اتفق مشاركون وأكاديميون في جلسات اليوم الأخير من ملتقى «الاتجاهات الحديثة في العقوبات البديلة» على أن عقوبة السجن لم تعد حلاً لتصحيح سلوك المخطئ، وأنها تحولت إلى معاناة للسجين نفسه ولأسرته ومجتمعه. ودعوا إلى البحث عن تصنيف للعقوبات البديلة عن السجن، وإلى تعاطي القضاة مع مدمني المخدرات على أنهم مرضى يحتاجون إلى العلاج. وقال الأمين العام للجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم (تراحم) محمد الزهراني خلال مشاركته أمس عن تجربة اللجنة مع من تستهدفهم: «عقوبة السجن في كثير من الحالات قد تؤدي إلى إصابة النزيل ببعض الاعتلالات النفسية الناتجة من عجزه عن التكيّف مع بيئة السجن، وكثرة تفكيره سواءً في مصير قضيته وما ينتظره من حكم أو في مصير أسرته عقب سجنه، أو في مستقبله الوظيفي ومكانته الاجتماعية بعد خروجه». وأضاف: «يصاب بعض السجناء بحسب الدراسات بما يعرف ب «العدوانية»، التي تنتج في الغالب من شعوره بالغبن الذي يفسره السجين نفسه على أنه ظلم وقع عليه أدى إلى القبض عليه في قضية من القضايا المثلية، أي التي يتكرر وقوعها أكثر من سواها بشكل يومي، فإن لم يكتشف فاعلها لن يبحث عنه أحد، كقضايا الاختلاء المحرم وتعاطي المسكر أو المخدر». وتابع: «هناك أيضاً معاناة لأسر السجناء، وهي معاناة غالباً تكون نفسية، تكمن في غياب أحد أفرادها كسجين، نتيجة انطوائهم وانعزالهم عن محيطهم تخوفاً من تعرضهم للوصم أو التحقير، وتعاني الزوجة والأبناء من آثار شبيهة لما يتعرض له السجين، مثل القلق والتوتر الذي ينعكس على الأبناء خصوصاً الدارسين منهم، فيقل عطاؤهم، وقد يتطور إلى الفشل الدراسي أو التسرب من مراحل التعليم، إذا ووجهوا من أقرانهم بالوصم أو التحقير». وتمتد الآثار النفسية كما يرى الزهراني إلى «فقدان الشعور باحترام الذات والدونية، الناتجة من عدم احترام الآخرين لهم، وكذلك لإحساسهم أنهم تحولوا من أسرة ميسورة الحال أو متوسطة الحال إلى أسرة متلقية للمساعدات والصدقات ومثيرة للشفقة». الخيارات المفقودة ولفت الزهراني أن «وجود الآلاف من أفراد المجتمع في السجون، ذكوراً وإناثاً، فيه تعطيل لقدرات أيد عاملة وعقول مفكرة، كان يفترض أن تكون لهم إسهاماتهم في بناء وتنمية وطنهم إلى جانب إخوانهم وأخواتهم المواطنين، وأحياناً يكون البديل عن تلك الطاقات استقدام عمالة وافدة مع ما يترتب على وجودهم في البلاد من آثار اقتصادية واجتماعية وأمنية. وشدد أمين تراحم في ختام ورقة عمله التي قدمها على أن الآثار «النفسية والاجتماعية والاقتصادية لعقوبة السجن وما تنطوي عليه من سلبيات وتبعات خطرة على الفرد والأسرة والمجتمع، تقتضي ضرورة التأمل وإعادة النظر في جدوى هذه العقوبة وطرح السؤال الكبير، هل يجب أن تكون عقوبة السجن هي الخيار الأول أو الوحيد؟ ولما لا يتم تفعيل البدائل سواءً البدنية أو المالية أو المعنوية، أو المقيدة للحرية أو الاشتراطية أو الخدمة الاجتماعية، خصوصاً وأن هناك تجارب ناجحة في الكثير من دول العالم لو أخذ بها لأمكن تخفيض عدد المحكوم عليهم في السجون بنسبة قد تصل إلى 25 في المئة، وتحاشي تلك الآثار السلبية». الشهري: الحبس لم يعد خياراً صالحاً للمدمن!