عندما وصل رئيس الاستخبارات الاسرائيلية في 18 آيار مايو من العام 1965 الى بيت الجاسوس ايلي كوهين لمواساة زوجته بعد اعدامه في سورية راح يتفاخر بنجاحات أجهزته الاستخبارية وبقدرة الجاسوس كوهين على تنفيذ مهماته قائلا: "في عملنا الاستخبارات تستيقظ في لحظات معينة، مسألة القدرة الشخصية. لقد رفض ايلي التفكير في هذه المسألة. كان ذا فكر جبار أراد دائماً الاكثر ووصل الى البعيد، نجح اكثر من الآخرين. كان أحسننا. كان هو الأحسن. ان أفضل انتقام لاعدامه ان يذهب كثيرون في الطريق نفسها التي سار عليها ايلي". لم يكن يعرف هذا المسؤول الأمني ولا زوجة ايلي كوهين وعائلته الكلمات الاخيرة التي كتبها قبل اعدامه، وفيها يعلن ندمه على القيام بهذه المهمة، بل ويطلب من زوجته مغادرة اسرائيل والعيش في مكان آخر، مبرراً قبوله هذه المهمة بسبب ضغوطات ناتجة عن أوضاعه المالية الصعبة. هذه الكلمات التي كانت بمثابة مفاجأة كبيرة لاجهزة الاستخبارات الاسرائيلية تحولت في ما بعد الى نقمة عند عائلة ايلي كوهين. اليوم، وبعد أربعين عاما، ما زالت زوجته، ناديا كوهين، تعيش حالاً من الغضب الشديد، بل ان بركاناً من الغضب يغلي داخلها. لكن بشخصيتها الهادئة يمكنها ان تخفي هذه المشاعر، وهي نجحت حتى اليوم في اخفاء ما تفكر به. وعندما جلسنا أمامها في محاولة لقراءة هذه المشاعر وهذا الغضب، كانت تنطق بكلمات ثم تنهيها قبل ان تعبر عن مشاعرها، لكن جملة واحدة انطلقت بعفوية عندما سألناها عن رأيها بقرار الاستخبارات الاسرائيلية ارسال زوجها في مهمة تجسسية الى سورية فردت: "لن أتركهم يموتون بهدوء". وصمتت وربما ايضاً ندمت على ما باحت به. ماذا عنت ناديا؟ وبماذا تفكر؟ ترفض التفسير. تعيش ناديا كوهين، التي تجاوزت الثامنة والستين في مدينة هرتسليا على بعد عشرة كيلومترات شمال تل ابيب. وفي مناطق قريبة منها يقيم أولادها الثلاثة صوفي وايريس وشاؤول وأحفادها الاربعة. وخلال أربعين عاما بعد اعدام زوجها رفضت الزواج وبقيت قريبة وصديقة لعائلة زوجها التي تعيش في رمات غان. من بيتها ادارت طوال هذه الفترة عملية استعادة رفات زوجها من سورية. وبذلت جهوداً كبيرة. فلم تترك باباً الا وطرقته. لكن لا المراسلات ولا الوساطات الاجنبية تمكنت من اقناع سورية بالموافقة على طلبها. اما في الحكومة الاسرائيلية فعلى رغم انها على قناعة بأن جهوداً كبيرة بذلت لاستعادة الجثة الا انها في مكان ما لا تخفي شعورها بالتقصير وعدم الاهتمام بأمرها، وأكبر دليل على ذلك صفقة تبادل الاسرى التي نفذت أخيراً بين "حزب الله" واسرائيل. فهي على قناعة بأن هذه الصفقة كانت الفرصة الافضل "لكن شارون، لاسباب لا نعرفها، لم يشمل ايلي كوهين بهذه الصفقة". الى جانبها يقود المعركة ويمسك بزمام الأمور، موريس، شقيق ايلي كوهين. فقد أقام موقعاً الكترونياً وجند جمعيات ومؤسسات دولية وجمع عشرات آلاف التواقيع التي تطالب السلطات السورية بإعادة جثة كوهين الى عائلته لكنه لم يفلح: "لم نيأس. سننتظر قليلا. ربما تعلن سورية عن مبادرة حسنة في سياق توجهها الى السلام في الشرق الاوسط. فقد تعلن اعادة جثة ايلي وبذلك تكون رمت الكرة في المرمى الاسرائيلي". لكن شعوره بأن جهوده لن تجدي نفعا لا يفارقه ويقول: "اذا فشلت الحكومة الاسرائيلية ولم تتجاوب سورية مع كل طلباتنا فسنتوجه الى المحكمة الدولية. اسمعي ما أقوله لك، وبكل صدق. انا وايلي واخوتي ولدنا في مصر، لكن جذورنا من سورية. من حمص. أمي من عائلة طويل وأبي كان معروفا باسم شحادة الجندي وهما من مواليد سورية. وأنا أكن في قلبي محبة لسورية ولا أريد الاساءة لها. ولكن في المقابل أرى ان من حقي استعادة جثة أخي. لقد عوقب ايلي وعوقبنا نحن. عوقبت زوجته وأولاده وكل العائلة وهذا يكفي. من حقنا ان يكون له قبر لنزوره على الأقل. لذلك لن نترك الأمور في أيدي المسؤولين، فان اغلقت كل الابواب سأتوجه الى المحكمة الدولية وأطالب باستعادة الجثة. فهذه هي الوسيلة الوحيدة التي ستبقى أمامنا، وان كلفتنا الكثير". خلال هذه الفترة تسعى العائلة لضمان استعادة الرفات من خلال شخصيات ديبلوماسية وسياسية في اوروبا واميركا وتبذل جهوداً خاصة ايضاً للحصول على مساعدة ودعم من شخصيات عربية ترفض الاعلان عنها حتى لا يسبب ذلك عراقيل اضافية في مسار المحاولات لاقناع سورية باستعادة جثة ايلي كوهين. ويقول شقيقه موريس: "حتى اننا نبذل الجهود من الناحية الدينية لاستعادة الجثة، سواء عن طريق الفاتيكان او شخصيات اخرى. فالدين، اي دين، يعطينا الحق باستعادة رفات ايلي كوهين ونحن ندرك تماماً ان الدولة السورية تدرك هذا الامر فلماذا لا تعلن عن خطوة جريئة، خطوة انسانية، انما تحمل رسالة سياسية للعالم كله، قد تحدث انقلاباً ايجابياً في مكانة سورية ووضعها". بهذه الافكار تعيش عائلة كوهين هذه الايام مكرسة كل وقتها لاستغلال كل فرصة لاستعادة الجثة. بطل اسرائيلي تعتبر قصة الجاسوس الاسرائيلي في سورية، ايلي، من أكثر القصص المثيرة في تاريخ الاستخبارات الاسرائيلية. فهو مسجل في التاريخ الاسرائيلي كواحد من الابطال الكبار. وخُصص له كتاب يتطرق الى أدق تفاصيل علاقاته مع الشخصيات السورية وما نقله لاسرائيل من معلومات من خلال التقارير التي كان يرسلها من مكان وجوده في سورية او التقارير التي كان يعدها لدى كل زيارة له. اما في تاريخ سورية فيسجل ايلي كوهين كجاسوس اسرائيلي صدر بحقه حكم بالاعدام في الاول من ايار مايو العام 1965، وجاء فيه: "بما ان المتهم الياهو بن شاؤول كوهين، المسمى كمال أمين ثابت، دخل الى المناطق العسكرية المحظورة ليجمع المعلومات للعدو ما يضر أمن سورية فقد حكم عليه بالاعدام شنقاً". ووقع القرار صلاح الضللي، رئيس المحكمة العسكرية السورية. بدأت الاستخبارات الاسرائيلية التفكير بارسال كوهين الى سورية عندما بدأ عمله مترجماً في وزارة الدفاع الاسرائيلية. وبعد حوالى سنة من زواجه كان وضعه الاقتصادي صعباً فوافق على عرض للعمل خارج اسرائيل قدمته له الاستخبارات. في البداية كانت الخطة ان يتوجه الى دولة اوروبية، لكنه رفض واقترح ان تكون مهمته الاستخباراتية في دولة عربية. فهو من أصل مصري ويتقن اللغة العربية وملامحه الشرقية تساعده على تنفيذ المهمة. ووقع الاختيار على سورية. وعند موافقته على العمل الاستخباراتي وتوجهه الى سورية قرر اخفاء الامر حتى عن زوجته، التي اكتشفت بالصدفة، كما تقول، عمل زوجها بواسطة شقيقه افرايم. ففي زيارته الاخيرة لاسرائيل قام كوهين برحلة مع العائلة وكان عصبياً ومتوتراً، وأبلغها انه سيرفض في الزيارة المقبلة العودة الى العمل. اما شقيقه فكشف أمره من خلال الحذاء الذي احضره له هدية، فقد كتب رقمه باللغة العربية. بدأ كوهين يتدرب على هذا العمل في القدس وتل ابيب من خلال التعرف على شخصيات يهودية واجنبية هناك وبمراقبة رجال من الاستخبارات. وكان ابرز التدريبات التي تلقاها ما يسمى ب"تمرين الذاكرة"، وحسب هذا التمرين كانت توضع على المنضدة مجموعة من الاشياء ويطلب اليه ان يتذكرها بعد رؤيتها لمدة ثوان قليلة. او كانت تعرض أمامه صور كثيرة للاسلحة، مثل المسدسات والبنادق والدبابات والطائرات من كل الانواع ويطلب فيه التعرف عليها، خصوصاً دبابات تي 54 وطائرات ميغ 15و17و19و21. تدرب كوهين على يد شخص معروف باسم "درويش"، وبدأت مهمة تحضيره لهويته الجديدة في العام 1960. وأول تغيير طرأ على شخصيته قبل توجهه الى سورية، كان في جعله عربياً ملماً بالديانة الاسلامية. فأرسلته الاستخبارات الى شيخ في مدينة الناصرة العربية في الجليل فلسطينيو 48 يدعى محمد سلمان بصفته طالباً في الجامعة العبرية في القدس. فتعلم الصلوات الخمس والفاتحة والعديد من سور القرآن الكريم. وحمل معه مصحفاً بصورة دائمة حفظ منه سوراً عدة. فكسب رضا الشيخ النصراوي الذي كان يصطحبه معه الى المسجد يوم الجمعة للصلاة. وفي نهاية العام 1960 بدأ كوهين يتدرب على اسمه الجديد، كمال أمين ثابت، وأنه ابن احدى العائلات السورية. ثم بدأ بتلقي الدروس على يد معلم يهودي من أصل سوري حتى يتدرب على اللهجة السورية، وخلال ذلك تعلم جغرافية سورية واستمع الى الاذاعة السورية للتعرف على التطورات السورية ومن جهة اخرى كي يتقن اللهجة. والاهم من هذا تلقى ايلي كوهين دورات خاصة لاستعمال آلات البث والاستقبال وتركيب اجزاء هذه الآلات الدقيقة التي كان حجمها لا يتجاوز حجم علبة السجائر وكان عليه ان يتعلم كيف يجد الأماكن الملائمة لتخبئة هذه الاجهزة الصغيرة، كما تعلم التصوير. وكان أمضى ساعات طويلة في غرفة مظلمة لمشاهدة أفلام عن الحياة في سورية والقوات المسلحة السورية في شوارع دمشق. اما الدرس الذي جاء بعد هذه التدريبات فقدمه درويش على النحو الآتي: 1- اصبحت سورية قاعدة للعداء ضد اسرائيل، وكل المعلومات عن التطورات داخل سورية لها أهمية كبرى لاسرائيل. 2- تعطى الأهمية الكبرى للمعلومات التي لها علاقة بالقوى العسكرية المعادية لاسرائيل. 3- التدقيق والاسراع في المعلومات. هذه النقاط الثلاث كانت المواضيع المركزية التي توجب على كوهين فهمها قبل وصوله الى سورية. للاقامة فيها والتسلل الى قلب الاوساط الحاكمة. لكن قبل سفره الى سورية توجه كوهين الى الارجنتين ليتعرف على سوريين ومن هناك يصل بواسطتهم الى سورية حتى تكون قصته مقنعة اكثر. وتم اختيار الارجنتين لأنها كانت تحاول تقريب جميع الشعوب آنذاك. ولذلك لم يكن يذكر في جواز السفر اسم الدولة التي وصل منها الشخص ولا ديانته، ما ساعده على عدم كشف هويته. وفي الارجنتين اصبح كوهين، الذي عرف هناك بكمال ثابت، من رواد "نادي الاسلام" الدائمين، وكان يعرف نفسه كتاجر يتمنى ان يعود بأمواله الى دمشق لخدمة الوطن العربي. وكان يناقش التطورات السياسية في دمشق حتى ساعة متأخرة من الليل. وهناك التقى صدفة عبداللطيف الخشن، محرر المجلة الاسبوعية، "العالم العربي" وتوثقت العلاقة بينهما. وقدم كوهين نفسه باسمه الجديد كمال ثابت وان أباه اسمه أمين وأمه سعيدة. وهاجرا من سورية الى بيروت وراء الرزق، وفي بيروت ولد هو في العام 1930 ولم يعرف شيئاً عن سورية لأنه لم يرها، بل سمع عنها الكثير من والديه وتعلم عنها في المدرسة وظل يفكر في العودة اليها لخدمة الوطن. وذكر امام الخشن ان عائلته تركت بيروت وسكنت في مصر وكان عمره ثلاث سنوات. في الاسكندرية عمل ابوه في تجارة المنسوجات حتى العام 1946 ثم هاجر الى الارجنتين حيث أسس متجراً للنسيج لكن المحل أفلس بعد بضع سنوات. ويبدو أن هذه الرواية اقنعت الخشن بكامل ثابت فتوثقت العلاقة بينهما وساعده في الوصول الى سورية. في دمشق أمضى كوهين ثلاث سنوات تعرف خلالها على شخصيات كثيرة، سياسية وعسكرية، وكسب ثقة الجميع. واليوم يقول شقيقه موريس ان شخصيته التي عكسها في سورية كانت ستساعده على كسب أكبر تأييد لو رشح للانتخابات. عند وصوله الى دمشق بحث عن شقة واختار ان تكون قريبة من قيادة الاركان السورية في قلب العاصمة. فهذا المكان تعرف عليه من خريطة عرضت أمامه في تل ابيب. وبعد البحث الطويل وجد بيتاً في حي أبو رمانة وهو الحي الموجودة فيه قيادة الاركان السورية والبنوك والسفارات الاجنبية وأهم المحلات التجارية. واختار ان يقيم في شقة لا في منزل مستقل، ففي مثل هذه الحال يكون عدد المقيمين في المبنى كثيراً ويصبح من الصعب مراقبته. وفي يوم 12 شباط فبراير من العام 1962 أرسل كوهين اول رسالة الى اسرائيل وكانت عبارة عن رقم 88، ومعناه انه وجد الشقة وسكن. أثناء اقامته في سورية نجح كوهين في كسب ثقة كثيرين من السياسيين والعسكريين ومن خلالهم تمكن من معرفة كثير من الاسرار التي ساعدته في مهمته الجاسوسية. وبواسطة علاقته مع جورج سيف أحد كبار موظفي وزارة الاعلام السورية، تمكن من العمل في الاذاعة السورية ما ساعده بشكل كبير على تنفيذ مهمته، اذ استغلها لتوجيه الاخبار الى اسرائيل. وكان اتفق مع الاستخبارات الاسرائيلية على كلمات سرية يستعملها في بداية بث الخبر او نهايته. فمثلا الجملة التي يبدأها بكلمة الاذاعة فان معناها اعلان حالة الطوارئ في سورية. وخلال السنة الاولى من عمله عاد كوهين الى اسرائيل بضع مرات ليتفق مع الاستخبارات حول المهمات التي سيقوم بها ولكتابة التقارير المفصلة. وفي احدى زياراته لاسرائيل جرى تكليفه بمهمة البحث في قضيتين: الاولى صفقة اسلحة سوفياتية جديدة من ضمنها طائرات "ميغ 21" الاسرع والاكثر تطوراً من سابقتها "ميغ 19"، وكذلك طوربيدات مجهزة بصواريخ "كومار" للاسطول السوري. والثانية جمع المعلومات عن مشروع تحويل مياه الاردن حيث كانت تتردد معلومات عن بلوغ المشروع مراحل التخطيط الاخيرة التي تسبق تنفيذه. وحسب الاستخبارات الاسرائيلية فان كوهين تمكن من معرفة تفاصيل المشروع من حاطوم سيف وشخص آخر وان قناة ستقام من بانياس على طول هضبة الجولان بطاقة مئة مليون متر مكعب من المياه في السنة وتصب في نهر اليرموك لمصلحة الاردن. وكان كوهين تعرف على مهندس لبناني في دمشق بواسطة حاطوم، ويدعى ميشال صعب شرح له الخطة موضحاً بالرسوم الأماكن التي ستمر فيها القناة على طول سبعين كيلومتراً. وحسب الاستخبارات الاسرائيلية فان حاطوم قال في تلك الليلة جملة ارسلها كوهين الى اسرائيل في الليلة نفسها وهي: "ليس المهم الانتفاع من المشروع المهم ألا تستفيد منه اسرائيل". وحسب الاقوال الاسرائيلية فان الرجل الثاني الذي زود كوهين بأخبار أكثر دقة واثارة هو مقاول عربي أسندت اليه مهمة حفر القناة كونه كان يملك آلات ضخمة للحفر. وتمكن كوهين من ارسال تفاصيل دقيقة لاسرائيل عن مشروع قناة بانياس وعن فترة تنفيذه 18 شهرا ومشروع اقامة مضخة كبيرة ترفع الماء عبر الجبال الى القناة على ارتفاع 350 مترا. وكان من نتيجة هذه المعلومات ان استعدت اسرائيل لكل الاحتمالات. وأوكلت لكوهين ايضاً مهمة التجسس على المنظمات التي تدرب المقاتلين، فتمكن من معرفة مكان موقع تدريبهم في القنيطرة، ما دفع اسرائيل الى تقوية دفاعاتها ومراقبتها الشديدة للحدود، خصوصاً في منطقة مضخة مياه تحويل مياه الاردن الى النقب. وحسب ما كتب كوهين في تقاريره فانه في العام 1964 فتح حاطوم أمامه خريطة المشروع الاسرائيلي، وأوضح له الأماكن التي يجب ان ينسفها رجال المنظمات، فأبلغ كوهين اسرائيل بالامر وبسرعة. وخلال تجواله في الهضبة السورية شاهد كوهين الاستحكامات الضخمة التي اعدتها سورية في مواجهة اسرائيل ونقل معلومات اعتبرتها اسرائيل ذات اهمية عسكرية ضخمة بالنسبة اليها، ومنها: وصف دقيق للاستحكامات وفي داخلها مدافع ذات مدى 24 كيلومترا واكثر. وصف بالصور للقوات في الاستحكامات التي تحوي في داخلها الدبابات والمدرعات. معلومات اساسية عن وصول 200 دبابة من نوع "ت54" السوفياتية. خطة عسكرية في حالة الهجوم من جانب اسرائيل، على اساسها تندفع دبابات سورية وتفتح ثغرة في الجليل الاعلى وتقطعه عن بقية اجزاء اسرائيل. مجموعة من الصور للمرة الأولى تصل الى اسرائيل عن طائرات "ميغ 21" التي كانت وصلت آنذاك الى سورية. وكان كوهين ينقل كل المعلومات الى تل أبيب بواسطة اللاسلكي او من جهاز لاقط وضعه داخل طاولات الزهر وساعده هذا الجهاز على نقل معلومات مباشرة عندما كان يمارس مع "زبائنه" لعبة طاولة الزهر. ومن خطط الاستخبارات لكسب ثقة السوريين كان كوهين يشتري الهدايا الثمينة ل"اصدقائه" في سورية بعد كل زيارة يقوم بها لاسرائيل، وكان آخرها معطفا من الجلد لزوجة الرئيس كما ورد في الكتاب. شارون يضيع الفرصة العمل الذي قام به كوهين جعله بطلاً قومياً في اسرائيل وربما جعله نجاحه في الحصول على معلومات حساسة ودقيقة، يعيش خلال زيارته الاخيرة لعائلته حالة خوف على مصيره، اذا اكتشفت السلطات السورية أمره. فهذا اللقاء الراسخ في ذاكرة زوجته كان يعكس عدم رغبته في القيام بهذه المهمة، وهذا ايضاً ما تكشفه الرسالة الاخيرة التي ارسلها الى زوجته قبل لحظات من اعدامه، وفيها يقول انه قام بهذه المهمة تحت الضغط الشديد من اسرائيل بعدما قطع عنه كل مورد للعيش. ويدعو زوجته الى ترك اسرائيل والعيش خارجها والتمتع بحرية كما تحيا الشعوب لا كما تحيا اسرائيل. واضاف: "احذروا من تكرار ما قمت به لأن العاقبة سيئة". هذه كانت الرسالة الاخيرة التي قرأها المسؤولون الاسرائيليون بخط يد ايلي كوهين، وربما ان مضمون الرسالة ما يزال يولد غضبا لدى المسؤولين، وربما ايضاً قد يكون السبب في جعل قضيته شبه منسية، وفي كل الأحوال فان عائلة كوهين لم تعد قادرة على تفسير عدم قدرة اسرائيل على اعادة الجثة في واحدة من الصفقات الكثيرة التي نفذت خلال الاربعين سنة الماضية. إلا أن الغضب الاكبر لدى العائلة ينصب اليوم على موقف رئيس الحكومة، ارييل شارون، الذي أبرم صفقة تبادل الاسرى الاخيرة مع "حزب الله". وتقول الزوجة: "التقينا بضع مرات مع المسؤولين الاسرائيليين وطرحنا موقفنا بخصوص ضرورة اعادة جثة ايلي. وكنا نرى ان الصفقة الاخيرة هي فرصة جيدة لتحقيق املنا هذا. ولكن لا نعرف ما الذي دفع شارون الى تنفيذ الصفقة من دون ان يشمل ايلي فيها". ويضيف موريس: "هذه الصفقة هي نجاح لحزب الله وفقط لحزب الله. ولا ندري ما الدافع لاطلاق سراح عدد كبير من الاسرى الفلسطينيين والعرب في مقابل استعادة ثلاث جثث لجنود، واطلاق سراح الحنان تننباوم من دون أن تشمل صفقة كهذه جثة ايلي، وكلنا يعلم العلاقة بين حزب الله وسورية وكيف كان يمكن ان يؤثر الامر لو كان هناك اصرار من قبل الحكومة الاسرائيلية". وتكشف الزوجة ان الحكومة الاسرائيلية كانت طرحت امام العائلة مرتين امكان مبادلة الجثة. في المرة الاولى، تقول: "وضعتنا الحكومة امام خيارين: اما اعادة جثة ايلي واما استرجاع جندي اسرائيلي وقع اسيراً في أيدي السوريين، وكانت بترت ساقه. بالطبع لا يمكننا ان نقول في مثل هذه الحالة اننا نريد جثة ايلي. كان من الطبيعي الرد الذي ارادته الحكومة باستعادة الجندي. وفي المرة الثانية قالت لنا الحكومة انها كانت طلبت من سورية استعادة جثة ايلي في مقابل 17 ضابطاً سورياً. وفي حينه قالت لنا الحكومة ان سورية رفضت طلبها بل، قالت لها "احتجزوا 17 ضابطا آخرين ولن نعيد الجثة". هذا الموقف السوري الرافض كلياً اعادة جثة كوهين كان واضحا لعائلته، لكنها في مرحلة معينة عاشت أملاً كبيراً باعادة الجثة. وكما يقول موريس، فإن الرئيس الراحل حافظ الاسد كان وعد برده على رسالة للعائلة ان الوقت سيحين لاعادة الجثة. ويكشف الشقيق ان العائلة أوصلت رسالة اخرى الى الرئيس السوري بواسطة صحافي يهودي زار سورية، بجواز سفر اوروبي. وهناك رسائل أخرى وصلت الى دمشق، بينها واحدة بواسطة السفير المصري السابق في اسرائيل محمد بسيوني. اما الرسالة الأخرى فوصلت الشهر الماضي الى القيادة السورية من الزوجة ناديا وتقول: "حتى هذه اللحظة لم نتلق الرد ولا ندري ان كان سيأتي رد، ولكن لم نفقد الامل. نحن نرى أن سورية ستأتي يوماً بمبادرة خاصة ضمن ما لاحظناه أخيراً من توجهها في المنطقة، وتعلن اعادة جثة ايلي". وما بين مساعيها المتواصلة لاستعادة الجثة والضغط على الحكومة الاسرائيلية لتشمل المرحلة الثانية من صفقة الاسرى مع "حزب الله" استعادة الجثة، تعيش العائلة على أمل استعادة الرفات. لكن غضب العائلة مستمر على الذين أرسلوا كوهين للتجسس