في تصريح شامل لصحيفة "نيويورك تايمز" 1/12/2003 أجاب الرئيس السوري بشار الأسد عن سؤال حول إحياء عملية السلام بين سورية واسرائيل بالقول: "نحن لا نتمنى فقط هذا الشيء بل ندعو اليه. وأكثر، فنحن ندعو كل الأطراف الدولية للمساهمة في اطلاق المفاوضات وبدء عملية السلام". وأشار الرئيس الأسد إلى أن "دور الولاياتالمتحدة هو الأساس في هذا العمل"، لذا دعاها الى "ثلاثة أمور: أولها امتلاك الرؤية الواضحة لعملية السلام، وثانيها امتلاك الأدوات المناسبة لهذه العملية، وثالثها الانطلاق بها، علماً أن سورية على استعداد لذلك كما انطلقت من مدريد عام 1991". هذا التصريح أثار الكثير من التحليلات والتأويلات، خصوصاً داخل الأوساط الاسرائيلية حول مبنى كلام الرئيس الأسد وإمكان استئناف المفاوضات بين سورية واسرائيل بمباركة ومساهمة أميركية. وجاء هذا التصريح في غمرة أحداث مأسوية دامية في فلسطينوالعراق وفي ظل أوضاع تشير الى شبه أفق مسدود بين الفلسطينيين وإسرائيل، وفي مرحلة تقوى الضغوط الأميركية وحتى الاقليمية على سورية. ومهما كانت احتمالات التفاوض ممكنة أو معدومة فإنها في كل الأحوال، كما كشفته المفاوضات السابقة، ستظل محكومة بأفقين أساسيين: تحدّيات الزمن... وراديكالية المواقف. فماذا يعني ذلك من منظور جيو - استراتيجي؟ أولاً: الموقف الاسرائيلي من اقتراح الأسد جاء اقتراح الرئيس السوري باستئناف المفاوضات مع اسرائيل بمثابة مفاجأة للأوساط الاسرائيلية كافة، التي ظلت لفترة من دون اتخاذ موقف منه. وعندما تأكد لها، عبر أطراف ثالثة، انه اقتراح جدي، ليس مجرد كلام للاستهلاك السياسي، انقسم الموقف داخل اسرائيل وحتى داخل الحكومة بين تيارين: الأول: يمثله رئيس الوزراء آرييل شارون والمتشددون من جماعة الاستيطان وضم الجولان. وفي رأي هؤلاء: 1- ان اقتراح الأسد هو مجرد مناورة لتخفيف الضغط عن سورية. 2- انه موقف تكتيكي القصد منه احراج اسرائيل والولاياتالمتحدة على حد سواء. 3- أنه أسلوب مناسب لانسحاب سورية من قائمة الدول الداعمة للارهاب والمالكة لأسلحة الدمار الشامل وبالتالي لإضعاف الصراع الدولي ضد الارهاب، خصوصاً أن سورية تشعر بأنها مستهدفة بعد ما حصل في العراق وإيران وليبيا. 4- ان تعطيل مفاعيل هذا الاقتراح يكون، في رأي جماعة شارون بإطلاق مواقف استفزازية تعطل المبادرة السورية وتثبّط عزيمة دمشق مسبقاً. وفي هذا الاطار تندرج تصريحات الوزير اسرائيل كاتز حول وجود خطة اسرائيلية لزيادة المستوطنات والمستوطنين في الجولان بنسبة 50 في المئة وتخصيص مبلغ 300 مليون شاقل لهذه الخطة وتعمّد القول: "ان اسرائيل لن تنسحب أبداً من الجولان"، في حين أكد أحد وزراء "المفدال" "أن الجولان ليس ورقة مساومة. فهو يهودي وسيبقى يهودياً". الموقف الثاني يمثله وزير الخارجية سيلفان شالوم وتيارات عسكرية وفكرية واعلامية. وفي رأي هؤلاء: 1- ان على اسرائيل ان تستجيب لاقتراح الأسد وتذهب في استقصاء المسار السوري حتى النهاية. 2- ليس من مصلحة اسرائيل، في المطلق، وبعيداً عن كل الاعتبارات السياسية والاستراتيجية ان ترد اليد السورية الممدودة باتجاه اسرائيل. ان اسرائيل ترتكب خطأ تاريخياً إذا لم ترد إيجاباً على هذه الدعوة. 3- ان الاختباء وراء المنطق القائل منطق جماعة شارون بأن "بادرة الأسد هي ناتج ضعف استراتيجي وليس مجرد عطف مفاجئ على اسرائيل"... هذا المنطق يؤكد ضرورة الاستجابة للمبادرة وليس رفضها لأنه يعزّز موقف اسرائيل ويليّن الموقف السوري التفاوضي عما كان عليه في الماضي القريب زمن كلينتون والبعيد زمن رابين. 4- انه من مصلحة اسرائيل السير في المسار السوري، ما دام المسار الفلسطيني مقفلاً، والوصول بالتالي الى سلام على حدودها الشرقية والشمالية مع سورية ولبنان. ومثل هذه الامكانية، ليست بديلاً او التفافاً على امكانية الوصول الى اتفاق مع الفلسطينيين بموجب "خريطة الطريق" التي تقف خلفها القوى الدولية الكبرى، بل على العكس من ذلك. فإن اتفاقاً على الحدود الشمالية يسهّل عملية التوصل الى اتفاق حول الضفة الغربية وقطاع غزة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة بشروط أفضل لإسرائيل. 5- يمكن لإسرائيل، بل يتوجب عليها، في رأي جماعة شالوم، ان تستجيب للدعوة السورية بالتنسيق الكامل مع الولاياتالمتحدة لئلا يؤثر موقف اسرائيل سلباً في السياسة الأميركية ازاء سورية، خصوصاً في مسألة محاسبة سورية والضغط عليها لتحقيق لائحة المطالب الأميركية المعروفة التي عرضها كولن باول على المسؤولين السوريين. 6- رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية أهارون زئيفي أكد أمراً جوهرياً وهو ان مبادرة الرئيس الأسد تمثل "تغييراً جذرياً" ولكنه أضاف: "من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان هذا التغيير تكتيكياً او استراتيجياً"! تاركاً الباب مفتوحاً على الاحتمالين. وفي خلاصة الموقف الاسرائيلي من مبادرة الرئيس السوري ان تيار شالوم وجد استجابة عريضة لدى الأوساط الاسرائيلية والدولية، ما حدا برئيس الوزراء شارون لأن يقطع الطريق من خلال مبادرتين قام بهما. الأولى، دعوة وزرائه الى "توخي الحذر الشديد حيال المبادرات السورية". وأكثر من ذلك "اقترح على الجميع عدم الخوض في هذا الموضوع". وفي الوقت عينه، أكد مستشاره رعنين غيسين ان "اسرائيل تبحث بجدية ما يرمي اليه الرئيس الأسد... ولا نترك حجراً من دون ان نقلّبه في ما يتعلق بالنيات السورية". الثانية، وضع عقبة كبرى أمام استئناف المفاوضات، بتشديد شارون في مجلس الوزراء "على ان المفاوضات مع سورية يجب ان تبدأ من نقطة الصفر" وليس من النقطة التي توقفت عندها "... زمن رابين!" كما كانت سورية تطالب ولا تزال! وفي هذا اشارة الى "وديعة رابين" بالانسحاب من كامل الجولان في كل تسوية مع سورية! ثانياً: المفاوضات المحتملة: من الشكل الى المضمون مهما كان الموقف الرسمي الذي ستتخذه الحكومة الاسرائيلية من مبادرة الرئيس الأسد السلمية فإن العبرة الحقيقية لن تكون في شكل التفاوض وتوقيته، وإنما في المضمون بل الجوهر الذي ستجرى حوله هذه المفاوضات إذا أجريت وهو ما يمكن اختصاره بالأسئلة الأساسية الآتية: 1- هل ستنسحب اسرائيل من كامل أراضي الجولان التي احتلتها عام 1967؟ 2- ما الذي ستكون عليه الحدود بين سورية واسرائيل من زاوية بانياس في شمال إصبع الجليل وصولاً الى الحمّة مروراً بمحاذاة نهر الأردن وبحيرة طبرية؟ 3- هل ستعمد اسرائيل الى الغاء قانون ضم الجولان الذي اتخذته الكنيست عام 1981؟ 4- وهل ستعود اسرائيل الى الحدود الدولية السورية - الاسرائيلية لعام 1923 خط بوليه - نيوكمب أم الى خط الرابع من حزيران يونيو 1967 كما تطالب سورية وتصرّ عليه؟ 5- أين ستمر الحدود التي يتم التفاوض بصددها عند الزاوية الشرقية - الشمالية لبحيرة طبرية؟ وهل يمكن الوصول الى حل وسط يقبل به الجانبان السوري والاسرائيلي بخصوص هذه الزاوية من سهل البطيحة حيث يلتقي ويتصادم الخطان الأحمران السوري والاسرائيلي بكل مفاعيلهما وأبعادهما الجيو - استراتيجية ومواقفهما الجذرية؟ راجع الخريطة المنشورة لبحيرة طبرية ولموقع سهل البطيحة. 6- وما دامت هذه العقدة بالذات أفشلت الاجتماع الأخير وما سبقه بين الرئيسين كلينتون وحافظ الأسد في جنيف عام 2000، فما الذي ستكون عليه الحلول البديلة الممكنة بين الجانبين السوري والاسرائيلي. وهل من مجال ومكان واحتمال للوصول الى حلول وسط في مسألة مبدئية تتعلق بالأرض والسيادة والشرعية الدولية؟ 7- ما هو مضمون السلام الذي تطالب به اسرائيل وتقبل به سورية؟ وهل من سلام خارج العدالة؟ وهل من عدالة خارج الحقيقة والانصاف؟ 8- وباختصار، ما هي وأين هي الحدود المشتركة "الآمنة والمعترف بها" بين الدولتين التي تحظى بالقبول لديهما وهي التي ستشكل قاعدة السلام بين الجانبين؟ ثالثاً: فتّش عن بحيرة طبرية من الواضح ان استراتيجية الدولة العبرية، بالنسبة إلى الأراضي المحتلة عام 1967، تختصر بالعمل على الاحتفاظ بأكبر مساحة ممكنة مع أقل عدد من سكان من العرب، وهذا هو وضع الجولان الذي يمثل بالنسبة إلى إسرائيل أهم عنصرين استراتيجيين: الأمن المائي والأمن العسكري. ولقد صار واضحاً من مجمل المفاوضات السابقة، بعد مؤتمر مدريد 1991، ومن مجمل المحاولات والاتصالات والاقتراحات التي قدمت للوصول الى حل او الى تسوية بين اسرائيل وسورية، ان عقدة العقد في الحل تتركز على مسار الحدود شرق بحيرة طبرية. كيف؟ 1- كان من أهداف الوكالة اليهودية، في سعيها لإنشاء كيان يهودي في فلسطين، حيازة أكبر كمية ممكنة من المياه لمصلحة الدولة العتيدة في منطقة فلسطين التي تشكل الصحراء نحو 69 في المئة من مساحتها وبالتالي انصب الجهد على ادخال بحيرة طبرية داخل الكيان الفلسطيني وعدم تقاسمها مع سورية... وهذا ما تحقق في "اتفاقية بوليه - نيوكمب" عام 1923 بدعم بريطاني وموافقة فرنسية حيث جعلت البحيرة داخل خريطة فلسطين التاريخية ولكن الحدود الدولية جعلت في القسم الشمالي - الشرقي من البحيرة، وتحديداً في سهل البطيحة على بعد عشرة أمتار فقط من مياه البحيرة وذلك على امتداد نحو ثمانية كيلومترات على طول الشاطئ الشرقي للبحيرة بدءاً من مصب نهر الأردن فيها. علماً أن ملحق "اتفاقية بوليه - نيوكمب" أكد ان "سكان سورية ولبنان ستكون لهم الحقوق ذاتها في الصيد والملاحة كسكان فلسطين على بحيرتي الحولة وطبرية وفي نهر الأردن بين البحيرتين". 2- في الحرب العربية - الاسرائيلية 1948 تخطّى الجيش السوري الحدود الدولية في ستة مواقع: في الزاوية الشمالية الشرقية لإصبع الجليل، وفي منتصف الطريق بين الحولة وطبرية عند الممر المعروف بجسر بنات يعقوب وعند مصب الأردن في بحيرة طبرية شمال البحيرة، وعلى الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية، خصوصاً عند الشريط الضيق الذي يفصل، نظرياً، مياه البحيرة عن البر السوري في سهل البطيحة. وبلغت مساحة الأراضي التي احتلها السوريون 5.66 كيلومتر مربع. وفي مفاوضات الهدنة واتفاقات الهدنة بين سورية واسرائيل أثبتت الأممالمتحدة مصير هذه الأراضي "معلقاً حتى اجراء مفاوضات بين الجانبين لحل القضية الفلسطينية، واعتبرتها مناطق منزوعة السلاح" 1949. 3- في الخمسينات عمدت اسرائيل الى احتلال جزء كبير من الأراضي المنزوعة السلاح 5.48 كلم2 بما يناقض اتفاقية الهدنة. ولكن سورية احتفظت ب18 كلم2 شرق بحيرة طبرية وبقسم من الجهة الشرقية لمجرى نهر الأردن بين الحولة وطبرية، هذا الواقع الحدودي الذي احتفظت به سورية على شاطئ طبرية حتى حدود المياه والشط الشرقي للنهر ظلّ قائماً حتى 4 حزيران 1967 حين شنت اسرائيل حربها على مختلف الجبهات ومنها الجبهة السورية. وكان أول هجوم قامت به على هذه الجبهة ذاك الهادف الى تطويق بحيرة طبرية من جهة الشرق وابعاد القوات السورية عن شاطئ البحيرة وعن شط مجرى النهر وهو ما عرف بالهجوم "لإقفال الدائرة" حول بحيرة طبرية وابعاد السوريين عن مجرى نهر الأردن! 4- ليس معروفاً الآن ما هو العرض الاسرائيلي الليكودي - الشاروني حول الانسحاب من هضبة الجولان حدوده ومداه وشروطه في أي مفاوضات يمكن ان تحصل بين حكومة شارون وسورية. ولكن الأمر المؤكد ان هذا العرض لن يصل الى استعادة 99 في المئة من الجولان كما اقترح ايهود باراك وعرضه الرئيس كلينتون على الرئيس حافظ الأسد في لقاء جنيف آذار/ مارس 2000 "باعتباره عرضاً رسمياً". وبحسب مذكرات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت "الحياة" 27/10/2003 سأل الرئيس السوري فوراً: "ماذا في شأن الأراضي؟". أجاب كلينتون: "الاسرائيليون مستعدون للانسحاب كلياً الى حدود متفق عليها بصورة مشتركة". وأخرج دنيس روس خريطة وعليها خط يمتد على طول الضفة الشرقية لنهر الأردن وبحيرة طبرية مع تحديد واضح لشريط الأرض الاسرائيلي أي الذي تقترح اسرائيل الاحتفاظ به بما يتخطى خط الرابع من حزيران 1967 ويمنحها أراضي تتخطى أيضاً حدود 1923 الدولية. وبحسب كلام أولبرايت في مذكراتها، فإن الواحد في المئة الذي اقترح باراك الاحتفاظ به شرق البحيرة والنهر تصل مساحته الى نحو 12 كلم2 على اعتبار ان مساحة الجولان المحتل هي 1200 كلم2 تقريباً. ومن دون ان ينظر الرئيس الأسد الى الخريطة، قال جازماً عن باراك: "إذاً هو لا يريد السلام. انتهى الأمر". ولم يكن الأسد مستعداً للاستماع الى أي أسانيد يقدمها الرئيس كلينتون، نقلاً عن باراك، حول هذا الشريط البري الضيّق المقترح اضافته الى دولة اسرائيل كي يشكل حدوداً جديدة "متفقاً عليها". وقد اختزلت أولبرايت عقدة العقد في المفاوضات السورية - الاسرائيلية بالقول: "ان الاسرائيليين لن يتراجعوا في شأن الحاجة الى يابسة أرض حول المياه. والأسد لن يقبل بسيادة اسرائيل على شبر مما يعتبره أرضاً سورية" "الحياة" 27/10/2003. رابعاً: الحلول المقترحة ل"عقدة العقد" ننطلق دائماً من فرضية القبول المشترك السوري - الاسرائيلي باستئناف مفاوضات السلام بين البلدين. ما هي الحلول المقترحة ل"عقدة العقد"؟ فحتى لو أوجد شارون عقداً جديدة، ومن المؤكد انه سيفعل "بعودته الى المفاوضات من نقطة الصفر"، ما يعني الغاء كل ما تحقق وعُرض من رابين وباراك، تبقى مسألة الاحتفاظ بشريط برّي حول شرق طبرية ونهر الأردن بطول يصل الى نحو 24 كلم وبعرض يصل الى نحو 500 متر كما اقترح باراك وعرضه الرئيس كلينتون هي الشغل الشاغل للكثير من المحللين والعسكريين والمفكرين الاستراتيجيين وذلك بالاجابة عن السؤال: كيف يمكن، وهل يمكن الوصول الى حل وسط الى تسوية بين الموقفين الراديكاليين السوري والاسرائيلي من هذه الاشكالية؟ وبالفعل، اجتهد كثيرون، خصوصاً في إسرائيل وخارجها في تصوّر حلول ممكنة لهذه العقدة المستعصية: حلول بعضها تسويفي وبعضها مستحيل وبعضها اغرائي وبعضها تجاري. ومن المفيد استعراض هذه الحلول التي تعبّر عن المنحى المركنتيلي لدى الجهات اليهودية، ونشير الى ثمانية منها جرى الحديث عنها في وسائل الاعلام: 1- تعديل الحدود الدولية وحدود 4 حزيران 1967 وجعلها على مسافة تراوح بين 300 الى 500 متر شرقي القسم الشمالي من البحيرة منطقة سهل البطيحة تحديداً وعلى الجهة الشرقية من نهر الأردن من جسر بنات يعقوب وصولاً الى بحيرة طبرية. وهو ما سماه كلينتون الشريط الضيق. وهو الاقتراح الذي رفضه الرئيس الأسد في شكل فوري وقاطع، علماً أنه الاقتراح، بل الخيار الأول لدى اسرائيل لأنه يتصل بأمنها القومي انطلاقاً من أمنها المائي! 2- الاقتراح الثاني ورد في "معاريف" 4/6/1999 وفيه الا يكون هناك وجود سوري عسكري او مدني ضمن الشريط المقترح لمدة طويلة حتى ولو لم يتم تعديل الحدود في شكل رضائي وقانوني بين البلدين. وبهذا يكون للزمن دوره في خلق الثقة بين البلدين! 3- الاقتراح الثالث يتصور امكان الفصل بين مياه طبرية من جهة واليابسة السورية من جهة ثانية. ويدعو هذا الاقتراح معاريف 4/6/1999 الى إقامة سد حاجز داخل البحيرة قبالة الشريط المقترح بحيث تحجز مياه البحيرة من جهتها الشرقية الشمالية ويستحيل الاتصال السوري بها. ويكشف هذا الاقتراح اهتمام الذهن اليهودي بالجدران الفاصلة منذ ذلك الزمان كحلول ممكنة لمشكلات اسرائيل الأمنية والديموغرافية... والمائية! 4- أما الاقتراح الرابع للحل فيستعين بدفاتر اليهود العتيقة في المنطقة عموماً وسورية خصوصاً. ويدعو هذا الاقتراح "النهار" 7/1/2000 الى ان لدى اليهود أراضي شاسعة في سورية بحسب الصندوق اليهودي وهم تركوها لدى تهجيرهم الى اسرائيل. وبالتالي تتم "المقايضة" بين هذه الأملاك وأملاك الشريط البري الحدودي شرقي طبرية! 5- ووجه الغرابة في الاقتراح الخامس الذي أطلقه بعض المسؤولين في حركة "شاس" هتزوفه كانون الأول/ ديسمبر 2000 وأشارت اليه "الحياة" 27/1/2000 وخلاصته: إذا كان السوريون يصرّون على استعمال مياه طبرية والضخ منها فليكن لهم ذلك لقاء السماح لاسرائيل بالضخ من مياه نهر الليطاني! 6- هناك اقتراح سادس، أشار اليه رابين 1992 من ضمن التفتيش عن حلول وسط بين سورية واسرائيل وهو الحل الداعي الى ان تستأجر اسرائيل أرض الشريط لفترة مديدة. وهو أسلوب اعتمد بين اسرائيل والأردن في وادي عربة وجرى تأكيده في الاتفاقية التي عقدت بين البلدين. 7- وفي سياق اشعال الذهن لاستنباط الحلول التي "ترضي الجانبين" طرح اقتراح سابع ومؤداه: تحويل هذه المنطقة حول البحيرة الى "منطقة حرة" بين الدولتين. 8- وآخر الاقتراحات التي نعرضها، يدخل في اطار الحلول الوسط، ما دعا اليه باتريك سيل "الحياة" 8/4/2000 من تحويل منطقة الشريط المتنازع عليه "الى منطقة سياحية مشتركة دولية". وبهذا يكون الحل حافظ على مبدأ عدم التنازل عن الأراضي السورية من جانب، كما حافظ على أمن اسرائيل المائي من جانب آخر! جميع هذه الاقتراحات - الحلول تبيّن الى أي مدى يأخذ الشريط الأرضي عند زاوية بحيرة طبرية أهمية جيو - استراتيجية استثنائية، ذلك انه في المحصلة الأخيرة نقطة التقاء لأربعة عناصر أساسية في الكيان الدولاتي لدى الدولتين المعنيتين: الحدود والسيادة والأمن والمياه. خامساً: الشرعية والزمن والمستقبل يرى الخبير الفرنسي في الجيو - استراتيجيا فريدريك أنسل انه ككل كيان سياسي في التاريخ، "فإن الحدود الدولاتية لدولة اسرائيل كانت وستبقى خاضعة لأمرين ثابتين في العلاقات الدولية: الحق والقوة" Res Publica - No.33. ويؤكد في دراسته عن حدود الدولة العبرية وهو بالمناسبة واضع كتاب عن هضبة الجولان ان اسرائيل "لن تعود الى حدود 1967، أي حدود اوشتوتيز" كما وصفها وزير خارجية اسرائيل الأسبق ايبا ايبان. وواضح انه كما أعلنت الدول العربية لاءاتها في قمة الخرطوم بعد هزيمة 1967 لا للتفاوض، لا للصلح ولا للاعتراف بإسرائيل، ردت اسرائيل بلاءاتها: لا للعودة الى حدود 4 حزيران 1967 ولا لعودة اللاجئين. وجاء القرار 242 ليطرح بين الاثنين "الغموض البناء" بل "الغموض الهدّام" الذي يشكل سراباً للجانبين! لكن الذي لا يذكره العرب وربّما لم يقرأوه وهو الأشد خطراً في موضوع القرار 242 وشرعية الحدود الدولية لإسرائيل والدول المحيطة بها، هو التفسير الأميركي لهذه النقطة من القرار 242، وهو تفسير تتبناه الادارات الأميركية منذ ذلك الوقت وإن كانت لا تعلنه صراحة مفضلة عليه القول بضرورة الوصول الى "حل وسط بين الجانبين". ففي "ورقة العمل" التي قدمتها الادارة الأميركية للدول الأربع الدائمة العضوية في مجلس الأمن "حول حل مشكلة الشرق الأوسط" 24/3/1969 اعتبرت الولاياتالمتحدة ان القرار 242 هو أساس التسوية وهذا عادي ومعروف، ولكن المهم وغير المتداول حتى الآن، خصوصاً لدى الأوساط العربية المعنية بالحدود بين اسرائيل وجيرانها سورية خصوصاً ولبنان وفلسطينوالأردن هو التفسير الأميركي للقرار 242 في موضوع الحدود. فلقد جاء في ورقة العمل الأميركية: "ترى الولاياتالمتحدة انه من غير الممكن الرجوع الى حدود او خطوط الهدنة التي كانت موجودة قبل الحرب العربية - الاسرائيلية في حزيران 1967. وتقترح الولاياتالمتحدة بدلاً منها تحديد حدود آمنة معترف بها من جميع دول الشرق الأوسط". وبالتالي "لا تعتقد الولاياتالمتحدة ان القرار 242 يستلزم انسحاب اسرائيل من جميع الأراضي المحتلة من دون استثناء". ومرة أخرى، يثمّر هنري كيسنجر ذكاءه ومركزه في خدمة اسرائيل. فبعد التفسير الأميركي للقرار 242 نيكسون - كيسنجر عاد كيسنجر بأسلوبه الساخر ليهزأ من القاعدة الشرعية الثانية للحل السلمي، وهو شعار مؤتمر مدريد "الأرض في مقابل السلام". وهو مرجعية مدريد التي تشدد عليها سورية خصوصاً. يقول كيسنجر ان هذه المعادلة تقوم على عنصرين متناقضين في الجوهر. فإن تقوم اسرائيل بإعادة الأرض الى العرب، فإنها تعيد كياناً مادياً جغرافياً محسوساً. في حين ان العرب يعيدون الى اسرائيل أمراً مشكوكاً فيه وهو الكلام أو الحكي... وهو كلام يمكنهم الرجوع عنه في أي لحظة من التاريخ. ولهذا دعا كيسنجر الى استبدال هذا الشعار بآخر وهو "الأرض في مقابل الزمن". وفي رأيه ان الزمن وحده الكفيل بتأكيد صدقية العرب في المسالمة مع اسرائيل. ولهذا لا بد من قيام تجربة طويلة بين الجانبين هي تجربة مرحلية تهيئ النفوس على الجانبين لقبول بعضهما بعضاً. ازاء المفاوضات السورية - الاسرائيلية المحتملة وراديكالية المواقف السورية والاسرائيلية في موضوع الحدود بين البلدين، خصوصاً ازاء عقدة العقد عند بحيرة طبرية، وإزاء الشعارات التي تطرحها عناوين الشرعية الدولية، إن بالنسبة الى القرار 242 أم بالنسبة الى "الأرض في مقابل السلام" وانطلاقاً من الموقف الأميركي الرسمي من هذه العناوين وهو موقف تضاعف في تصلّبه لمصلحة الدولة العبرية، ما الذي يمكن ان تستند اليه سورية في تفاوضها مع اسرائيل؟ لعل الجواب التاريخي الوحيد هو الذي قاله الرئيس حافظ الأسد لصحيفة "نيويورك تايمز" بالذات قبل ست وعشرين سنة 25/8/1977 وجاء فيه: "ان تطورات المستقبل ستحدد نظرتنا الى اسرائيل. وسيكون المستقبل لمصلحتنا من دون شك: فإسرائيل لديها عدد من السكان ولدينا أضعاف هذا العدد. وإسرائيل لديها مساحة من الأرض ونحن لدينا أضعاف عدة من تلك المساحة. ولديها ثروات معينة ولدينا أضعاف هذه الثروات. ولديها عدد من الاختصاصيين والفنيين ونحن على الطريق لأن يكون لدينا أضعاف ما لديها من العلماء والفنيين. ثم ان اسرائيل معتدية... ونحن على حق. وفي ضوء هذه المعطيات لا يمكن ان يكون المستقبل لمصلحة اسرائيل. ان الفارق التكنولوجي او النوعي الذي كانت اسرائيل تعتمد عليه يضيق شيئاً فشيئاً. وهو في طريق الزوال الى ان يصبح في نهاية الأمر لمصلحتنا". إنها تحديات الزمن... على الجانبين!