اتحاد الصم يشكل منتخباً نسائياً    اكتشاف كوكب عملاق خارج النظام الشمسي    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    الأسبوع المقبل.. أولى فترات الانقلاب الشتوي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    رياض العالم وعالم الرياض    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    أكد أهمية الحل الدائم للأزمة السودانية.. وزير الخارجية: ضرورة تجسيد الدولة الفلسطينية واحترام سيادة لبنان    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    7 آلاف مجزرة إسرائيلية بحق العائلات في غزة    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    حوادث الطائرات    حروب عالمية وأخرى أشد فتكاً    التصعيد الروسي - الغربي.. لعبة خطرة ونتائج غير محسوبة    سمو ولي العهد: سنواصل تنويع وتوسيع اقتصاد المملكة وتعزيز مكانتها الرفيعة    الرياض الجميلة الصديقة    صافرة الكوري «تخفي» الهلال    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    الفيصلي يحتاج وقفة من أبناء حرمة    القوة الناعمة.. نجوم وأحداث !    سيتي سكيب.. ميلاد هوية عمرانية    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    الجموم بمكة المكرمة تسجّل أعلى كمية لهطول الأمطار ب (22.8) ملم    المملكة وتعزيز أمنها البحري    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    «إثراء» يُعيد وهج الحِرف اليدوية بمشاركات دولية    مبدعون.. مبتكرون    هؤلاء هم المرجفون    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    اكتمل العقد    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    نوف بنت عبدالرحمن: "طموحنا كجبل طويق".. وسنأخذ المعاقين للقمة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام السوري محظوظاً بمشايعيه ومحبّيه مجاناً
نشر في الحياة يوم 24 - 10 - 2011

لم يُعرف عن النظام السوري يوماً أنه يمنح الأموال والأعطيات والهدايا والمكرمات والهبات إلى مناصريه ومحبيه العرب من غير رعاياه، ولم يعهد عنه أنه شغوفٌ بتنظيم استضافات كبرى لهؤلاء في بلاده، فيجزل لهم في أثنائها، فقد ظل يكتفي باستقبال أشخاص ووفود منهم من دون احتفاءات مهرجانية، ومن دون أن يغدق عليهم بغير الشكر والمجاملات الروتينية، والتنويه بأهمية ما يبذلونه من نضال ضد الرجعية والصهيونية، وإسناد لقوى المقاومة التي تتصدى للمؤامرات التي تستهدف سورية.
لم يمارس النظام المذكور مثل مباذل نظامي صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا (مثلاً)، في استقبال المطبِّلين والمزمِّرين لهما، والعطف على كثيرين منهم بأموال، غير قليلة أحياناً، وبهدايا وسيارات وأعطيات، لم يكن بعض المنتفعين ممن تنعموا بها يجدون حرجاً من تظهيرها وإشهارها، ولم يحفل بتغذية صحف ومطبوعات خارجية تواليه بتمويل يلزمها.
لم يسلك النظام السوري هذا المسلك مع مشايعيه ومريديه والمقتنعين بخياراته، باستثناء لبنانيين استفادوا من امتيازات أمنية وتربحية في ظل علاقات ومنافع متبادلة مع ضباط ومسؤولين نافذين في الأجهزة الأمنية ومؤسسات السلطة والحكم في سورية.
ولا غضاضة في إشهار كاتب هذه السطور شيئاً من الإعجاب لديه بقدرة النظام المهيمن في دمشق على أن يقنع ناساً غير قليلين في غير بلده، في الأردن مثلاً، بكل ما يشيعه عن نفسه من شمائلَ وخصالٍ ينسبها إلى نفسه، ومنها أنه نظامُ مقاومة وممانعة يواجه في المنطقة خطط تقسيم المنطقة وارتهانها لخيارات الأجنبي والأميركي والإسرائيلي، وأنه وحده يتمايز بهذه الروح الجسورة عن غيره من الأنظمة العربية.
يكاد مراقب أداء هؤلاء الناس غير القليلين، وهم مثقفون وكتاب وأدباء ومحامون ونقابيون، ذوو مرجعيات يسارية وقومية وماركسية، يغبطهم على روحهم القتالية في الذود عن حياض نظام دمشق، وإنْ ببعض الطرافة أحياناً، من قبيل أن أحدهم رأى في عدم رفض لبنان مشروع قرار إدانة عسف النظام السوري ضد مواطنيه في مجلس الأمن واكتفائه بالامتناع عن التصويت، دليلاً على وجود قوى في الحكومة اللبنانية تعمل من أجل رمي سورية في الحضن الأميركي.
ونظنه الوسط الثقافي والنقابي في الأردن وحده دون نظرائه في البلاد العربية عرف المفارقة الشديدة الإدهاش، وهي مسارعة مثقفين وكتّاب ونقابيين أردنيين إلى إدانة عنف السلطات البريطانية ضد الاحتجاجات في بعض شوارع لندن في آب (أغسطس) الماضي، ولأيام فقط، فيما ناضل عدد من هؤلاء طويلاً، في رابطة الكتاب الأردنيين وغيرها، من أجل عدم إصدار بيان إدانة للجاري من إجرام ترتكبه السلطات السورية ضد مواطنيها.
وصار مشهوراً ما كابده شهوراً عديدون من أعضاء الرابطة التي يهيمن على قيادتها المنتخبة تيارٌ يحابي نظام بشار الأسد والمقاومة والممانعة اللتين يحترفهما من أجل أن يصدر عنها بيانٌ يناصر شوق السوريين إلى الحرية والديموقراطية، ويدعو إلى وقف ما يتعرضون له من قتل واعتقالات وانتهاكات، حتى إذا اقتنع النافذون، المنتخَبون كما يجب التذكير، في قيادة الرابطة بوجوب هذا الأمر، صدر بيانٌ شديد الاقتضاب، في نحو ستة سطور، يشجب القتل والعنف المفرط، وينبه في الوقت نفسه، إلى المؤامرة التي تستهدف سورية، وعلى الرغم منذ ذلك، سارع رئيس الرابطة الدكتور موفق محادين، وهو أحد شاجبي العنف في لندن، في اليوم التالي، إلى إيضاح أنه اضطر إلى المصادقة على بيان كهذا حرصاً على وحدة رابطة الكتاب، فيما هو غير مقتنع به، وأنه في الوقت الذي ستعتدي فيه طائرات أطلسية أو تركية سورية لن يبقى على حرصه، وسيتقدم الذاهبين إلى دمشق لمناصرتها.
المؤكد في تفاصيل مثل هذه، وكثير غيرها، أنه لا قتل نحو ثلاثة آلاف سوري واعتقال أزيد من عشرين ألفاً ولا استباحة الدبابات مدناً وقرى عدة، ولا مآسي زينب الحصني (!) وحمزة الخطيب وإبراهيم قاشوش وغيرهم، ولا مشاهد ضرب المحتجزين المدنيين بالبساطير وأعقاب البنادق، ولا محاولات إجبار المخطوفين على الكفر بالله وإشهار بشار الأسد إلهاً، لا شيء من هذا كله وكثيرٍ غيره، استطاع أن يقنع أصدقاءنا أولئك بأن المشهد في سورية مغايرٌ لما يعتنقون، وبأن الأوجب على المثقف والوطني والتقدمي المؤمن بتحرير فلسطين كاملة والرافض لاتفاق أوسلو أن يكون، بداهةً وابتداءً، ضد أي نظام كذاب ومستبد وفاسد وقاتل وجبان، في أي مطرح كان.
لا شيء من كل الذي يرون على شاشات الفضائيات، «غير الموضوعية» وفق قول الرئيس بشار الأسد للأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، اضطرهم إلى اختبار مقولاتهم وفحصها، ومحاولة تفكيكها وإعادة تركيبها، فيما لن يكلفهم ذلك التخلي عن مبدئيتهم في عداء إسرائيل، وجذريتهم في مناهضة المشروع الأميركي في المنطقة، وجسارتهم في رفض الرهانات الاستسلامية في الشرق الأوسط.
والبادي أن كل التمويت والعنف والتردي العام في سورية طوال سبعة شهور مضت، ليس هو الموضوع عند هؤلاء، ولا يتطلب شيئاً من إنعام النظر فيه، بدليل أن وفوداً أردنية أهلية ما زالت تتقاطر على دمشق لتأكيد نصرتهم في مواجهة المؤامرة التي تتعرض لها.
وحظي أحدثها باستقبال الرئيس الأسد، وكان برئاسة حسين مجلي، وزير العدل السابق ونقيب المحامين الأسبق والشخصية الأردنية الرفيعة والمحامي عن الجندي المعتقل أحمد الدقامسة، وضم الوفد محامين وحقوقيين رفيعين، فيما التمَّ في ثلاثة وفود سابقة، أوسع عدداً، مهندسون ومعلمون ومحامون وموظفون في غير مجال، جمعتهم مناهضة التطبيع مع إسرائيل ومحاربة الفساد والمطالبة بالديموقراطية والإصلاحات في الأردن.
مؤدى ما يعنيه ثبات هؤلاء على عقيدتهم هذه، الشغوفة بنظام عائلة الأسد الحاكمة في دمشق، أن نجاح الثورة السورية في مبتغاها إسقاط النظام المذكور، وحده ما سيقنعهم ببؤس ما هم عليه من تعامٍ عن الجريمة اليومية والمتنقلة في سورية، وما يقترفونه بحق الشعب السوري، الذي كان باهراً بفدائيته في احتمال كل هذا القهر القاتل، وفي إصراره على إنهاء عقود العتمة البعثية المديدة.
ووحده إسقاط هذا النظام ما سيجعل هؤلاء -ربما- في موقع محرج، وربما مخجل، وهم ينبشون في أرشيف النظام قيد السقوط، عساهم يعثرون على واقعة ممانعة ومقاومة واحدة، وهو الذي يهدد أميركا وأوروبا حالياً باستشهاديين. وحده ما قد يجعل بعض السخرية والإشفاق (ليس الشماتة) يزيح إعجاباً لدى كاتب هذه السطور بقدرة هذا النظام على أن يشايعه كل هؤلاء من غير رعاياه، في الأردن وغيره، ومن دون أن يشملهم بأي من صنوف العطف والكرم المالي، على النمطين القذافي والصدامي.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.