انكشاف فضائح التعذيب في سجن "أبو غريب" في العراق، بعث أملاً لدى ضحايا التعذيب في السجون الاسرائيلية ببحث قضيتهم في العالم . لأنهم تعرضوا لتعذيب أكبر وأبشع. والمجرمون الذين عذبوهم ما زالوا طلقاء، وليس فقط لم يحاسبوا، بل حصل كثيرون منهم على ترقيات في وظائفهم. لكن سلطات السجون الاسرائيلية مرعوبة، وبدأت تتخذ اجراءات لاخفاء المعلومات عن تلك الجرائم. فقررت منع المحامين من ادخال هواتف نقالة مزودة بكاميرا اثناء مقابلة موكليهم السجناء. عندما كانت عدسات الكاميرا تلتقط صور تعذيب العراقيين داخل سجن "أبو غريب" والعالم كله منشغل بها كان جسد الفتى الفلسطيني زياد حمايل، الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، يرتجف خوفاً من صرخات المحقق الاسرائيلي الذي أمره بخلع ملابسه واختيار الطريقة التي يريدها للاغتصاب، من دون ان يرتفع صوت واحد في العالم ضد هذه الجريمة. كان زياد وحيداً، لا عدسات كاميرا ولا ضمير انساني، باستثناء اربعة جدران ذات لون داكن وغرفة مظلمة في معتقل عوفر وقهقهات الضابط المحقق وصرخاته لم ير زياد شيئاً. وبقيت قضيته مخفية، مثل قضايا مئات الفلسطينيين الذين رأوا أنفسهم عبر شاشات التلفزيون من خلال صور العراقيين وتذكّر كل منهم معاناته الشبيهة وربما ايضاً الاكثر قساوة. "لو التقطت الصور لمعاناتنا لكانت بشاعتها لا توصف"، قال كامل جبيل، الفلسطيني الذي قضى سنوات طويلة في السجون الاسرائيلية، آخرها بعد الحملة العسكرية الاسرائيلية "الجدار الحامي" وكان شاهد عيان على موت زميله مصطفى عكاوي بسبب ما تعرض له من تعذيب. شهران مرّا على الفتى زياد، وما زالت صرخات الضابط ترافقه ليل نهار: "أنت... أنت ايها الحقير الفلسطيني، اخلع ملابسك". صرخ ذلك الضابط المحقق، لكن زياد لم يستوعب ولم يدرك ما يدور حوله. بكى، توسل، لكن شيئاً لم يجده نفعاً. "أترى هذه العصا الطويلة. تمعن بها جيداً ثم قرر بأية طريقة تريد ان اغتصبك، بالطريقة العادية ام بهذه العصا"... صرخ الجندي وراح يقهقه. فما كان من زياد الا ان انهار ارضاً ولم يعد يدري ما يجرى من حوله. يتذكر ان الضربات واللكمات كانت تصيب كل انحاء جسمه وكانت صورة زميله جاسر الذي اعتقل معه وتعرض للتعذيب وفقد جزءاً من اذنه لا تفارقه: "عندها شعرت انني حتما سأموت"، قال. اعتقال زياد تم في المساء اثناء عودته الى بيته مع سبعة من زملائه. أوقفتهم دورية عسكرية واحتجزتهم. كبلوا أيديهم وغطوا عيونهم وابقوهم حتى ساعات الفجر على الرصيف. بال الشبان في ملابسهم لأن الجنود منعوهم من قضاء حاجتهم حتى في الخلاء. اصيبوا بحالات برد وارتعدت اجسادهم ليس برداً وحسب بل ايضاً من الضربات التي تلقوها. وكانت الوجبة الأكبر من الضربات لجاسر الذي تعرض لاعتداء قاس من احد الجنود حتى فقد جزءاً من أذنه. عندها، وكما تقول المحامية نائلة عطية التي ترافع عن الفتيان، قرر الجنود الافراج عنه بعد ان تعرض لنزيف لساعات طويلة واما البقية فاعتقلوا في سجن عوفر المؤلف من مجموعة خيام قرب رام الله. وهناك تعرضوا لأبشع اساليب التعذيب. بعد جلسات عدة شرح خلالها زياد ما تعرض له من اعتداءات وتهديدات بالاغتصاب وجراء وضعه الصحي المتدهور تقرر الافراج عنه على ان يمثل امام المحكمة يوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري. وجاء الافراج عنه بعدما فشل الجيش الاسرائيلي بتقديم اثبات للتهمة التي وجهت ضده، وهي "قذف الحجارة" كما تؤكد محامية الدفاع. هذه الحالات، البعيدة عن عدسات الكاميرا، هي جزء بسيط من الاعتداءات واساليب التعذيب التي يتعرض لها الاسرى الفلسطينيون طوال المراحل التاريخية لاسرائيل، منذ العام 1948 وحتى اليوم. ربما اختلفت الاساليب بين حقبة واخرى، لكنها جميعها تتمثل بأقسى مراحل المعاناة والتعذيب والتنكيل والمساس بالكرامة. وان كانت تعرية الاسير واغتصابه او تهديده بالاغتصاب قاسية لكنها لا تقل خطورة وقساوة عن وسائل التعذيب الاخرى التي أدت الى استشهاد 130 أسيراً فلسطينياً داخل السجون الاسرائيلية وجعلت المئات يعيشون حالات نفسية خطيرة بعضهم لم يتحمل ووصل الى حالة انهيار خطيرة دفعت البعض الى الانتحار كما حصل للشاب رياض ابو عصبة الذي دخل الى السجن عريس اسبوع وخرج منهاراً نفسياً وجسدياً ووصل الى حد الجنون، ما دفعه الى وضع حد لحياته داخل منزله حيث عمد الى فتح اسطوانة غاز ومات اختناقاً. عندما توجهنا الى الاسرى المحررين حديثا او قبل بضع سنوات للإطلاع على معاناتهم داخل السجون الاسرائيلية وجدناهم يجمعون على ان ما يُنشر من صور تقشعر لها الأبدان عن الاسرى العراقيين هو جزء بسيط من معاناة قاسية عاشوها اثناء وجودهم في السجون الاسرائيلية. وهناك من بات يعتقد بأن الوحدات الاميركية التي وصلت الى اسرائيل قبيل الحرب على العراق وتجولت في شوارع مخيم جنين للاطلاع على اساليب محاربة الفلسطينيين والاجتياحات في هذه الحملة، لم يقتصر هدف وصولها لدرس الاساليب الحربية والعسكرية فحسب، كما كُشف آنذاك، بل لدرس اساليب التعامل مع الاسرى والمعتقلين. فكل صورة نشرت من داخل سجن "أبو غريب" وجد لها الاسرى الفلسطينيون صورة مطابقة جداً بل احياناً اكثر بشاعة مورست داخل السجون الاسرائيلية. وهناك حالات لم يتم الكشف عنها بعد، خصوصاً تلك التي حصلت داخل السجن السري الاسرائيلي "1361" الذي ترفض اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية الكشف حتى عن موقعه الجغرافي وتفاصيل المساجين فيه ما يعني حتمية وجود حالات قاسية وخطيرة داخله. من بن غوريون الى شارون عندما حاول الاميركيون التخفيف من حدة ردود الفعل على بشاعة ما ظهر للعالم من داخل سجن "أبو غريب" العراقي صرح مسؤولون ان اوامر وصلت الى الجنود تسمح لهم باستعمال القسوة مع نوع من المعتقلين. هذه الجملة قالها الجنود الاسرائيليون في اكثر من مناسبة ومحاكمة على ممارساتهم القاسية ضد الفلسطينيين والتي بدأت منذ العام 1949 اثناء محاكمة خمسة جنود اسرائيليين بتهمة اغتصابهم وقتلهم فتاة فلسطينية في العشرينات داخل اطار في عهد رئيس الحكومة دافيد بن غورويون. وكشف في ملف المحكمة ان الاوامر كانت تقضي بتعذيب الفلسطينيين وقتلهم. وتواصلت هذه الاوامر بأشكالها المختلفة في عهود الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة حتى الحملة العسكرية الاخيرة "الجدار الواقي" والتي كشفت في كتب أصدرها جنود او مستندات ضبطت في اعقاب الفوضى التي لحقت بحملة "الجدار الواقي" وفيها تعليمات القادة العسكريين عن طريقة التعامل مع الأسرى والفلسطينيين بشكل عام. ولمجرد مواصلة الجنود ممارستهم اسلوب تحويل الأسرى والمدنيين الى دروع بشرية، أدت في بعض الاحيان الى قتلهم، فهذه بحد ذاتها تعكس قساوة الممارسات الاسرائيلية. وقبل التطرق الى ما يدور داخل السجون الاسرائيلية منذ ثلاث سنوات بحثنا عن بداية هذه الاساليب وكيفية تطورها منذ العام 1949 ثم 1967 وبعدها الانتفاضة الاولى ثم انتفاضة الاقصى. فوجدنا ان اساليب الاغتصاب او التهديد بالاغتصاب تكررت في كل فترة، واذا كان الاغتصاب لم يُمارس بشكل فعلي فإن تعرية الاسرى والاسيرات والتهديد باغتصابهم ما زالت تمارس حتى الآن، وبرزت خلال السنتين الاخيرتين بين الأسيرات الفلسطينيات والفتيان الذين تعرضوا اكثر من مرة لعملية تعرية امام المجندات الاسرائيليات لتحقيرهم وكوسيلة لتخويفهم وإجبارهم على الاعتراف. إحدى الاسيرات الفلسطينيات التي تعرضت في العام 1976 لعملية اغتصاب رفضت الحديث معنا عن تلك الحادثة نظراً الى ما لا تزال تعانيه حتى اليوم من آثار تلك الجريمة. آنذاك اعتقلت بتهمة الانتماء لتنظيم فلسطيني، لكنها رفضت الاعتراف فمارس المحققون أبشع عمليات التعذيب ضدها لكنها لم تعترف، فما كان منهم الا ان احضروا والدها وأدخلوه الى غرفة التحقيق حيث تتواجد ابنته وامام نظر والدها أمرها المحقق بالتعري. ولم تنجح كل محاولاتها ومحاولة والدها وبكاؤهما لمنع ذلك، وكادت تنهار لمجرد ان تعرت أمام والدها، وكذا كان حال والدها ايضاً. لكن الامر لم ينته عند هذا اذ قام المحقق باغتصابها أمام نظر والدها. تلك الحادثة سجلت كأقسى وأخطر حالة اغتصاب تعرضت لها سجينة فلسطينية، وقد علمت مؤسسات محلية ودولية عن حالتها، لكن احداً لم يحرك ساكناً، وبقيت الضحية تعاني لوحدها كما يعاني اليوم المئات امثالها ممن تعرضوا لعمليات تعذيب. في الانتفاضة الاولى وصلت عمليات التنكيل بالاسرى الفلسطينيين وتعذيبهم الى ذروتها. وآنذاك كانت الحال تطابق تماماً ما يشاهده العالم اليوم في سجن "أبو غريب". التعرية وتعذيب السجين، وكان التنكيل الجنسي اكثر الوسائل بروزا ووضوحا. وقد اعادت صورة الجندية الاميركية امام الاسرى العراقيين العراة الى اذهان الاسرى الفلسطينيين ما عانوه في السجون الاسرائيلية. أحد الاسرى قال ان عملية التنكيل الجنسي في اسرائيل كانت اقسى مما شاهدناه من صور "أبو غريب". فقد كان المحقق يعمد الى ادخال عدد من المعتقلين الى الغرفة، ويأمرهم بالتعري، ثم يبدأ التنكيل بهم، الواحد تلو الآخر. وبعدها تدخل الجندية وتقف الى جانب طاولة فيما يأمر الضابط الاسير الاول بالاقتراب من الجهة الثانية للطاولة حيث تقوم الجندية بتعذيبه جنسيا. وهكذا تفعل بكل أسير بالدور. وتكررت أعمال التنكيل الجنسي، وإن كان بحالات اقل، خلال انتفاضة الاقصى وما زالت المحاكم الاسرائيلية تبحث في دعاوى قدمها فلسطينيون ولبنانيون ضد ضباط اسرائيليين، احداها تبحث في قضية اسير فلسطيني نقل من سجن النقب الى سجن آخر. فحسب الاوامر الاسرائيلية يتوجب تفتيش كل أسير قبل دخوله السجن الجديد. ولدى وصول هذا الأسير الى السجن دخل الى الغرفة ضابط لتفتيشه فأمره بالتعري ثم راح يضربه وينكل به بدلاً من تفتيشه، وبعدها خرج من الغرفة وعاد وهو يضع قفازاً بيده اليمنى ويحمل مواد مطرية، ثم اقترب من الأسير وهو يهدده بالاغتصاب. وعلى رغم ان الاسير تقدم بشكوى ضد الضابط الا انه ما زال يمارس مهامه في منصبه الى ان تنتهي المحكمة. كيس الخيش والتبول والكلاب واما الصورة التي نشرت عن السجين العراقي الذي غطوا رأسه بكيس من الخيش ويبول عليه الجندي الاميركي فكانت أهون بألف مرة من وضع الاسرى الفلسطينيين. فكما تروي المحامية نائلة عطية، تعرض العديد من الاسرى الذين ترافعت عنهم لعمليات تنكيل بدأت بتغطية الرأس بالكيس. تقول: "الكيس الذي كان يضعه الجنود على رأس الأسير الفلسطيني كان مليئاً بالبول وتفوح منه رائحة كريهة جداً الى حد لا يمكن تحمله عن بعد. ولا يقتصر الامر على رائحة البول بل كان الكيس مليئاً بالشعر القذر، وعندما كان يوضع على رأس الاسير كان البعض يشعر بالاختناق، وقد أغمي على بعض الاسرى بسبب هذه الاكياس". وحسب عطية فإن عملية التعذيب لا تنتهي عند وضع الكيس بل تكون تلك البداية. فبعد ذلك يخضع الأسير لمختلف اساليب التعذيب، وأبرزها شبيه بصورة الأسير العراقي الذي كان معلقاً على الحائط. وكان المحققون الاسرائيليون يستعملون اسلوب "الشبح" الذي يعتبر اقسى بكثير من اسلوب التعليق الذي شاهده العالم في سجن "أبو غريب". فكان الأسير الفلسطيني وهو مغطى الرأس بالكيس يبقى مشبوحاً، رأسه الى الاسفل ورجلاه الى اعلى ساعات طويلة ومتواصلة". وتقول مديرة "مؤسسة الحق" خالدة جرار ان المحققين الاسرائيليين يمارسون اليوم اسلوب "الشبح" على رغم وجود قرار من المحكمة الاسرائيلية بعدم استعماله، ويتعرض الاسرى لهذه الاساليب بشكل قاس يؤدي احياناً الى تدهور خطير في حالتهم الصحية. فهناك من يتعرض للشبح لمدة عشرين ساعة، ما يعني، كما تقول: "انه يبقى في مثل هذه الحالة من دون نوم او راحة والعملية ذاتها تسبب له تمزق في الكتفين واليدين". الأسير كامل جبيل الذي اعتقل مرات عدة آخرها في الحملة العسكرية المعروفة باسم "الجدار الواقي" خرج من السجن مكسور الكتف بسبب التعذيب داخل السجن خصوصاً "الشبح". وكان شاهد عيان على تعذيب زميل له حتى الموت وعلى تعرية الأسرى وتعرضهم لنهش الكلاب. يقول في حديثه معنا: "لا شك ان الصور التي نشرت عن سجن ابو غريب العراقي مؤثرة وتزعزع الابدان. ولكن اذا قارناها بما تعرضنا نحن له فربما تكون تلك البداية اذا واصل الجيش الاميركي تطبيق اسلوب الجيش الاسرائيلي". ويضيف: "لقد تعرضت ساعات طويلة للشبح والهز والجلوس على كرسي صغير. اليدان مكبلتان الى الخلف والرجلان ايضاً. الكثير من الاساليب المحرمة دولياً يمارسها الجيش الاسرائيلي بحق الفلسطينيين وحتى بعد ان حرّمتها المحكمة الاسرائيلية العليا واصل الجيش ممارستها بذريعة ما يسميه بمحاربة الارهاب". ويروي محدثنا كيف كان المحققون يأمرون الاسرى بالتعري والجلوس داخل غرفة صغيرة ثم يدخلون الكلاب لنهشهم. وفي اسلوب آخر كان يتم وضع الاسرى في ثلاجات لفترة طويلة ثم نقلهم الى مكان قريب من مدافئ مرتفعة الحرارة. ويروي جبيل كيف تعرض زميله الاسير مصطفى عكاوي لعمليات تعذيب قاسية وضع خلالها داخل ثلاجة الى ان كاد يتجمد قبل اخراجه. وكرروا الاسلوب نفسه أكثر من مرة اضافة الى عمليات الشبح والكهرباء الى ان اصيب بنزيف حاد ادى الى وفاته. أحد الاسرى الذي ما زال يعاني داخل السجون الاسرائيلية في اعتقاله الاداري، تعرض لسلسلة اعتداءات وتعذيب كونه "قنبلة موقوتة"، أي أنه انطلق لتنفيذ عملية فدائية، ويجيز القضاء الإسرائيلي في مثل هذه الحال بممارسة أساليب التعذيب المتنوعة على هذا السجين. الأسير محاضر جامعي اعتقل قبل ثلاثة اشهر من حصوله على شهادة الدكتوراه. فقد فوجئ بجنود إسرائيليين يقتحمون منزله في ساعات الفجر الأولى ويعتقلونه. ومع مرور أكثر من سنة على اعتقاله لم تقدم ضده لائحة اتهام، والتهمة الوحيدة التي تلصقها به الاستخبارات الاسرائيلية هي "الانتماء لتنظيم فلسطيني محظور". ويتابع قضيته محامون من "مؤسسة الحق". وكما تقول خالدة جرار فقد استعمل الإسرائيليون ضده مختلف اساليب التعذيب بعدما استحصلوا على موافقة قضائية، ووصلوا الى حد احتجاز زوجته والتعامل معها كرهينة وكوسيلة ضغط عليه للاعتراف، فقد احضروها الى السجن ووضعوها في غرفة اعتقال لا يمكنها مشاهدة من يمر من الطرف الآخر للغرفة. وفي هذه الاثناء ابلغوا زوجها بأنهم اعتقلوا زوجته وسيعرضونها لأساليب التعذيب التي تعرض لها اذا لم يعترف. ثم واصلوا تعذيبه نفسياً فاحضروه الى منطقة قريبة من غرف احتجاز زوجته حتى يراها ليؤكدوا له اقوالهم. بعد ساعات أُفرج عن الزوجة فيما واصلوا تعذيب الزوج جسدياً ونفسياً. فقط قبل أشهر قليلة كشف عن هذه الأساليب بعد السماح للسجين بمقابلة محام، وتبين انهم مارسوا ضده معظم الاساليب التي منعتها المحكمة الاسرائيلية العليا، وأبرزها الشد والشبح، الى حد أنه فقد وعيه أكثر من مرة، كما فقد الحركة في عينه من شدة الضرب واللكمات. وتعرض للتحقيق 22 ساعة متواصلة في اليوم الواحد الى جانب الضغط النفسي من خلال تهديده بالابعاد وهدم منزله وتشويه سمعته وسمعة زوجته. وأبلغوه بكل صراحة انهم ينوون مواصلة هذه الاساليب الى ان يفقد عقله وينتحر. وقد نقل الى غرفة عزل مع احد العملاء والتقطوا له الصور ثم أحضروا له ملابس تليق بمحاضر جامعي وأخرجوه الى الشارع مع المحققين والضباط والتقطوا له الصور معهم ثم هددوه بنشرها حتى يظهر للجميع انه من المتعاونين. ليندي وسفينا في العراق ومارادونا وجورج في إسرائيل وكما في سجن "أبو غريب" العراقي حيث اشتهرت بين ابطال التعذيب الجنديتان سفينا هرمان وليندي اينغلند. ففي السجون الاسرائيلية ايضاً ابطال تعذيب تفوقوا على زملائهم في ترجمة السياسة الرسمية الى لغة فعلية في غرف التحقيق. في الانتفاضة الاولى كان بطل التعذيب الضابط "مارادونا"، وفي الانتفاضة الثانية برز الضابط "جورج"، وهو نفسه الذي حقق مع الاسير اللبناني مصطفى الديراني ومارس اقسى أنواع التعذيب معه. وأما "مارادونا" فكان "النجم الساطع" في الانتفاضة الاولى، ومارس ابشع اساليب التعذيب وخرج من تحت يديه اسرى معاقون ومنهارون نفسياً. الأسير رامي نجار كان عمره 20 عاماً عندما اعتقل في الانتفاضة الاولى وخرج من السجن داخل صندوق كولا يعاني من شلل في النصف الاسفل من جسده جراء ما تلقاه من تعذيب من "مارادونا". هو الآخر رفض الحديث معنا عن حالته بسبب ما يحمله من ذكريات أليمة. ولكن حسب الملف في المحكمة الذي تابعته المحامية نائلة عطية تبين ان الضابط "مارادونا" كان يتولى مسؤولية التحقيق معه. فقد وضعه في زنزانة صغيرة مظلمة لبضعة أيام، وفي كل يوم كانوا يحضرونه الى غرفة التحقيق ويمارسون معه ابشع اساليب التعذيب، باشراف و"مارادونا". في افادته امام القاضي ذكر رامي ذات مرة التعذيب وقال: "كانوا يتناوبون على ضربي على بطني. كنت انبطح على الارض. أبكي. أصرخ. لكنهم كانوا يواصلون ضربي. ثم في احدى المرات أخذني المحقق مارادونا نحو خزانة صغيرة مبنية من الباطون، هكذا قال لي، ولما فتحها كانت على شكل قبر وضعني فيها لساعات عدة. شعرت باختناق وعدم القدرة على الحركة. ثم أخرجني منها وواصل ضربي لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات وبعدها بال علي". وتعرض رامي للشبح لساعات طويلة ووضع الكيس المليء بالبول على وجهه. وعن اليوم الذي شعر بانه شُل تماماً روى قائلاً: "أخذني مارادونا الى غرفة التحقيق وأمرني بالجلوس على الارض وبفتح رجلي على عرض كرسي كانت أمامي. بعدها وضع الكرسي على رجلي وجلس عليها. فرحت أصرخ من الألم إلى ان شعرت بأنني فقدت الحركة. ولم يكتفِ المحقق بذلك، وأحضر شاكوشاً وضربني به على رأسي. عندها لم أعد أدري ما حدث لي. وصحوت وأنا في المستشفى". وبعد بضعة أيام في المستشفى، وعلى رغم انه كان في حال صعبة ولا يستطيع التحرك أعادوه الى السجن حيث واصل "مارادونا" تعذيبه. وفقط بعد أيام استطاع أهله زيارته، وكانت تلك اقسى لحظات لأمه. فقد كانت جالسة تنتظر ابنها الشاب ابن العشرين يمشي أمامها بعنفوان الشباب كما غادر البيت، لكنها شاهدته محمولاً من قبل جنود داخل صندوق كوكا كولا وتدلت منه رجلاه المشلولتان. صرخت الأم وولولت، وكاد يغمى عليها عندما شاهدت ابنها، وحيدها، على هذه الحال. وقصص "مارادونا" كثيرة مع المعتقلين الفلسطينيين. في إحدى الشكاوى التي بحثتها المحكمة الإسرائيلية، تبين انه مارس بنفسه اسلوب تعرية الأسرى وهدد أحدهم ببتر عضوه التناسلي. أما الضابط "جورج"، فإن ملفه في المحاكم الاسرائيلية يعتبر من أخطر الملفات التي يبحثها القضاء الإسرائيلي بحق ضباط ومحققين اسرائيليين. فبإلاضافة الى ملف اغتصابه مصطفى الديراني، هناك قضايا أخرى ضد أسرى فلسطينيين وعرب. أبرز هذه الملفات لأسرى عراقيين اعتقلوا بعدما تسللوا الى اسرائيل هرباً من الوضع الذي ساد العراق وبحثاً عن عمل. لكن السلطات الإسرائيلية لم تقتنع بأن هؤلاء العراقيين يبحثون عن عمل، فتم اعتقالهم بتهمة التجسس لمصلحة العراق. وكانت تلك فرصة "ذهبية" للضابط "جورج" لممارسة ما شاء من أساليب تعذيب، من تعرية وتهديد بالاغتصاب، إضافة إلى عمليات الشبح والهز والضرب إلى درجة ارغامهم على تناول قشور الفواكه التي يأكلها ويتركهم جالسين على كرسي مكبلي الأيدي والأرجل إلى الخلف أربعة أيام متواصلة تبولوا خلالها مرات كثيرة في ملابسهم. وفي احد الملفات قال أسير عراقي ان "جورج" ضربه ب"المكتة" على رأسه فسقط أرضاً فوضع رجله اليمنى على رأسه والأخرى على فكه وراح يرفسه الى ان كسر فكه، وما زال يعاني حتى الآن من آلام في فكه لعدم تلقيه العلاج آنذاك. الخوف من الكاميرا ملفات العراقيين كملف ديراني ما زالت في المحاكم الاسرائيلية، فيما تحول الضابط "جورج" إلى نجم إعلامي بعد إبعاده من منصبه بسبب هذه الشكاوى وتعيينه في منصب كبير في شرطة الهجرة. ومثله كثيرون. بعضهم تم إبعادهم من الخدمة، بعدما انكشفت وحشيتهم. لكن قلة قليلة منهم تحاكم. ومن يحاكم يحصل على احكام مخففة بسبب تساهل القضاء وطريقة ادارة المحاكمة. فقط قبل أقل من سنة صدر حكم بسجن قائد كتيبة اسرائيلية قام بالتنكيل الجنسي بفتى فلسطيني من قضاء بيت لحم عندما اقتحمت كتيبته منزل الفتى في الحملة العسكرية "الجدار الواقي" بحثاً عن والده "المطلوب". والزم الفتى حينذاك باحضار زجاجة والجلوس عليها، ما دفع أحد الجنود إلى الكشف عن العملية بسبب عدم قدرته على تحملها. وهناك 130 سجيناً فلسطينياً قتلوا في الأسر بسبب التعذيب المباشر أو المرض الناتج عن التعذيب، في وقت بقي المحققون والضباط الذين يصدرون الأوامر أحراراً. اليوم وبعد انكشاف اساليب التعذيب الوحشية في سجن "أبو غريب" العراقي، بدأ الاسرائيليون يخشون انكشاف أساليبهم، لذلك عمدوا إلى التشديد في تفتيش المحامين قبل دخولهم المحاكم أو زيارة الأسرى في السجون، لضمان عدم ادخال كاميرات تصوير تلتقط صوراً للأسرى أو تهريبها للأسرى كي يقوموا هم أنفسهم بتصوير اساليب التعذيب داخل السجون الاسرائيلية. ثم الصقوا اعلانا على أبواب المحاكم العسكرية يحذرون فيه المحامين من العقوبة الشديدة لكل من يحاول منهم الدخول إلى المحكمة او السجن وفي حوزته هاتف خليوي من الاصناف التي تحمل الكاميرات. فسجن أبو غريب يرزح بكل أثقاله فوق صدور المسؤولين عن التعذيب في إسرائيل تاريخ الاغتصاب في كتاب للمؤرخ الاسرائيلي بيني موريس عن أحوال اللاجئين الفلسطينيين، كشفت سلسلة فظائع ارتكبها الجنود بحق الفلسطينيين والفلسطينيات تدل على ان سياسة التعذيب قديمة في التاريخ الاسرائيلي. وفي كثير من الاحيان كانت تتم بشكل جماعي، حيث يشارك عشرات الجنود في تعذيب شخص واحد في ان واحد. واستطاع المؤرخ كشف 12 عملية اغتصاب وعشرات عمليات القتل، يقول: "في قرية شوشا اغتصب الجنود أربع أسيرات فلسطينيات احداهن تعرضت للاغتصاب بضع مرات. وفي عكا قام أربعة جنود باغتصاب فتاة ثم قتلوها هي ووالدها. وفي يافا قام جنود من وحدة "كرياتي" باغتصاب فتاة وحاولوا اغتصاب غيرها. وفي قرية هونين الجليلية، التي شرد أهلها في النكبة ودمرتها اسرائيل بالكامل، اغتصب الجنود فتاتين ثم قاموا بقتلهما. وثمة حالة اغتصاب او اثنتان في الطنطورة واخرى في قرية قولة. وأما في النقب، فإن جنود احدى الوحدات العسكرية التابعة للهاغانا، وضباطهم، اجروا تصويتاً في شأن مصير فتاة عربية وجدوها في الطريق. وجاءت النتيجة تحويلها جارية لهم، يفرغون فيها غرائزهم الجنسية. فحمموها وقصوا شعرها وراحوا يغتصبونها، جميعاً، كل يوم. ولما توجهت الفتاة الى قائد الوحدة لتشكيه أمرها وما يفعله جنوده وضباطه بها أصدر أمراً بقتلها رمياً بالرصاص ثم دفنها في الصحراء.