولى منذ تسلمه منصبه. إذاً، المجال النووي في إيران سيبقى ملحاً عبر الإسراع في تخصيب اليورانيوم القائمة خلال الأشهر أو السنوات المقبلة. لكن أوباما، من جهة أخرى أصبح في وضع حرج، بمعنى أنه يصعب بعد الذي حصل أن يقول: هذه إيران التي أود أن أفتح حواراً معها، وسيكون في أميركا وفي إسرائيل من يقول إن الحوار يجب أن يكون مستحيلاً أو مرفوضاً مع هذا النظام. لكن أوباما لأنه يريد في قرارة نفسه أن يصل الى حل للمشكلة النووية إذا أمكن بالوسائل الديبلوماسية، كان معتدلاً في مواقفه خلال الأزمة الأخيرة لئلا يقفل باب التفاوض أو التفاهم مع إيران على وقف برنامجها النووي. وسيضطر بعدما حصل، الى الأخذ في الاعتبار، أن إيران قوة أكثر تشدداً وأقل انفتاحاً على التعددية، وبالتالي سنسمع بعدم وضع الخيار العسكري جانباً أكثر مما كان الأمر في الأشهر الأولى من ولاية أوباما». وعن تأثير التطورات الأخيرة في إيران على العلاقات الإيرانية مع «حزب الله» وسورية و «حماس»، قال سلامة: «أعتقد أن انتصار الفريق المتشدد في إيران مفيد لهذه الأطراف، أولاً، لأن عمل الجمهورية الإسلامية في الخارج مرتبط بشخص المرشد، وبالتالي فإن عدم فرض رئيس يكون مناهضاً للمرشد أراح من دون أي شك هذه الأطراف، أراح «حزب الله» و «حماس» لأنهما على صلة بالمرشد مباشرة ولا تمر بأجهزة الدولة الإيرانية التقليدية وبالتالي بقيت علاقتهما قوية بإيران حتى في أيام خاتمي الذي لم يكن ينظر إليهما بطريقة المرشد نفسها، فتركيز وضع أحمدي نجاد، ولو بالفرض، يطمئن هذه القوى الى أن العلاقة بإيران لن تتغير. أما سورية فإن تركيز أحمدي نجاد في السلطة يسمح لها بأن تعمل على تحسين صورتها في الغرب بصفتها حليفة لإيران لكنها أكثر اعتدالاً منها، لأنه في حال فوز الطرف الآخر في الانتخابات الإيرانية هناك خطر حقيقي من أن يبدأ حوار أميركي - إيراني لا يمر من خلال سورية. الآن يمكن لدمشق مع انتصار التيار المتشدد في إيران أن تظهر أكثر اعتدالاً وربما وسيطاً بين الغرب وإيران. وبالتالي فإن ما حصل في إيران لا يراه حلفاؤها في المنطقة سيئاً، كل لأسبابه، «حزب الله» و«حماس» وسورية. لكن مدى اعتماد هذه الأطراف على إيران سيضعف، لأن في إيران قوى حقيقية لديها استعداد لمناقشة خيارات المرشد الداخلية والخارجية. وهذه القوى ستزداد تجذراً وراديكالية بعد أعمال القمع التي تعرضت لها في الأيام الماضية ومناهضتها للنظام، وبالتالي فقد يكون النفوذ الإيراني في المنطقة قد وصل الى أوجّه قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وسنشهد في الأشهر والسنوات المقبلة، لا أقول تدهوراً، بل تآكلاً نسبياً في هذا النفوذ. وبالتالي فإن حلفاء إيران سيقل اعتمادهم عليها قياساً بما كان في السنوات الماضية». وعما إذا كان يرى توافقاً في المصالح بين سورية وإيران في لبنان في المرحلة المقبلة، قال سلامة: «هناك حلف عميق قديم بين إيران وسورية، وهو ثابت والأقوى في المنطقة، إذ تمكن من تجاوز عقبات كثيرة مثل الحرب العراقية - الإيرانية، والحرب على الكويت عام 2000 ودخول سورية في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل. وبعد غياب الرئيس حافظ الأسد وآية الله الخميني، فهذا الحلف المتين تمكن خلال ربع القرن المنصرم من تجاوز عدد كبير من التحديات الإقليمية وبقي أقوى. لكننا نرى منذ فترة نوعاً من الانتقال في السياسة الخارجية السورية من الاعتماد المطلق على هذا الحلف الى محاولة تعدد الأطراف التي تتعامل معها سورية، رأينا ذلك أولاً بالنسبة الى تركيا التي قال الرئيس الأسد أن علاقته بها تكاد تكون بأهمية علاقته مع إيران. ورأينا ذلك في محاولة تطبيع العلاقة بين سورية ومصر والسعودية، وكل ذلك يشير الى أن اعتماد سورية الأحادي خلال فترة الرئيس جورج بوش على حلفها مع إيران تحول الى نوع من انعطاف باتجاه نوع من موازنة هذا الحلف المتين بعلاقات مع دول أخرى في المنطقة. كل ذلك سيؤثر في الوضع اللبناني بقدر من التمايز السوري لن يصل الى حد مواجهة سورية - إيرانية في لبنان، لأن المعطيات التي تجمع الموقفين السوري والإيراني، ما زالت قائمة. لكن البلد الذي أرى فيه تناقضاً سورياً - إيرانياً أكبر هو العراق. هناك ربما اختلاف على هوية العراق وعلى تركيبة السلطة، لأن سورية تخاف على عروبة العراق ومن تقسيمه وأيضاً من جنوح عند بعض الأطراف الشيعية في العراق الى تحويله الى بلد ذي وجه مذهبي طاغ، فكل هذه العناصر لها تأثير مباشر على وضع النظام داخل سورية ونتائج سلبية على شرعيته، وبالتالي فإن سورية لا تدفع باتجاه سيطرة مطلقة للتيارات المذهبية في العراق ولا تذهب باتجاه محو هوية العراق العربية ولا تذهب باتجاه نفوذ متسلط إيراني على السياسة الداخلية العراقية الذي إن حصل لا يهدد فقط عروبة العراق ولكنه قد يدفع الى انتفاض الأكراد، وهذا خطير لسورية إذ يدفع الى تهميش النفوذ السوري في العراق وهذا ما لا تريده دمشق.