تحت ستار سميك من التعتيم الذي تفرضه الرقابة العسكرية على الإعلام الإسرائيلي على مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، واصلت وسائل الإعلام التكهن بمجريات هذه المفاوضات معتمدة على ما ينشر في وسائل الإعلام الدولية، فيما تناول كبار المعلقين المعوقات التي قد تعترض إتمام الصفقة وإن مالوا أيضاً إلى الاعتقاد بأن «الصفقة قريبة» وأن إسرائيل ستدفع «أثماناً باهظة» مقابل استعادة شاليت، في مقدمها «الخنوع للإرهاب» وترك انطباع في الساحة الدولية بأن حركة «حماس» المتطرفة نجحت في «تركيع إسرائيل». وطاول التعتيم مداولات «الهيئة الوزارية السباعية» الإسرائيلية التي اجتمعت مساء أول من أمس، ولم يرشح الكثير عن الموضوعات التي تناولتها باستثناء توصيتها الحكومة الأمنية المصغرة بالانسحاب من شمال قرية الغجر المحتلة. لكن مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو اصدر بياناً جاء فيه أنه «في الفترة الأخيرة كثُرت التقارير عن الاتصالات للإفراج عن الجندي المخطوف غلعاد شاليت، في الخارج وفي الإعلام الأجنبي. هذه تقارير غير موثوقة وبعضها مغلوط عمداً». وأضاف أن الجهود لإطلاق شاليت «تتواصل كل الوقت بعيداً من أعين الإعلام ولا نية لدينا للتطرق إلى الموضوع». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن نتانياهو قوله في وقت لاحق أمام اجتماع مع عدد من أعضاء حزبه «ليكود» أن إسرائيل و «حماس» لم تتوصلا بعد إلى اتفاق لتبادل الأسرى، وأن «الحكومة ستتخذ قراراً في هذا الشان، ثم تجرى مناقشته في الكنيست». من جهته، قال وزير الدفاع إيهود باراك إن «إسرائيل مدينة لشاليت الذي اختطف في عملية دفاعية... علينا أن نكون مستعدين وجاهزين للقيام بكل خطوة ممكنة ومناسبة من أجل عودة شاليت إلى بيته. إنه التزام عميق، وليس فقط من ناحية أخلاقية وإنسانية». واضطر والد الجندي شاليت إلى الإدلاء بحديث مقتضب بعد لقائه المنسق الإسرائيلي الخاص للمفاوضات حاغاي هداس، بقوله للصحافيين: «حتى الآن لست هادئاً... عندما سأحصل على معلومات إضافية سأكون سعيداً بإشراككم فيها. الوقت ليس للكلام الآن، وعامل الوقت يلعب دوراً حاسماً». وأضاف أنه لم يتلق معلومات رسمية عن تحقيق اختراق أو التوصل إلى صفقة «وتجربة الماضي علمتنا أنه في مثل هذه القضايا الحساسة يجب عدم اللجوء إلى فرضيات واستنتاجات من دون أن تستند إلى أرض الواقع». وتناولت كبرى الصحف «يديعوت أحرونوت» ما وصفته «تخبط» رئيس الحكومة في حسم الأمر، إلى جانب خشيته من أن لا تتوافر غالبية في الحكومة لدى التصويت على الصفقة في حال إنجازها. ورأى المعلق السياسي في الصحيفة شمعون شيفر أن نتانياهو يوشك على اتخاذ «أكثر القرارات دراماتيكية» في حياته، وربما في التاريخ القصير لدولة إسرائيل، «وبكلمات أبسط سيحسم نتانياهو مسألة مبدئية: متى تخنع الدولة للإرهاب». واعتبر أن نتانياهو «سيتخلى تماماً، في حال أقرّ الصفقة، عن النظريات التي دعا إلى تبنيها في مؤلفاته وخطاباته وعقيدته السياسية» المتعلقة بمحاربة الإرهاب. وتابع أن رئيس الحكومة يتخبط أيضاً في تحديد الجهة التي ستقر الصفقة، وأن ثمة فكرة لديه بتشكيل لجنة وزارية خاصة تقرر مصير الصفقة أو أن تخوّله وحده إقرارها وذلك لتفادي إمكان أن لا تحظى الصفقة بغالبية أعضاء الحكومة. وزاد أن الأمر الأكيد هو أنه مع إتمام الصفقة سيزداد الضغط الدولي على إسرائيل لفك حصارها عن غزة بداعي أن الجندي الذي تذرعت بوجوده في القطاع لتبرير حصارها عاد إلى بيته، «ولن يأخذ أحد في المستقبل بجدية ادعاءات رئيس الحكومة بأنه لا مكان للتحاور مع حماس». وأضاف: «يجب أن نقول الحقيقة حتى إن كانت صعبة: الإفراج عن مئات القتلة الفلسطينيين سيدعم حكم حماس في القطاع وسيرغم في نهاية المطاف حكومة نتانياهو على التسليم بالطبخة التي طبختها». وكتب المعلق العسكري في الصحيفة اليكس فيشمان ان الصفقة الجاري العمل على إتمامها ستشمل الإفراج عن «أسرى ليست أياديهم ملطخة بالدم فحسب، بل هم أسرى غارقون في الدم حتى آذانهم». ورأى أن «المعضلة الأولى التي تواجهها الحكومة تتمثل في السؤال: هل إسرائيل مستعدة للإفراج عن قتلة بعضهم قادة عسكريون يشكلون رموزاً وطنية ونماذج يحتذى بها في أوساط أشد التيارات الفلسطينية تطرفاً؟». وأضاف أن الإفراج عنهم «سيمنح أي قاتل محتمل أملاً ورسالة تقول إنه يمكنه قتل يهودي، إذ في نهاية الأمر سيتم إطلاق سراحه». وتابع أن «المعضلة الثانية تتمثل في الثمن المطلوب دفعه: إطلاق 1400 أسير فلسطيني على مراحل حيال عجز الأجهزة الأمنية عن فك أسر الجندي» بعمل عسكري، أما المعضلة الثالثة التي يتناولها المعلق فهي «خاصة بعهد نتانياهو» بداعي أنه في حال تمت الصفقة كما ترد تفاصيلها في وسائل الإعلام الأجنبية، «يمكن ل(رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس) أبو مازن أن يضع المفاتيح على طاولة مقره في رام الله، لأن هذه الصفقة ستشكل ضربة مميتة لحكومته ما يمكن أن يقود في أسوأ السيناريوات إلى فوضى في الضفة الغربية وفي أحسنها إلى انتعاش التيارات المتطرفة في حركة فتح التي ترى أصلاً أنه لا جدوى من التفاوض مع إسرائيل وأن العنف هو الوسيلة الأجدر». وعندها، «ستجد إسرائيل نفسها مضطرة إلى القيام بعمليات إسعاف كبيرة تشمل إطلاق سراح مئات الأسرى من فتح وتوسيع منطقة نفوذ السلطة ووقف دراماتيكي للبناء في المستوطنات». من جهتها، أشارت صحيفة «هآرتس» إلى تحفظات رئيسي جهازي المخابرات «الموساد» و «الشاباك» مئير دغان ويوفال ديسكين عن صفقة التبادل، وأضافت أنه حيال هذا التحفظ، فإن «المفتاح» للصفقة في يد رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال غابي أشكنازي. في غضون ذلك، صعدت «عائلات متضرري الإرهاب» الإسرائيلية معركتها ضد الإفراج عن أسرى فلسطينيين دينوا بقتل إسرائيليين واعتبرته «ثمناً باهظاً» لا يجوز دفعه، ورأت أن الصفقة، وفقاً للتفاصيل المتداولة في وسائل الإعلام، «تمس بصورة إسرائيل في العالم كمن ترضخ للإرهاب».