بعد تسعة أعوام من انطلاق مسار برشلونة اليورومتوسطي، أكد رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي استمرار الأمل بتحقيق أهدافه خصوصاً بعدما استكملت الدول المتوسطية التوقيع على اتفاقات مشاركة مع الاتحاد. واعتبر في حديث الى "الحياة" أن هذا المشروع يشكل "فرصة تاريخية أمام شركائنا المتوسطيين تتمثل بوجود سوق ضخمة على مرمى حجر منهم هي السوق الأوروبية التي تشكل ربع السوق الدولية وهي مفتوحة بالكامل وليس فيها قيود". وأكد أن "المؤسسات الأوروبية ترغب في الانتقال الى الضفة الجنوبية واستثمار التكامل بين الضفتين والتقارب الثقافي والجغرافي بيننا"، لكنه رأى أن الأوروبيين لم يأخذوا بعد هذه الورقة المهمة التي بين أيديهم في الاعتبار لدى تخطيط السياسات الاقتصادية. وهنا نص الحديث: منذ اطلاق "خطة ميدا" لتكثيف الاستثمارات الأوروبية في دول الضفة الجنوبية للمتوسط بقي مستوى الاستثمار هزيلاً، كما أن الشركات التي نقلت مصانعها الى الضفة الجنوبية لم تؤسس فرص عمل بالحجم المأمول مع أن هذا هو عصب الشراكة المنوي اقامتها، الى ماذا يعزى ذلك؟ - هناك فرصة تاريخية أمام شركائنا المتوسطيين تتمثل بوجود سوق ضخمة على مرمى حجر منهم هي السوق الأوروبية التي تشكل ربع السوق الدولية وهي مفتوحة بالكامل وليس فيها قيود. وترغب المؤسسات الأوروبية في الانتقال الى الضفة الجنوبية واستثمار التكامل بين الضفتين والتقارب الثقافي والجغرافي بيننا. هذه ورقة مهمة بين أيدينا لم نأخذها في الاعتبار لدى تخطيط السياسات الاقتصادية. وعليه ينبغي اجتذاب الاستثمارات بخيارات اقتصادية متوازنة وشفافة، مثل التحكم بالتضخم والسيطرة على الحسابات، وايجاد الحوافز المناسبة التي تشجع المستثمرين على البقاء. وحيث طبقت هذه السياسة أعطت نتائج ايجابية في البرتغال كما في ايرلندا التي تجاوز مستوى الدخل الفردي فيها المستوى البريطاني. هذه هي وصفة النجاح وليس حجم التحويلات المالية من الشمال الى الجنوب فقط. حساسية انتقال البشر! من المآخذ الرئيسية على الاتحاد الأوروبي أنه يركز فقط على انتقال السلع ويتجاهل حركة البشر ما قاد الى سياسة متشددة في مجال منح التأشيرات، ويشكل هذا الموضوع أحد محاور الخلاف مع الدول العربية المتوسطية. كيف يمكن أن تساهم المفوضية الأوروبية بحل هذا الخلاف؟ - أتفهم حساسية هذه المسألة لكن ينبغي التعاطي معها من دون خفر متصنع. عندما نتحدث عن "حركة البشر" فهذا التعبير يحمل كثيراً من الأحكام المسبقة والضبابية التي تحتاج الى ايضاح، لكنه يتضمن أيضا مسائل جدية تنبغي السيطرة عليها. كيف يمكن لاقتصاداتنا الأوروبية استيعاب تدفق المهاجرين الذين نحتاج اليهم في بعض القطاعات من دون تعميق أزمة البطالة التي وصلت الى مستوى متقدم في بعض الدول الأوروبية؟ كيف يمكن لبنيتنا الاجتماعية أن تدمج هؤلاء المهاجرين وتحافظ على كرامتهم؟ وكيف يمكن تحاشي استقطاب النخب الذين تضر هجرتهم بمسار التنمية المتوازنة لدى جيراننا الجنوبيين؟ هذه مسائل معقدة ولا توجد أجوبة شافية عليها. ونحن في الاتحاد الأوروبي نتقدم نحو تكريس التناسق في سياساتنا الخاصة بالهجرة وهدفنا هو السيطرة على الظاهرة وليس طرد المهاجرين. لكن لا يمكن اختزال "تنقل البشر" في العمال الراغبين بالهجرة فهناك رجال أعمال أيضا يتعرضون لمضايقات! - مشكلة العمال هي الأهم ولا أعتقد أن تنقل رجال الأعمال يعتبر مشكلة سياسية عويصة. وعندما أقول ان علينا أن نتقاسم كل شيء معاً عدا المؤسسات الأوروبية فانني أقصد البشر والسلع في آن معاً، وذلك هو جوهر الفكرة الأورومتوسطية. منذ انطلاق مسار برشلونة في 1995 حتى اليوم أتى الحصاد دون المأمول، ما هي الأسباب برأيك؟ - مسار برشلونة مشروع كبير وهو حمال آمال ورؤى مستقبلية لكن الأحداث لم تساعده. وأرى ألف سبب وسبب لاعطائه دفعة وزخماً كبيرين. لنتذكر المشروع الأصلي وهو جعل المتوسط جسراً وليس حاجزاً، وحفز الشعوب والدول المجاورة على العمل من أجل مشروع سلام ورفاه مشترك. وتشكل اقامة منطقة للتبادل الحر حجر الزاوية في هذا المشروع وهي تشمل في آن معاً الدول الأعضاء في الاتحاد والمرشحين للعضوية ودول الضفة الجنوبية للمتوسط. الا أن الظروف لم تساعد في تقدم المشروع والسبب معروف وهو الصراع في الشرق الأوسط وعشر سنوات من الحرب الأهلية في الجزائر، كذلك التحفظات على الانفتاح الاقتصادي والتجاري ليس فقط على الاتحاد الأوروبي انما حتى على الجيران أحيانا. وعموما استهلكت توسعة الاتحاد الأوروبي طاقات سياسية وبشرية كبيرة لأنها كانت أولوية وواجبا أخلاقيا بالنسبة لنا. الا أن البطء لا يقود الى التخلي عن المشروع، فهناك لحظات تقدم مهمة اذ أن جميع اتفاقات الشراكة مع الدول المتوسطية تم التوقيع عليها ودخلت مرحلة التنفيذ وبعضها أعطى أكله، وينبغي تسريع الخطى بقدر ما نتقدم في التنفيذ. 2.2 بليون يورو وعلى سبيل المثال بلغ حجم المساعدات المالية التي منحها الإتحاد لدول المغرب الثلاثة المغرب والجزائروتونس منذ انطلاق مسار برشلونة 1995 أكثر من 2.2 بليون يورو في إطار "خطة ميدا" وهي مساعدات لا تسدد، فيما ارتفع حجم الموافقات على القروض التي قررها المصرف الأوروبي للإستثمار خلال الفترة نفسها إلى أكثر من 4 بلايين يورو. والدول الثلاث من مؤسسي مسار برشلونة وسبق أن وقعت على اتفاقات شراكة منفصلة مع الإتحاد عام 1995 تونس و1998 المغرب و2002 الجزائر ويستأثر الإتحاد حالياً بنحو 66 في المئة من المبادلات التجارية لدول المغرب الأوسط الثلاث ويؤمن 57 في المئة من الإستثمارات الخارجية التي تستقطبها. وترمي خطة ميدا أساسا لدعم تحديث المصانع وتمويل تهيئة الإقتصاد المحلي في الدول الثلاث التي وقعت على اتفاقات شراكة لمجابهة منافسة المنتوجات الأوروبية للسلع المحلية بعد إزالة الحواجز الجمركية مع الإتحاد. بعث المشروع آمالا كبيرة لدى انطلاقه لكن الغالبية أصيبت بخيبة أمل اليوم، ما هي التعديلات التي ينبغي ادخالها على المشروع كي يتحقق التقدم الذي أشرت اليه؟ - مرة أخرى الاتجاه العام جيد لكن ينبغي توسعة مجال الشراكة اليورومتوسطية. ويذكر الجميع أنني أطلقت شعار "من أجل أوروبا أوسع" مباشرة بعد التوقيع على اتفاق توسعة الاتحاد لعشرة أعضاء جدد في أثينا. المقصود بذلك هو ارساء شراكة وثيقة مع جميع جيران أوروبا من المغرب الى روسيا الذين أسميهم "حلقة الأصدقاء". ونحن نقترح توحيد كل شيء عدا المؤسسات أي السوق وقوانين تنقل الاستثمارات والخدمات والأشخاص وسن قوانين مشتركة لتنظيم المنافسة وتنشيط البحث العلمي بما يشجع خبراءنا وجامعاتنا ومؤسساتنا الاقتصادية على العمل المشترك. وأعتقد أن لدينا مصلحة كبيرة في ذلك للسيطرة على العولمة وحماية مصالحنا المشتركة. لكن ما أسباب البطء تحديدا؟ - المسؤولية مشتركة ولا أخشى من الاعتراف بتقصيرنا، لكن لو كان هناك حوار كما يفترض أن يكون بين شركاء لتركز على انارة معالم الطريق للمستقبل وليس على تبادل الاتهامات. وفي جميع مسارات الانفتاح الاقتصادي والاندماج الاقليمي هناك عنصر مهم ينبغي أخذه في الاعتبار هو الاطار العام للشراكة الذي يمكن أن يسرع نسق التنمية. طبعا هو لا يستطيع دفع التنمية بمفرده وانما ينبغي ربطه باصلاحات وتعبئة الموارد الوطنية واقتناص الفرصة التي يتيحها الانفتاح على الأسواق الأوروبية، وهذا ما لاحظناه لدى تأسيس السوق الأوروبية. في مقابل "التقصير" الأوروبي ازاء الشركاء المتوسطيين نلاحظ أن الاتحاد عبأ امكانات ضخمة لمساعدة البرتغال على تحديث مصانعه ومؤسساته، فلماذا لم يتصرف بالطريقة نفسها مع دول الضفة الجنوبية؟ - من حيث الحجم المالي لديكم حق، فالدعم المخصص للأعضاء الجدد أكبر من ذاك الممنوح لدول الضفة الجنوبية. هذا أمر لا مفر منه لأن الأخيرة لا يشملها منطق الادماج في الاتحاد. مع ذلك نحن نخطط لزيادة حجم المساعدة المالية الأوروبية للدول المتوسطية الا أنها لا تضاهي ما نقدمه للأعضاء الجدد الذين سينضمون قريباً الى الاتحاد. وقعت الجزائر منذ أكثر من عام اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي في بروكسيل وتوقع مراقبون أن يستغرق تنفيذه وقتا طويلاً كون الاقتصاد الجزائري يعتمد على عائدات النفط بنسبة تقارب 95 في المئة، هل تشاطر هذه التوقعات؟ - لا أشاطر هذه الأفكار المتشائمة، فالشعب الجزائري عاش أزمة من أعمق الأزمات التي يمكن أن يتخيلها المرء ومع ذلك حافظ على وحدته وشجاعته فلماذا نتصور أنه غير مؤهل لكسب معركة الديموقراطية والتنمية اعتماداً على ثرواته النفطية والغازية وبالأساس على ثروته البشرية الضخمة؟ والاتفاق الذي توصلنا اليه يشكل فرصة واذا ما تم تنفيذه بروحيته العميقة سيعطي دفعة لمسار الاصلاحات الداخلية، وعليه أنا متفائل بمستقبل الجزائر فهي تستطيع الفوز بالرهان وستفوز. وعلى الصعيد السياسي الى أين وصل الحوار مع الجزائر؟ - يقوم الحوار على مبدأ بسيط هو أن الجزائر بلد سيد نفسه مثلنا نحن الأوروبيين، ولذلك ليس لنا أن نعطيه "نصائح" في شأن أوضاعه الداخلية. الا أننا نتعاطف مع جهوده ومستعدون لتقديم خبرتنا ومساعدتنا في مسار عودة الوئام والسلم وبناء شبكة الحوار الديموقراطي اذا ما طلب منا ذلك. وطبعا من ضمن الأهداف التي ترمي لها المساعدة الاقتصادية الأوروبية تسهيل قيام ديموقراطية قوية ومستقرة. هل عمقت الطرود المفخخة شعورك بخطر الارهاب المعولم وانعكاساته على الصراع بين الحضارات؟ -لا أخشى شيئا سوى احتمال تطور ردود الفعل السلبية بفعل الجهل بالآخر، أي بحقيقة ما يجري لدى جيراننا، فالارهاب يسعى لاقناعنا بأن هناك صراعا بين الحضارات وأن علينا أن نستعد للمجابهة. أنا أرفض هذه الفكرة تماما ليس فقط لانها تحمل الشقاء المؤكد وانما بكل بساطة لأنها خاطئة.