يتخذ جهاز التجسس والرصد البريطاني الجديد شكل الأفعى الانسيابي مظهراً له، وهو قادر على مواصلة مهمته حتى لدى تعرضه للصدمات والتصدعات العنيفة. إن آخر وأحدث نموذج لأجهزة روبوت الاستطلاع الذي انتهى فريق من اختصاصيي المعلوماتية في جامعة "لندن كوليج" من وضع اللمسات الأخيرة على النموذج الأول منه، قادر على التحرك والتنقل في ميادين المعارك حتى وإن تعرض للإعطال. فإذا اصيب أي جزء من أقسامه المتمفصلة التي تتخذ شكل العضلات في بنيتها، فإن الروبوت قادر على التحول والتطور بفضل برنامج معلوماتي معقد للغاية. وهكذا، فإن حلم اختصاصيي الروبوت منذ زمن طويل بتطوير آلية قادرة على ترميم نفسها بنفسها والتصرف الحكيم في مواجهة الظروف غير المتوقعة بات أقرب إلى الواقع منه إلى الخيال العلمي. لقد انطلق الفريق المختص في المعلوماتية في "لندن كوليج" من ضرورة التوصل إلى آلية عمل مشابهة لعمل الكلب في تنقلاته، فعندما يفقد أحد قوائمه نتيجة انفجار لغم يقوم دماغه وعلى نحو من الكفاية الفعالة بتمكينه من التكيف مع المعطيات الجسدية والحركية الجديدة ومواصلة مسيرته في التنقل والحركة، وذلك خلافاً لأجهزة الروبوت التي لا تمتلك حتى الآن هذه القدرة على التكيف مع الظروف والأحداث الطارئة مما يجعلها تتوقف عن العمل بمجرد تغير الظروف والمعطيات المرسومة لعملها وفقاً لبرمجة مسبقة. وبعد تحليل آلية عمل "الكلب" في ضوء اصابته الجسدية في قوائمه وبتر إحداها، استوحى خبراء جامعة لندن طرائق جديدة لتطوير أجهزة الروبوت وجعلها قادرة على مواجهة الأعطال التي تصيبها اثناء تنفيذ المهمات الميدانية لإكمال مسيرتها. وقد عمد الخبراء إلى ابتكار لوغاريتم "جيني" وهي طريقة في الحساب تستند إلى مفهوم "البقاء من نصيب الأكثر تكيفاً"، وذلك للتوصل إلى ابتكار نظام دائم التطور لإدخال التحسينات عليه بوتيرة لا انقطاع فيها. يتألف الروبوت الأفعى من وحدات مستقلة ومترابطة ومتداخلة في ما بينها على غرار حلقات السلسلة، وتحتوي كل وحدة على ثلاث عضلات متمايزة تمتد على طول جهاز الروبوت. أما هذه العضلات فمؤلفة بدورها من أسلاك وغلاف تتمتع بذاكرة الشكل، بحيث يتقلص بناؤه عندما يتلقى دفقاً من التيار الكهربائي. بمعنى أنه ينكمش على نفسه، وحين يتوقف التيار الكهربائي يستعيد شكله وطوله الأساسيين. لقد قام الفريق المصمم لهذا الجهاز بتحييد وتعطيل بعض الأجزاء في الوحدات التي يتألف منها جسم الروبوت الأفعى لاختبار قدرته على التكيّف مع الظروف المستجدة والحوادث غير المتوقعة، وكانت النتيجة أن توقف الجهاز عن العمل في البداية وبقي جامداً لا حراك فيه، لكن الروبوت الأفعى أدرك تدريجاً كيفية مواصلة التحرك. وعندما قام الخبراء بتعطيل بعض أقسامه عن عمد، واصل الروبوت حركة تنقله بطريقة معوجة ومضطربة لا استقامة فيها من حيث الاتجاه، لكنها كانت كفيلة بتمكين الروبوت من الوصول إلى النقطة التي يجب بلوغها. لقد دخلت صناعة الروبوت بفضل البرامج المعلوماتية واللوغاريتمات مرحلة العمل الجاد لتطوير ما يسمى ب"الإدراك الاصطناعي"، ومن أكثر المشاريع تقدماً في هذا المجال ذاك الذي يقوده البروفسور اوين هولاند في جامعة سسكس البريطانية الرامية إلى بناء روبوت يقولب نفسه بنفسه وبيئته وتفاعله مع ما يحيط به. ومن المقرر أن يكتسب هذا الروبوت، الذي سيشهد النموذج الأول منه النور بعد سنتين، نمطيته عن طريق التعلم حيث سيواجه أكثر فأكثر العقبات التي ستعترض مسيرته وسيطور بشكل تدريجي سلسلة من الأنظمة للتحكم ستؤدي إلى اكتسابه تصرفاً تتصاعد وتيرة الذكاء فيه. وهناك مشروع آخر تقوده شركة "سوني" في مختبراتها يركز على التعلم والتحكم بآلية عمل اللغة، لأن الصوت هو الناقل الحقيقي للإدراك. ومن هنا العمل المتواصل على ما يسمى بنظام تعدد الوسطاء الذي يفتح الطريق واسعة أمام تطوير جيل من أجهزة الروبوت التي تتمتع بنوع جديد من الذكاء وبقدر أكبر من التسيير الذاتي والتفاعل وتحديد العقبات التي تواجهها وتجنب الأخطار وإقامة العلاقات الاجتماعية ربما مع أجهزة الروبوت الأخرى. بمعنى آخر يسعى العلماء إلى تطوير آلات ومعدات قادرة على الاندماج في المجتمع