أَخيراً، وبعد تمنّعٍ طويلٍ من قيادتي هيئتيْها الإداريتين، السابقةِ والمنتخبةِ قبل ستةِ أَسابيع، وبعد ضغوطٍ داخليةٍ عاصفةٍ وحادّة، أَصدرت رابطةُ الكتاب الأُردنيين بياناً في شأْن الأَحداثِ الراهنة في سورية، جاءَ شديدَ الاقتضاب، وصيغَ وفق تسويةٍ نجتْ بها الرابطةُ من انشقاقاتٍ واستقالاتٍ جماعيةٍ منها كانت محتملة. فالبيان يدينُ «سفك الدم من النظام السوري لأَبناءِ شعب سورية العظيم الذي يتعرَّضُ لأَقسى أَنواعِ العنف والقتل من أَعتى ماكنةٍ بوليسيةٍ تنتهكُ حريّتَه وتمسُّ كرامَته»، ويحيلُ، في الوقتِ نفسِه، إِلى ما تتعرَّض له سورية (الآن) من «مؤامراتٍ وتدخلاتٍ خارجية»، ويعلنُ ضمَّ الرابطةِ صوتَها إِلى أَصواتِ المثقفين السوريين والفنانين المطالبين بالإِصلاحات، لتكون سورية قلعةً حصينةً للمقاومةِ من أَجل تحرير الأَراضي المحتلة، والصمود في وجه هذه المؤامرات والتدخلات. وكان أَعضاء في الرابطة قد لوَّحوا بإِشهارِ استقالاتٍ جماعيةٍ منها، إِذا لم تعلن الرابطةُ موقفاً يُندِّدُ بالعسفِ الدمويِّ الذي يرتكبه النظام الحاكم في دمشق ضد الشعبِ السوري، وإِذا واصلت قيادةُ تيار القدس الذي حقَّق في انتخابات الهيئة الإِدارية الشهر الماضي الغالبية، للمرّة الثالثةِ على التوالي، امتناعَها عن إِشهار هذا الموقف. وبدا أَنَّ رابطة الكتاب الأردنيين تتجّه إِلى أَزمةٍ غير هيّنةٍ قد تُسبِّبُ انشقاقاً فيها، عبَّر عنه من لوّحوا بالاستقالات بنيَّتهم تشكيلَ جسمٍ بديل عن هذه الهيئة الثقافية الأَهلية المستقلةِ التي تحوزُ منذ قيامها في 1974 مكانةً تمثيليةً مقدَّرة في الفضاء المدنيّ الأُردني العام. وفي الأَثناء، شاع تعليقٌ أَنَّ النظام السوريَّ الذي تمكَّن في حقبةٍ سابقةٍ من شقِّ منظمةِ التحرير الفلسطينية لن يعجزَ عن شقِّ رابطةِ الكتّاب الأُردنيين. ومن النداءات والمطالبات التي تكرَّرت في الصحافةِ والنقاشِ العام بضرورةِ اتخاذ الهيئةِ الإِداريةِ «موقفاً عاجلاً» من «المذابح» التي تتمُّ في سورية، الرسالةُ المفتوحةُ من رئيس الرابطة الأسبق ورئيس كتلة التجمع الثقافي الديموقراطي فيها الدكتور أحمد ماضي إِلى الهيئةِ العامة، كتب فيها أَنّه في اجتماعٍ للهيئةِ الإِداريةِ، في الأُسبوع الأَول من الشهر الجاري، اقترح إِصدار بيانٍ «يدينُ المجازر التي تُرتكبُ بحقِّ شعبِنا العربي السوري»، وأَنَّه طلبَ لاحقاً من رئيس الرابطة، موفق محادين، عقد اجتماعٍ للهيئة الإدارية يبحث المسأَلة، «نتيجة الازدياد المضطّرد في عدد القتلى والجرحى والمشردين من الأَشقاءِ السوريين، وأَيضاً لأَن الوقتَ يمضي ورابطتُنا تراوح مكانها». واستهجن ماضي عدم تواني محادين عن المشاركةِ في أَيِّ فاعليةٍ في سبيل النضال من أَجل الديموقراطية والعدالة في الأُردن، فيما لا يرى أَنَّ من حقِّ السوريين مثل هذا النضال. وكانت الهيئةُ الإِداريةُ السابقة قد شهدت في حزيران (يونيو) الماضي استقالةَ الأعضاء الثلاثة فيها من تيار «التجمع»، وهم فخري صالح وغسّان عبدالخالق وزياد أَبو لبن، احتجاجاً على ما اعتبروه تلكؤاً من الأَغلبيةِ وقيادتِها في إِصدارِ بيانٍ يُشهرُ موقفاً للرابطةِ يُندِّدُ بالممارساتِ القمعيةِ الدمويةِ للنظام السوري في مواجهةِ الاحتجاجاتِ والانتفاضةِ الشعبية. وذكر الطرفُ الآخرُ، في حينه، أَنَّه لا يُمانعُ في ذلك، على أَنْ يتضمَّن مثل هذا البيان حرصاً على موقع «المقاومةِ والممانعة» الذي تصطفُّ فيه دمشق، وإِشارةً إِلى مساندةِ الثوراتِ العربية المطالبة بالعدالة والحريات والكرامة، ومنها في البحرين، ورأَى ممثلو «التجمع»، في حينه، أَنَّ صيغةً كهذه تعني تغطيةً لسلوك النظام السوري، والذي لا مدعاة لإِدانته المشروطة بأَن تقترنَ بإِحالةٍ إِلى البحرين وغيرِها. وكتب رئيس الرابطةِ في حينه القاص سعود قبيلات أَنَّ «انقساماً شاقولياً» يحدُثُ في الرابطةِ في شأنِ الأَحداث في سورية. وفي أَجواءِ هذا التباين الحادّ بين رؤيتي التكتليْن الأَكبريْن في الرابطة، أجريت انتخاباتُ الهيئةِ الإِدارية، وفي نتائِجِها احتفظ تيار القدس بقيادةِ الرابطة متحالفاً مع التيار القومي الذي نجح منه عضوان. وجاء في محلهِ اجتهادُ رافضي فكرةِ الاستقالات الجماعيةِ التي لوح بها مستقلون وأَعضاء في «التجمع»، أَنَّ نجاح مرشحي «القدس» تم مع معرفةِ جميعِ الناخبين بموقفِهم في شأْن المسأَلةِ السورية. ما يتأَكَّد في البيانِ أَنه صيغ وفق تسويةٍ بين المتحمسين لإِدانةٍ واضحةٍ للعنفِ الذي يرتكبُه نظام دمشق ضد شعبه، (وهم الأَعضاء في الهيئةِ الإِدارية من تيار التجمع الديموقراطي، أُستاذ الفلسفةِ في الجامعة الأُردنية الدكتور أَحمد ماضي والناقد فخري صالح والشاعر سعد الدين شاهين)، والأَعضاءُ الثمانية الآخرون من تيار القدس الذي ينتمي إليه رئيس الرابطة موفق محادين ومن التيار القومي الذي يتمثل بالشاعرةِ إِنصاف قلعجي والباحث هشام عودة، والذين يُصرّون على تعرّضِ سورية لمؤامرةٍ خارجيّةٍ. وكان لافتاً أَنَّ عضو الهيئة الإدارية التي ترشحت وفازت ضمن قائمة تيار القدس، الأُستاذة الجامعية الدكتورة مها مبيضين، أَشهرت موقفاً مغايراً لزملائِها من التيار نفسه، قبيل إِصدارِ البيان العتيد، وصفت فيه ما يحدثُ في سورية بأَنه «بركانٌ من العنف ضد البشرية»، بسببِ ما «يرتكبه النظام بحقِّ الشعب السوريِّ الأَعزل، المقتول يومياً على أَعتاب البيوت، وكلُّ ما يطلبُه أَو يحلم به لا يتجاوزُ رغيفاً آمناً من خبزِ الحرية والكرامة». واستهجنت مبيضين «كل الاستهجان» موقف رئيس الرابطة موفق محادين، وكتبت أَنها تجد أَنَّ إِرجاءَ إِصدار بيانٍ يدينُ القتلَ اليوميَّ في سورية، «يجعل موقف بعض أَعضاءِ الهيئةِ الإِدارية الحالية متناقضاً وحائراً ومشبوهاً»، وأَعلنت أَنَّ هذا الموقف لا يمثلها، ولا تنتمي إِليه، وتجد نفسَها غريبةً عنه. ورأَت أَنَّ سلوك محادين لا يليقُ بالمثقف الأُردني الملتزم، ولا يعبِّر عن آراءِ الغالبيةِ العظمى من أَعضاءِ الهيئةِ العامة»، وسأَلت «هل يريد المثقفون الأُردنيون منا أَنْ نقفَ بصمتٍ إِزاءَ إِراقة دماءِ الشعب السوري في اللحظةِ التي يُباركون فيها تأجيجَ الصراع في الأُردن وقيادة التظاهرات فيه؟»، في إِشارة إِلى نشاط محادين في التظاهرات والاعتصاماتِ المطالبةِ بإِصلاحاتٍ سياسيةٍ حقيقيةٍ في الأردن. وفي مقالٍ نشره تالياً، أَكد محادين حدوثَ التسوية مع «الأَقلية» (بحسب مفردته) في إِصدار البيان، «حفاظاً على وحدة الرابطة، مهما كان حجم الذين هدّدوا بالاستقالةِ إِذا لم نتوصل إِلى مثل هذه التسوية»، وذكر أَنه بصفتهِ الشخصيةِ لم ولن يلتزم بمضمونِ هذه التسوية، لأَنها، وفق، لم تأْتِ أَو تعكس قراءَةً متأنية، وجاءَت «في ضوءِ تبنٍّ واضحٍ للخطاب الإِعلامي السائد الذي يُنكر وجود أَيِّ مؤامرةٍ أَميركيةٍ صهيونيةٍ نفطيةٍ على سورية والمنطقة، والسخريةِ من ذلك كما لو أَنهم لم يُشاهدوا ما حدث في العراق وما يحدُث في ليبيا من تدخلٍ سافرٍ للناتو». وفيما نفى سفرَه إلى دمشق مع وفد «شعبي» أُردنيٍّ يُناصر الشعب السوريَّ في «التصدّي للمؤامرةِ الأَميركية الصهيونية»، ذكر محادين أَنه سيكون في سورية، ولن يكون وحده، إِذا ما حلَّقت فوقها طائرةٌ تركيةٌ أَو أَطلسية، و «عندها لن تكون وحدةُ الرابطةِ أَهمَّ من وحدة سورية». وكانت إِشاعةُ مشاركةِ محادين في الوفدِ نعتَه مناهضون بأَنه «وفد العار» قد دفعت القاص زياد بركات إِلى إِشهار استقالتِه من عضوية الرابطة. وبدا تمسّك رئيس الرابطة بروايةِ تعرّض سورية (الآن) إِلى مؤامرة، مع زملائه في تيار «الأغلبية» في الهيئة الإِدارية، سبباً في إِيرادِها في البيان، المتأَخر جداً، والخجول وفق منتقديه. وكان قد تم تكليف فخري صالح وإِنصاف قلعجي صوغه، ثم خضع لمفاوضاتٍ وأَخذ وردّ عسيرين، فانتهى إلى الكيفيّةِ التي نشر بها في الصحافة، والتي تجعله بائساً أَمام بيان اتحاد كتاب مصر، وبياناتٍ غير قليلةٍ لاتحاداتٍ وهيئاتٍ وفاعلياتٍ وتكويناتٍ ثقافيةٍ وحقوقيةٍ عدةٍ في دولٍ عربية عدةِ.