تمنيت أني لم أرها. كنت أحلم لو أمشي في شارع لا تمر فيه، أو أقرأ في صحيفة ولا أقابل أخباراً عنها، لم أعد أريد أن أتعاطى معها، ليس غضباً بل يأساً منها. فقد اعتبرتها من ضحايا فايروس غريب، أعراضه تشبه أعراض ذبابة «التسي تسي»، التي تسبب قرصتها الخمول والكسل والنوم، وعدم الرغبة في فعل شيء، أما الفعل الوحيد الصادر عن هذا المصاب هو قوله سأفعل لاحقاً، أو «بنشوف»، لكنني للأسف عدت ومن باب - الصدمة غير المتعمدة - اصطدم من جديد بوزارة التربية والتعليم، وكيف لا اصطدم بها؟ وهي القطاع الذي تتكدس فيه معظم الوظائف النسائية، التي بلغت ما يفوق ال200 ألف وظيفة، وكيف لا أتعاطى معها ومناطاً بها مصير أبنائنا وبناتنا الخمسة ملايين. فكيف كنت أتوقع أن يمر يوم من دون أن أصادفها، أو أقرأ شيئاً عن أخبارها، أو أرتاح من خصومتها، أو مناشدتها، أو الحديث معها؟ وهي لا تنبته، لكن هذه المرة كان اللقاء بها عجيباً، فقد فاجأتني هذه الوزارة التي عهدتها لا تحب أن تفعل شيئاً بوجه جديد وصارت «تفعل». الوزارة التي كانت تأخذ كل شيء ب«الهون» و«ما يخالف» و«وسعوا صدوركم»، وما حدث مجرد مبالغات و«بنشوف السنة الجاية»، صارت تفعل شيئاً. الوزارة التي يذهب إليها كل يوم ومنذ ستة أشهر المعلمات البديلات، ويقفن ببابها يطالبن بحل لوضعهن المعلق في الهواء، ولا يخرج عليهن أحد، الوزارة التي أعلنت عن وجود 140 ألف وظيفة، وغصت ب20 معلمة بديلة، ومثلهن من معلمات محو الأمية، هذه الوزارة صارت «تفعل»، وتتخد قرارات، وليست كما ظننت تعيش في بال خال من الهموم، وهذا سبب مفاجأتي بها. فقد أنذرت وزارة التربية والتعليم الملعمات الجدد أن يسكنوا في القرية نفسها، بعيداً عن بيوتهن وبشرط آخر «جيبوا محرم»، وإلا فإن الوزارة ستستغني عنكن، وماذا تفعل سيدة تحتاج راتبها ومحرمها في وظيفته، تتزوج مسياراً مثلاً يا وزارة؟ وماذا تفعل سيدة لا يحتمل راتبها الضعيف استئجار سكن آخر ومواصلات، وتكاليف معيشة أخرى تجوع وتفقر مثلاً يا وزارة؟ لقد اعتبرت الوزارة أن أمر الرقابة على سكن المعلمات ووجود محرم هو من شأنها الداخلي، الوزارة التي لم تحل شؤونها الداخلية مع المعلمات صارت تهتم بتصريف شؤون المعلمات الخارجية، وكأنه لا يكفي هؤلاء المعلمات شقاء غربتهن وأضعاف موردهن بسبب كثرة المواصلات واستئجار منزل وسائق، وبعد المسافات التي تسبب النقل غير المراقب بقتل معلماتها بسبب مشوار يوم طويل، لماذا لا توفر الوزارة سكن المعلمات ومواصلات آمنة وبدل غربة؟ بدلاً من قرارات من نوع «جيبوا محرم»، هكذا على ما يبدو يفكرون أصحاب هذا الفايروس الخطير الذي يشبه فايروس ال«تسي تسي». فما الذي ينفع مع هؤلاء؟! أن نقول لهم «خافوا الله»، أم نقول لهم «خليكم في حالكم، وحلوا مشاكلكم أول»، أم أن ندعو لهم من قلب صاف بالمحبة «الله يشفيهم»؟! [email protected] twitter | @badryahalbeshr