تعتبر الضفة العربية للمتوسط الأقل جذباً للاستثمارات في المنطقة المتوسطية. واصطدم المؤتمر الأخير لوزراء تجارة المنطقة الأورومتوسطية في لشبونة، الذي ناقش آليات إقامة منطقة تجارة حرة أورومتوسطية بحلول عام 2010، بعقبات كبيرة على صعيد تنفيذ الإتفاقات التجارية المُبرمة بين بلدان الضفتين، وتحرير تجارة الخدمات وقواعد المنشأ التراكمية وسواها من القضايا التنظيمية. وعلى رغم تعهد الأوروبيين في مناسبات عدة تأمين المساعدة لشركائهم في الضفة الجنوبية لتنشيط الاستثمار بُغية الحد من موجات الهجرة غير المشروعة التي تجتاح سواحل البلدان الأوروبية الجنوبية، وبخاصة إيطاليا وإسبانيا، فإن نسب النمو المُسجلة في البلدان العربية ما زالت دون المستوى الذي يُحقق امتصاص البطالة والتقليل من الفقر. وعلى مدى السنوات الإثني عشر التي مضت على إطلاق مسار برشلونة، لم تكسب البلدان الجنوبية الشريكة في المسار سوى نقطة واحدة في نسب النمو التي تُحققها سنوياً. وتُراوح النسب الحالية بين 4 و5 في المئة، بدل 7 في المئة الضرورية لتقليص البطالة. وانطلق المسار الأورومتوسطي في عام 1995 باثني عشر بلداً، انضم اثنان منها إلى الإتحاد هما مالطا وقبرص، إلى جانب أعضاء الإتحاد الأوروبي الخمسة عشر آنذاك. 200 مليون مستهلك وطبقاً للبنك الأوروبي للاستثمار تحتاج المنطقة المتوسطية إلى ما بين 30 و40 مليون فرصة عمل في أفق عام 2020. إلا أن مستوى النمو الحالي لم يحفز الاستثمارات الأجنبية المباشرة على التدفق نحو المنطقة، على رغم أنها تشكل سوقاً اقليمية قوامها 200 مليون مستهلك، واتجهت الاستثمارات إلى أوروبا الشرقية والوسطى وأميركا اللاتينية. وأدى اتساع التفاوت واختلال التوازن بين الضفتين إلى ابتعاد أمل التكامل المتوسطي الذي غدا سراباً بعدما كان أحد الأهداف المُعلنة لمسار برشلونة. وأوجدت أوروبا"الآلية الأورومتوسطية لتيسير الاستثمار والشراكة"، كي تكون رافعة للتكامل من خلال"تمويل الاستثمار المُنتج ودفع عجلة النمو وتقليص نسب الفقر"وتحسين مستوى عيش المواطنين في الضفة الجنوبية، وبخاصة من خلال تعزيز المؤسسات التي تمنح قروضاً صغيرة، إلا أن العملية ما زالت مُتعثرة. ويعتزم الإتحاد الأوروبي إقامة ندوة لمعاودة النظر في دور هذه المؤسسات وآلية عملها في أيار مايو المقبل. وتساءل نائب رئيس البنك الأوروبي للاستثمار فيليب دي فونتان فيف في محاضرة ألقاها في تونس أخيراً، عما إذا كان الوقت حان لتطوير"الآلية المتوسطية"إلى بنك متوسطي أو وكالة تُعطي دفعاً قوياً للشراكة الأورومتوسطية. لكن البلدان الأوروبية الخمسة والعشرين وبخاصة تلك التي لا تطل على المتوسط لم تُبد حماسة للفكرة. ومن الواضح أن سماكة الحواجز الجمركية وثقل الإجراءات الإدارية، فضلاً عن ضعف تجهيزات البنية الأساسية، شكلت عناصر أثنت المستثمرين الغربيين عن التوجه إلى الضفة الجنوبية للمتوسط، التي لا تستقطب حالياً سوى 2 في المئة فقط من الاستثمارات الخاصة الأوروبية، فيما هي تتجه بكثافة إلى أميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا الشرقية. تفكك مغاربي ويُشكل ضعف التكامل بين البلدان الأعضاء في الإتحاد المغاربي يضم الجزائر والمغرب وليبيا وتونس وموريتانيا دليلاً على تفكك العلاقات بين بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط. ويتجلى ضعف الإندماج بين تلك البلدان، على رغم مرور نصف قرن على إحرازها الاستقلال، في ضآلة المبادلات البينية التي تتراوح بين 3 و5 في المئة. ولا تخضع معاملاتها الاقتصادية مع المجموعات الدولية لأي تنسيق، بل تتنافس مع بعضها البعض بسبب تماثل صادراتها الزراعية والصناعية نحو أوروبا. ومن خلال مقارنة أجراها خبراء اقتصاديون بين الصادرات التونسية والمغربية إلى الإتحاد الأوروبي، اتضح أنها متماثلة بنسبة 79 في المئة. ويمكن القول إن البلدان المغاربية ليست فقط منفتحة على الأسواق الخارجية أكثر من انفتاحها على بعضها البعض، إنما هي منغلقة على بعضها البعض أكثر مما هو متوقع. ويشكل تزايد العاطلين عن العمل أحد الإفرازات الاقتصادية والاجتماعية لتأخير التكامل المغاربي، فلو وُجدت مشاريع استثمارية كبيرة لساعدت بالتأكيد على امتصاص الطلبات الإضافية المسجلة في أسواق العمل المغاربية سنوياً. ويُعزى تردد المستثمرين في الإقبال المكثف على المنطقة، إلى استمرار التفكك وغياب سوق اقليمية قوامها 80 مليون مستهلك. وتشكل الوحدة الجمركية طبقاً لآراء الخبراء المدخل الأكثر واقعية لتحقيق دمج الاقتصاديات المغاربية والوصول الى التكامل الإقليمي. غير أن النزاع على الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب، ما زال العقبة الرئيسية أمام تشكيل وحدة اقتصادية مغاربية. فعلى خلاف الحال في الإتحاد الأوروبي ما زالت الحدود تشكل حواجز منيعة تُعيق تنشيط المبادلات التجارية وتدفق الاستثمارات بين البلدان المغاربية. وعلى سبيل المثال لم يتجاوز عدد السنوات التي بقيت الحدود خلالها مفتوحة بين الجزائر والمغرب، وهما البلدان الرئيسيان في المنطقة، سوى 14 عاماً منذ استقلال الجزائر الذي مضت عليه 45 سنة. هوة تنموية واستطراداً، أدى إرجاء الوحدة المغاربية إلى تعميق الهوة التنموية بين الإتحاد الأوروبي وبلدان شمال أفريقيا في شكل متصاعد حتى بلغ الفارق بين المجموعتين 1 إلى 27 في الميزان الاقتصادي العام. ومع الاستعداد لإقامة منطقة التجارة الحرة الأورومتوسطية بحلول عام 2010، يبدو التقارب بين البلدان العربية المشاركة في المسار المتوسطي، وهي الجزائر والمغرب ومصر ولبنان وسورية وتونس والأردن والسلطة الفلسطينية، ضرورة حيوية لتكريس خطوات تكاملية وحماية النسيج الاقتصادي المحلي المهدد بالتفكك، بسبب إدارته التقليدية وصغر حجمه وضعف إمكاناته التكنولوجية والتسويقية. وطبقاً لتقديرات الأمين العام الأسبق للإتحاد المغاربي مصطفى الفيلالي تترتب على تأخير بناء التكامل الاقتصادي بين البلدان المغاربية خسارة تعادل 2 في المئة من النمو السنوي لكل بلد. والثابت أن تأمين هكذا نسبة يساعد على امتصاص قسم كبير من العاطلين عن العمل الذين يُغرقون سوق العمل بأعداد جديدة من طالبي الشغل كل سنة ويعززون صفوف المهاجرين غير الشرعيين الذين لا يصل بعضهم سوى جثث مشوهة إلى السواحل الأوروبية.