اعتبرت إسرائيل يوم أمس «يوماً مشهودا»ً في تاريخها حين احتفلت بعودة الجندي الأسير في قطاع غزة منذ 64 شهراً غلعاد شاليت، في إطار صفقة تبادل الأسرى مع «حماس». وساهمت وسائل الإعلام، المرئية والمسموعة والمكتوبة، في بث أجواء من «الفرح» و»الفخر بمجتمع استثنائي مستعد لدفع ثمن باهظ في مقابل عودة جندي واحد إلى أهله»، وهو ما تباهى به رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو في الكلمة التي وجهها للإسرائيليين بعيْد استقباله شاليت، بقوله إن «إسرائيل تختلف عن أعدائها في نظرتها إلى الحياة». وكادت الحياة الطبيعية تشهد شللاً حيال تسمّر الإسرائيليين أمام شاشات القنوات التلفزيونية (أو هواتفهم النقالة) التي بدأت بثها الحي في السادسة صباحاً حتى ساعات بعد الظهر من دون توقف. وخرجت صحف أمس بعناوين متشابهة مرحبةً بشاليت: «أهلاً وسهلاً»، و «تعال إلى بيتك»، و «أهلاً بعودتك غلعاد»، كُتبت باللونين الأزرق والأبيض (لوني العلم الإسرائيلي) اللذين تكتب بهما عادةً عناوين الصحف الصادرة عشية الأعياد اليهودية أو عند احتفال إسرائيل ب «استقلالها». وتابعت قنوات التلفزة عملية التبادل لحظة بلحظة، وغاصت أحياناً في تفاصيل مملة ومتكررة، واستضافت سياسيين وعسكريين سابقين، خصوصاً من المؤيدين للصفقة، لتبرير أهمية «عودة الولد» و «ابن الجميع» إلى أسرته، وتباهوا ب «القرار الأخلاقي للحكومة» باستعادته بثمن باهظ، «وهو قرار يعزز معنويات الجندي الإسرائيلي لدى خروجه في مهمة عسكرية»، كما قال أحدهم، لكنه استدرك قائلاً: «كل ذلك بالرغم من الغصّة في الحلق التي يخلفها الإفراج عن القتَلة والمخربين». كما شارك خبراء في الطب النفسي وأسرى سابقون في توجيه النصائح لكيفية التعامل مع شاليت بعد عودته. والتزمت وسائل الإعلام العبرية عدم الدخول في الأيام المقبلة في تفاصيل تتعلق بشاليت وأسرته بهدف تمكين الجندي من العودة إلى الحياة الطبيعية، كما وجه وزير الإعلام الإسرائيلي يولي إدلشتاين طلباً مماثلاً إلى وسائل الإعلام الأجنبية، علماً بأن الشرطة الإسرائيلية منعت أمس الاقتراب من منزل العائلة في مستوطنة «هيلا» في الشمال. ومن المنطلق ذاته، توقع مراقبون أن لا يحقق الجيش قريباً مع شاليت حول ظروف أسره وكيف قتل رفيقاه خلال المكمن الذي نصبه فلسطينيون للدبابة التي كانوا على متنها، فيما كرر عسكريون سابقون دعوتهم إلى التحقيق في فشل المخابرات الإسرائيلية في توفير معلومات للجيش حول موقع اسر شاليت، ما اضطر إسرائيل إلى قبول صفقة تقضي بالإفراج عن أكثر من ألف أسير. وكانت المحكمة العليا أعطت مساء الإثنين الضوء الأخضر لتنفيذ الصفقة بعد أن ردت أربعة التماسات قدمتها عائلات إسرائيليين ضد إطلاق سراح عدد من الأسرى بداعي أنهم قتلوا أفراداً منها في عمليات تفجيرية. وحرص الجيش الإسرائيلي ومكتب رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو على أدق التفاصيل ليكون استقبال شاليت «مثيراً للانفعال»، وسط انتقادات معلقَيْن بارزَيْن لنتانياهو على إصراره أن تكون الصورة الأولى مع شاليت في إسرائيل معه وليس مع ذويه، «وذلك لمكاسب انتخابية». وفي الحادية عشرة من صباح امس، أعلن المتحدث باسم الجيش أن شاليت أصبح في الأراضي الإسرائيلية وأنه معافى وفي صحة سليمة بعد ان أُخضع لفحص طبي، وبعد ساعة أعلن إتمام صفقة التبادل. ومع دخوله الأراضي الإسرائيلية عبر معبر كرم سالم، تحدث شاليت هاتفياً مع والديه، ثم أُلبِسَ الزي العسكري بعد أن تمت ترقيته من رتبة عريف إلى رقيب أول. وقال أحد المعلقين إن الغرض من ظهور شاليت بالزي العسكري هو «بث رسالة إلى جميع الجنود بأننا سنخلصكم من أي وضع محرج قد تتعرضون له». واستقل شاليت طائرة عسكرية خاصة توجهت به إلى قاعدة سلاح الجو الإسرائيلي في تل نوف في الجنوب، حيث انتظره أركان الدولة والجيش وذووه. وكان نتانياهو أولَ المستقبلين لشاليت الذي وجه له التحية العسكرية فعانقه نتانياهو قائلاً: «مباركة عودتك إلى إسرائيل، كم جيد أنك عدت إلى بيتك». ثم قام بتسليم شاليت إلى أسرته قائلاً: «أعدتُ الولد إليكم». وفي القاعدة العسكرية عقد نتانياهو مؤتمراً صحافياً ألقى فيه كلمة مقتضبة كرر فيها «التعقيدات» التي رافقت التوصل إلى اتفاق التبادل، وقال: «في هذا اليوم كلنا موحدون بالفرح والألم. وبالرغم من خفض ثمن الصفقة، لكنه يبقى ثمناً باهظاً. التكافل ليس مجرد شعار إنما هو حجر أساس في وجودنا. وعاد أبناؤنا إلى ديارهم». وأضاف: «اليوم أتممت المهمة التي أخذتها على عاتقي مع تسلم منصبي قبل عامين ونصف العام. كان قراراً صعباً للغاية. كان علي أن أعيد جندياً أرسلته دولة إسرائيل إلى ساحة المعركة، وفي المقابل ضمان تقليص الخطر الكامن لأمن مواطني إسرائيل في إطلاق قتلة فلسطينيين، وعليه حددت شرطين واضحين: الأول أن تبقى قيادة حماس التي تشمل القتلة الكبار في السجن، والثاني أن يتم ترحيل غالبية المفرج عنهم إلى خارج الضفة الغربية أو إلى خارج الأراضي الفلسطينية». وأضاف أن «حماس» أبدت مرونة في شروطها «ما استوجب منا الحسم». وتابع: «لم أرغب في أن يكون مصير غلعاد مثل مصير (ملاح الجو المفقود) رون أراد الذي أسر قبل 25 عاماً. درست الأمور وحسمت أمري، الوزراء ايدوني بغالبية كبيرة، والآن شاليت يعود إلى عائلته وإلى شعبه وإلى دولته». وتوعد نتانياهو بمواصلة «الحرب على الإرهاب»، وقال إن «أي أسير محرر سيحفر قبره بيده في حال عاد إلى الإرهاب». وزاد متباهياً أن «إسرائيل تختلف عن أعدائها. نحن لا نحتفل بالإفراج عن قتَلة ولا نرفع على الأكف من سرق الحياة من الغير، إنما نحن نقدس الحياة». من جهة أخرى، قال وزير الدفاع ايهود باراك إنه رأى لزاماً عليه وعلى الحكومة أن يفعلا كل شيء لإعادة شاليت إلى بيته، «حتى بثمن باهظ لكن ليس بكل ثمن».