لا أحد ينافس الحكومات الخليجية في حبها لتضييع الأموال وبعثرتها وإنفاقها بحجة تجارب ومشاريع غير مدروسة أو في شركات حكومية أو مصنع او حتى مشروع، ليس مهماً إذا كانت الفكرة ناجحة أم لا.. يكفي أن تبخر مبلغاً من المال «العام» في سبيل إرضاء رغبة أو طموح، فليس بمستغرب في دول الخليج أن ترى شركة أو مصنعاً حكومياً يظهر فجأة ثم يختفي حتى لو كان رأسمال هذه الشركة بليون ريال، إما لعدم نجاحها أو لعدم جدواها، وتضيع أموال الدولة التي استثمرت فيها وضياع بليون أو 100 مليون ريال لا يعد أمراً يحتاج إلى تمعن أو رقابة على أموال الدولة، ولا تعلم كيف يمكن محاسبة الشركة والموظفين فيها، بل هي فرصة لتحقيق مكاسب شخصية لمجموعة من الأشخاص.. أما ان تحقق هذه الشركات نتائج أو مكاسب حتى الآن لم اسمع عن أرباح لشركات حكومية، أو تساهم فيها الدولة. في عالم الاقتصاد رأس المال جبان ولا يغامر قبل أن يحسب ويخطط ويتوقع النتائج ونسبة الخسارة، إنما في دول الخليج هذه المقولة غير صحيحة خصوصاً مع الشركات التي تمتلكها الدولة ومؤسساتها الحكومية، وتكتشف أن فرصة تمرير مشروع وهمي للدولة من اجل المساهمة فيها أو تمويلها أصبح أسهل من أن تقترح مشروعاً حقيقياً له عوائد جيدة على المجتمع. دعوني أسألكم: هل يمكن أن تنشئ وزارة الصحة شركة أهلية وتمتلك فيها حصة كبيرة لإدارة المستشفيات الحكومية وبناء مشاريعها؟ إذا كان هذا ممكناً فما وظيفة الوزارة؟ وإذا كانت غير قادرة على تنفيذ ومتابعة مشاريعها، فكيف بالله عليكم ستحلها حينما تنشئ شركة؟ وهذه الشركة ستدخل فيها المحسوبية في التوظيف ومنح المشاريع، وبذلك ستدخل منافساً لبقية الشركات الأخرى المخصصة في إدارة وتشغيل المشاريع الصحية والمقاولين أيضاً، وكذلك الحال مع وزارة التربية والتعليم لو أنها أنشأت شركة لها لتدريب المعلمين وبناء المدارس المتعثرة، هل ستنجح الشركة إذا كانت الوزارة فعلاً تعاني من نقص الأراضي؟ فكيف ستتوافر هذه الأراضي حينما تنشئ الوزارة شركة خاصة بها، وهكذا لو قامت كل المؤسسات الحكومية بإنشاء شركات خاصة لتنفيذ مشاريعها، أكاد أجزم بأنه خلال عامين سنشهد خروج العديد من الشركات الأهلية من منافسات العقود الحكومية، وتفوز بها هذه الشركات الأهلية التي تمتلكها الدولة. اتجاه الدولة إلى إنشاء شركات أهلية تابعة لها، معظمها إن لم تكن جميعها، ينتج شركات ارتجالية الجدوى الاقتصادية منها ضعيفة وغير مقنعة، كما أن فرصة استمرارها كشركة ناجحة في تنفيذ المشاريع لا يمكن، بل إنها شركات تنافس القطاع الخاص ولا اعرف أين موقع مكاتب دراسات الجدوى الاقتصادية ورأي وزارة التجارة والصناعة وهيئة المدن الصناعية وصناديق الاستثمار، التي توافق على هذه الشركات من باب المجاملة، وليس من حيث تقديم خدمات جيدة. هذه الشركات تساعد في زيادة كلفة المشاريع، وتضعف فرص المنافسة في تقديم العروض الجيدة من الشركات الأخرى. كما أنها نوع من أنواع احتكار المشاريع لبعض الشركات، فضلاً عن أن هذه الشركات لا تمتلك خبرة أو تجربة، فهي فقط تسعى إلى الحصول على العمولات والفوائد من خلال إسناد المشاريع لجهات أخرى. ولا أعرف على أي أساس وافقت الجهات المعنية على شركات أهلية تتبع المؤسسات الحكومية. في مكةالمكرمة تأسست قبل عامين شركة برأسمال قدره بليون و200 مليون ريال، وهي شركة تمتلكها أمانة العاصمة المقدسة، إذا أردت أن تعرف الفرق بين الأمانة في السابق والآن بعد ان أسست هذه الشركة لن تجد فرقاً، والحال نفسه في جدة، فقد تأسست شركة للتنمية والتطوير العمراني تابعة لأمانة محافظة جدة، وكأن جدة لا توجد فيها شركات متخصصة في التطوير العمراني حتى تقام شركة تملكها أمانة جدة! هذا يعد احتكاراً، ولا يمكن أن يحقق المعادلة في خلق منافسة وإتاحة الفرصة للشركات الأخرى. من المعلومات الجديدة لهذه الشركة التي تطور مشروع الرويس في جدة، أن تحالف شركة الرويس والتي تضم خمس شركات ستدفع 281 مليون ريال إلى شركة جدة للتنمية، مقابل علاوة امتياز لتطوير منطقة الرويس، وفي جامعة الملك سعود تأسست شركة وادي الرياض للتقنية وهي الذراع الاستثمارية للجامعة، وقادت تحالفاً بقيمة 500 مليون ريال لصناعة السيارات وتقنيتها، وهو ما احتفلت به الجامعة قبل عامين تحت اسم «غزال»، وجامعة الملك سعود تستثمر من صندوقها في مشاريع وتنشئ شركات خاصة بها، لست ضد هذه الشركات، ولكن لا بد من أن نعرف أهمية هذه الشركات وهوس المؤسسات الحكومية إلى إنشائها والرغبة الأكيدة في أن تحصل على المشاريع التي تنفذها، وهل بالفعل هذه الشركات مجدية؟ وما هو موقعها من سوق المنافسة وأيضاً العقود والتشغيل، وما اثر ذلك على الشركات الحالية؟ آخر الأخبار التي قرأتها السبت الماضي هو أن مؤسسة حجاج جنوب شرق آسيا للطوافة أنهت دراسة لإنشاء أول مصنع للتغذية في العاصمة المقدسة برأسمال قدره 200 مليون ريال، لكم أن تتخيلوا مصنع لبيع الأطعمة المعلبة، سيكلف بناءها 200 مليون ريال، وهو مصنع يعمل فقط خلال موسم الحج، واعرف حماس القائمين في المؤسسة، أما الشيء اللافت فهو أن المصنع سيقام بعد موافقة وزير الحج، بصرف النظر عما إن كان المشروع مجدياً اقتصادياً أم لا، هذا ليس مهماً، يكفي انه مشروع استثماري فقط. سباق المؤسسات الحكومية لتأسيس شركات ومصانع وغيرها من دون مراعاة المعايير المطلوبة وأهميتها يهضم حق الشركات القائمة في المنافسة والعقود، كما انه يدخل في المحسوبية وعدم تحقيق الفائدة. أتمنى على المجلس الاقتصادي الأعلى أن يعيد النظر في موافقته على التراخيص لهذه الشركات، وأيضاً في المشاريع المقترحة والمقدمة، وعلى هيئة مكافحة الفساد ومجلس الشورى فتح ملفات المساءلة والمكاشفة من حقيقة هذه الشركات وما يجري خلفها. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] Twitter | @jbanoon