تعدّ رابطة الكتاب الأردنيين الإطار الأهلي الأهم الذي يجمع المثقفين والكتاب والأدباء في الأردن، واستطاعت منذ قيامها في 1974 أن تحافظ على شخصيتها الاعتبارية، كجسم نقابيّ مدنيّ جامع، وعلى استقلاليّتها، على رغم محاولات حكومية غير قليلة لاحتوائها، وصلت في نهاية الثمانينات إلى إغلاقها. وظلت الرابطة أكثر ارتباطاً بالتشكيلات الديموقراطية والمعارضة الوطنية في الأردن، وشاركت، بهمّة غالباً، هذه القوى في النضال مع تكوينات المجتمع المدنيّ من أجل الإصلاح والحريات وضدّ كل صنوف الانتهاكات. وأشهرت الرابطة دائماً مواقفها المناوئة لأيّ علاقة مع العدو الإسرائيلي، وأكدت دائماً ثبات التزامها بقضية فلسطين والقضايا العربية المتصلة بالحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان وغيرها، وظلت صوتاً أردنياً مهماً في محيطها القومي. يؤتى، هنا، على هذا التقديم، للعبور منه إلى توصيف الأزمة، الفادحة بحق، الجارية منذ أيام في الرابطة، عنوانها الموقف من العنف الدامي الذي يرتكبه النظام في سورية ضد شعبه الأعزل الذي يطالب في هبة وانتفاضة واحتجاجات واسعة بالحرية والكرامة. ومع مضي نحو ثلاثة أشهر على هذه الحال، ثارت زوبعة من التساؤلات عن عدم إصدار الهيئة الإدارية للرابطة بياناً يندد بهذا العنف المستمر، على غير المعهود في الرابطة التي يشتمل أرشيفها على آلاف البيانات المستعجلة في شؤون أردنية وفلسطينية وعربية، اتخذت كلها مواقف تصطفّ إلى جانب الشعوب ومع الحريات والديموقراطية، وتناهض العنف والتنكيل والقتل والاعتقالات وسائر الانتهاكات. وتحضر في الصحافة الأردنية، منذ أيام، هذه الزوبعة، ويخوض فيها مثقفون ونشطاء وكتّاب، لاسيما بعد «توضيح» نشره سعود قبيلات في صحيفة «الدستور»، في 24 أيار الماضي، ذكر فيه أنّ الهيئة الإدارية تناقش «صيغة بيان يعبّر عن رأيها المشترك في هذا الشأن الذي ينظر إليه من زوايا متعدّدة في الهيئة العامة للرابطة وهيئتها الإدارية، رغم الاتفاق عموماً على تأييد المطالبة بالديمقراطية للشعوب العربية جميعاً، ومن ضمنها الشعب السوري الشقيق». وفي توضيح آخر له، نشره، لاحقاً، في مقاله الأسبوعي في الملحق الثقافي في صحيفة «الرأي»، أكد قبيلات أنّه ظلّ دائماً مع كل مطلب للحرية والديموقراطية في كل البلاد العربية، وأنّه يناصر هذه المطالب التي يشهرها الشعب السوري، وأنّه يناهض القمع الذي يرتكبه النظام، وأنّه في هذا الموقف ينسجم مع مواقفه المعروفة والمعلنة، المنحازة إلى الحرية والديموقراطية. وعطف على تأكيده البديهيّ هذا هجومه على «البعض» الذي «يتصرّف كما لو كانت معاناة الشعب السوري مجرد مقاولة خاصة به، وأنّ من حقه، بناءً على ذلك، أن يحدّد صيغةً بعينها لتكون الصيغة الوحيدة المقبولة للتعبير عن تأييد الإصلاح ورفض القمع في سورية، ومن لا يلتزم بها فهو ضد الإصلاح ومع القمع والبطش». ووصف قبيلات بعض هؤلاء بأنه مرتبط بقوى مستسلمة، ويعتقدون أنّ حراك الشعب السوري الشقيق يمكن أن يكون منصّةً ملائمةً لهم ليقفزوا منها نحو تصفية حسابهم القديم مع «الممانعة والمقاومة». وكتب «يريدنا البعض أن نهجر الديالكتيك، وننظر إلى الأمور بمنظار ميتافيزيقي قاصر، ويريدوننا أن نحشر تعبيرنا عن تأييد الإصلاح في سورية، ورفض التعامل الأمني العنيف مع الاحتجاجات هناك، في الخانة الملائمة للسياسة الأميركية، وتابعتها العربية، التي تركّز علناً على استغلال المناخ القائم الآن لتصفية حسابها مع الممانعة والمقاومة، بالتحديد مع النظام السوري، وإذا لم نفعل، فإننا في رأيهم مع القمع وضد المطالبة بالحرية والديموقراطية». وكشفت مقالة قبيلات هذه، الاتهامية والانفعالية، أنّ رابطة الكتاب الأردنيين إما تشهر إدانتها عنف النظام السوري مقرونةً بالتأشير إلى مقاومة هذا النظام وممانعته تجاه إسرائيل، أو لا تفعل. ودلت إحالة المقالة إلى «ديالكتيك» في المسألة، على منظور قبيلات إليها على أنها بطبيعتها جدلية، ولا يتمّ التعامل معها بالأبيض أو الأسود، وأن الانتصار للهبة السورية يحسن أن يقترن بنصرة الثورات وكل تحرك شعبي عربي. واستهجن كتاب أردنيون هذا التعقيد الذي تتعامل رئاسة رابطة الكتاب وأعضاء في الهيئة الإدارية مع الحدث السوريّ الراهن من دون غيره، سيما أنّ بيان الرابطة في شأن ليبيا صدر بعد أيام من بدء نظام العقيد معمر القذافي حربه على شعبه، وطالب جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي بإجراءات ملموسة لإنقاذ الشعب الليبي، وشدّد على أن تتجاوز «الطلائع الثقافية» للأمة الفرجة على ما يرتكبه «النظام الدموي» هناك بشعبه الأعزل، وشجب صمت المجتمع الدولي الذي تحرّك، للمفارقة، بعيد صدور البيان، بالتدخل العسكريّ المعروف. وفي شأن مصر وتونس، صدرت بيانات عن الرابطة وتصريحات لرئاستها ناصرت الثورتين فيهما، وابتهجت بهما وحيّت شعبيهما، ولم يتم التفات إلى تلك البيانات والتصريحات، لبداهة ما اشتملت عليهما. يحظى رئيس رابطة الكتاب القاص سعود قبيلات بتقدير الأوساط الثقافية والإعلامية والنقابية والسياسية الأردنية، لاتزانه وكياسته، ولنضاله التقدميّ الطويل في العمل الوطني، وهو المثقف اليساري الذي أمضى سنوات من عمره سجيناً سياسياً في زمن الأحكام العرفية. وهو، إلى ذلك، قاصّ مجدّد، ولإبداعاته السردية مكانتها المهمة في المدونة القصصية في الأردن. وبالنظر إلى ذلك كله، وإلى حسن أدائه رئيساً للرابطة في دورتين انتخابيتين، (تنتهي الثانية الشهر المقبل)، فإن السجال معه، الذي بادر إليه مثقفون أردنيون في شأن «الزوبعة السورية»، غالباً ما التزم احترام شخصه. وفي الأثناء، صدر بيان دان «الصمت الذي يعتصم به أعضاء الهيئة الإدارية للرابطة عن جرائم الأسد»، وقّع عليه 72 كاتباً ومثقفاً أردنياً، ليسوا كلهم أعضاء في الرابطة، منهم زليخة أبو ريشة وإلياس فركوح ومحمود الريماوي وإبراهيم نصر الله وأمجد ناصر وبسمة النسور وليلى الأطرش وطاهر رياض وعبدالله رضوان وموسى برهومة وزياد العناني وجميلة عمايرة وغازي الذيبة. ووصف البيان «صمت الرابطة» بأنه «غير مبرر» إلا باعتباره «انحيازاً للنظام السوري الذي يتلطى خلف شعارات الممانعة والمقاومة البراقة، ولكن الفارغة من المحتوى الحقيقي، فمن يمانع ويقاوم لا يرسل الدبابات لقتل شعبه وإخماد مطالبته السورية بالحرية والكرامة». وبالتزامن، أعلن النقاد فخري صالح وغسان عبدالخالق وزياد أبو لبن استقالتهم من الهيئة الإدارية للرابطة، في بيان أفادوا فيه بأنّ استقالتهم تنطلق من «المسؤولية التاريخية التي يضطلع بها المثقف في اللحظات المعبرة الحاسمة». وأبدى البيان الأسف «للتراخي غير المبرر لدى بعض الزملاء في الهيئة الإدارية للرابطة، على صعيد إدانة القمع الذي يتعرض له الشعب السوري العظيم». ووصف عبدالخالق وصالح وأبو لبن (يمثلون التجمع الثقافي الديموقراطي في الهيئة الإدارية) التراخي بأنه غير مسبوق، وأشاروا إلى مماطلات ومقايضات لأسباب ومبررات غير مفهومة مارسها بعض الزملاء (هم الأغلبية في الهيئة الإدارية من تيار القدس) لإصدار البيان العتيد. وقال الثلاثة إنّ استفالتهم تأتي لتبرئة ذمتهم أمام الله والتاريخ والجماهير العربية. وردّت الهيئة الإدارية للرابطة ببيان جاء فيه أنّ التأخر في إصدار البيان المنشود جاء انسجاماً مع «الروح الديموقراطية التي تدار بها الرابطة»، ذلك أنّ هناك خلافاً في تفاصيله مع الاتفاق على إدانة اعمال القمع التي تمارس ضد الشعب العربي في سورية واليمن والبحرين وليبيا وكل البلدان العربية، ما يمهد للتدخل الأجنبي في المنطقة، وضدّ البطش والقمع والتنكيل بأشكاله وألوانه كافة. واستغرب البيان أن تطالب الرابطة بأن «تنجرّ إلى رأي واحد وباتجاه واحد في قضية تقسم المثقفين العرب «شاقولياً» في تفاصيلها المتعلقة بالرأي الدقيق في ما يجري». واستهجن البيان «براءة الذمّة» التي أشهرها أبو لبن وعبد الخالق وصالح، و «كأنّ الرابطة وهيئتها الإدارية تؤيد النظام السوري، وما يقترفه بحقّ الشعب السوريّ العظيم المقاوم». وقد نقل الناقد فخري صالح، في مقالة أوضحت حيثيات استقالته وزميليه، عن رئيس الرابطة سعود قبيلات قوله إنّ الهيئة العامة منقسمة شاقولياً في شأن الوضع في سورية، وهو ما جاء عليه أيضاً بيان الرد على الاستقالة الثلاثية. وكان الأولى تعزيز القاسم المشترك في بيان كان ينبغي صدوره، وهو إجماع الجميع في الرابطة على إدانة عنف النظام السوريّ في تعامله الأمنيّ والعسكريّ الدامي والشديد القسوة مع التظاهرات السلمية الواسعة في مدن وبلدات وأرياف سورية عدة، فذلك كان الأولى والأهم من المماحكات الرديئة، في شأن ما إذا كان نظام دمشق ممانعاً أم غير ممانع. ولأنّ بياناً لم تصدره يؤكد هذه البديهية، فقد خسرت رابطة الكتاب الأردنيين كثيراً من رصيدها الذي راكمته عقوداً وسنوات، تصدّرت فيها الاتحادات والتكوينات الثقافية العربية في مناوأة كل استبداد وقمع وفظاعة ضد الشعوب، غير أن رسوبها في الاختبار السوريّ الجديد جاء مدوياً.