في الوقت الذي تتعرض فيه اسرائيل للضغط العالمي ان توقف العمل في الجدار الامني الفاصل بينها وبين الضفة الغربية نشأت فكرة لدى القيادات الامنية الاسرائيلية لشق جدار فاصل جديد بين اسرائيل ومصر. الفكرة تكاد تتسبب في أزمة بين البلدين لكن اسرائيل اوقفتها. تلك المنطقة الصحراوية في سيناء، وبالتحديد الحدود الفاصلة بين مصر واسرائيل، وعلى رغم مناخها الصحراوي الا انها باتت "جنة عدن" لتجار المخدرات وتجارة النساء والعمال الاجانب وحتى الجِمال الليبية والمصرية. هذه المنطقة التي رسمت فيها الحدود بين الدولتين منذ العام 1981 اثناء توقيع اتفاقية السلام، باتت اليوم مثار جدل في الاوساط الامنية والسياسية الاسرائيلية، في ظل تحولها خلال السنوات الاخيرة الى نقطة تجارية مربحة للعصابات ومفسدة لاسرائيل وسمعتها، خصوصاً أنها أصبحت المكان الاكثر أماناً للاستشهاديين الذين اخترقوها ودخلوا الى المناطق الفلسطينية وبالتحديد قطاع غزة، ما دفع الى طرح مشروع بناء جدار فاصل في هذه المنطقة، الا ان التخوف من رد فعل مصر واعتبارها ان بناء هذا الجدار يشكل اغلاق حدود، خصوصاً في هذه الفترة التي تشهد حساسية بين البلدين منذ ان سحبت مصر سفيرها من اسرائيل، حالا دون تنفيذه. لكن بعضهم يفسر عدم بناء هذا الجدار لطبيعة الارض الصحراوية التي لا تساعد على بنائه. وحسب ما تزعم اسرائيل فإن منطقة الحدود لم تشهد ازدهار تجارة المخدرات وتهريب النساء والعمال فحسب بل انها اصبحت المكان الاسهل لتهريب الاسلحة الى المناطق الفلسطينية. ويقول الاسرائيليون ان كميات كبيرة من بنادق كلاشينكوف والمسدسات والقنابل وحتى المواد المتفجرة التي تستعملها حركة "حماس" لصنع صواريخ القسام وصلت تهريباً عبر هذه الحدود. والنقطة الاسهل لعمليات التهريب هذه تكون في المناطق الفارغة بين "حالوتسا" و"نتسانا" و"وادي حريف" و"جبال ايلات". الخطوة الاولى التي اتخذتها اسرائيل لمنع المتسللين الفلسطينيين هي اغلاق الحدود من جهة رفح ما اضطر المهربين المسافرين الى الوصول عبر طابا وشرم الشيخ، لكن هذه الخطوة لم تؤدِ الى نتيجة، فهذه المنطقة التي تقلق الاسرائيليين باتت أكثر المناطق ازدهاراً في مهنة التهريب. حذاء الارنب خط الحدود بين مصر واسرائيل وطوله 215 كيلومتراً، هو نقطة الامان لعصابات التهريب. فلا يكاد يمر يوم الا وتنفذ عبره عمليات تهريب: مخدرات بكافة انواعها وكذلك الجِمال الليبية والمصرية التي يستخدمها البدو في هذه المنطقة. اضافة الى فتيات للعمل في الدعارة والعمال الاجانب الذين يبحثون عن لقمة خبز وترفض اسرائيل منحهم التصاريح. أما الأرباح فبعشرات ملايين الدولارات، والمشاركون هم من البدو المصريين الذين اعتاشوا سنوات طويلة من السياحة الاسرائيلية المصرية في هذه النقطة وافتقدوها خلال السنتين الاخيرتين، اضافة الى بدو من النقب الذين يعيشون أصلاً حياة اقتصادية اجتماعية قاسية في ظل سياسة التمييز والعنصرية المنتهجة تجاههم من قبل حكومات اسرائيل المتتالية. اما الداعمون لهذه العمليات وضمان نجاحها وتنفيذها فهم من الجنود والضباط وقصاصو الاثار البدو الذين خدموا في الجيش الاسرائيلي، ومنهم ما زال يخدم في الجيش. وفي هذه المنطقة بالذات لا يستطيعون الا التعاون مع اقاربهم وابناء عشيرتهم حتى وان ضبط قريب لهم متلبساً بجريمة التهريب فلا يمكنه الابلاغ عنه او اعتقاله. فهذا الجندي او الضابط في الجيش الاسرائيلي يقع بين المطرقة والسندان، فهو إذ أبلغ عن المهربين ربما تكون رصاصة واحدة الرد الاول والاخير على هذا البلاغ، وان لم يفعل ذلك وعلم الجيش الاسرائيلي وأجهزة الأمن بأمره يتحول في نظرهم الى "خائن للأمانة"، وتهمته لا تقل خطورة عن تهمة منفذي عمليات التهريب. أساليب التهريب متعددة، بل ان منفذيها يبتدعون الاساليب التي يصعب على الجيش او قصاصي الاثر كشفها. وتتم عملية التهريب بتنسيق بين عصابات المافيا في أوروبا وتجار المخدارت داخل اسرائيل، ومعظمهم من بدو النقب بالتعاون والمساعدة من قبل البدو المصريين الذين يعتاشون مع عائلاتهم من السياحة عند حدود رفح والتي تعاظمت المراقبة عليها خلال السنوات الثلاث الاخيرة وبالتحديد منذ انتفاضة الاقصى. تجار الطرف الاسرائيلي ولدوا وكبروا في هذه المنطقة ويعرفونها شبراً شبراً، اضافة الى انهم يحرصون على دراسة تحركات الجيش ويمتلكون الخرائط اللازمة لذلك حتى طرق مراقبته عمليات التهريب، ما يضمن تنفيذ عملية التهريب بنجاح. وعلى رغم ان اسرائيل قررت خلال الاشهر الاخيرة اقامة وحدة خاصة لمحاربة هذه العصابات الا انها تؤكد انها لا تضبط سوى عشر العمليات التي تتم، فالموازنات التي وفرتها الحكومة لهذا الموضوع قليلة جداً وعدد افراد هذه الوحدة لا يصل الى نصف القوى التي تحتاجها عمليات ضبط هذه العصابات ومنع عمليات التهريب، اضافة الى مهارة المهنة لدى المهربين، فحتى آثار التهريب يحرصون على محوها، اذ صنعوا احذية خاصة لهم على شكل اقدام الارانب والجِمال، ما يجعل في شبه المستحيل على الجنود التمييز بين آثار أقدام المهربين وآثار أقدام هذه الحيوانات. الطريقة الأسهل أكثر وسيلة تستعملها عصابات تهريب المخدرات هم الاطفال المصريون الذين يعيشون مع عائلاتهم في سيناء، فهناك عمليات تهريب لا يمكن تنفيذها بواسطة المراكب فيستعينون بهؤلاء الاطفال. ومنذ مطلع هذه السنة اعتقلت اسرائيل عشرة أطفال مصريين يحملون الحقائب وفيها عشرات كيلوغرامات المخدرات. وعموماً يستعينون بالاطفال لدى تهريب الماريجوانا بوضع الكمية داخل حقيبة صغيرة يضعها الطفل على ظهره ويسير في الصحراء حتى نقطة الحدود. وكل والد طفل يتقاضى بدلاً لقاء هذه المهمة قبل تنفيذها، بحسب تسعيرة محددة بناء على الكمية المهربة. في مقابل تهريب 20 كيلوغراماً من الماريجوانا يتقاضى والد الطفل المهرب حوالي 150 دولاراً. اما تنفيذ العملية فيتم بواسطة الاجهزة الخليوية وباللغة العربية حتى لا يتم كشف الامر من الجانب الاسرائيلي. ولدى حصول الطرف الاسرائيلي على المواد المهربة تتم تخبئتها في مغاور في منطقة وعرة في جبل حوريف. ويعترف والد أحد الاطفال الذين ضبطوا بأن الدافع الى تشغيل ابنه وهو شخصياً في هذه "المهنة" الجوع، ويضيف: "في سيناء الوضع سيء للغاية. فلا طعام لنا ولا حتى حياة مستورة وهذا يدفعنا الى تهريب المخدرات، خصوصاً ان السياحة باتت مشلولة من اسرائيل واوروبا في هذه المنطقة خلال السنوات الثلاث الاخيرة. تهريب المخدرات أفضل من موتنا جوعاً". وترتفع تسعيرة المخدرات اضعافاً كبيرة عند وصولها الى اسرائيل، ففي سيناء تصل تسعيرة الكيلوغرام من الماريجوانا الى مئتي جنيه مصري، وفي اسرائيل يرتفع السعر الى 700 دولار. واضافة الى الاطفال والبدو في سيناء يقوم احياناً كثيرة المهربون بنقل المخدرات بواسطة الجِمال وكلاب الصيد والدراجات وسيارات الجيب. احدى عمليات التهريب التي لم تنجح الشرطة الاسرائيلية في كشفها جرت بعملية جراحية للجِمال حيث يتم فتح "سنان" الجمل ووضع المخدرات داخلها ثم يجري تقطيب المنطقة وتغطيتها ولدى وصول الجمل الى الطرف الاسرائيلي تجرى له عملية جراحية اخرى لاخراج المخدرات. والجِمال لا تخدم التجار من خلال تهريب المواد بل انها بحد ذاتها تجارة مربحة. ففي منطقة النقب تستعمل الجمال بشكل كبير ومعظمها تصل من مصر وليبيا، ولكل جمل مهرب تسعيرته الخاصة، فالجمل الليبي ثمنه حوالي ألفي دولار، اما الجمل المصري فيصل ثمنه الى ألف دولار. تجارة البغاء المصدر الثاني لعصابات التهريب فتيات الهوى، وهذه ليست تجارة جديدة في اسرائيل. ففي دراسة حول تجارة النساء احتلت اسرائيل المرتبة الثالثة في العالم. والحدود المصرية هي المصدر الاساسي لانعاش هذه التجارة. فالعصابات الاوروبية باتت تدرك جيداً ان طرق الالتفاف على الامن الاسرائيلي في المطار لم تعد ناجحة لادخال فتيات وتشغيلهن في تجارة الدعارة، وباتت عملية التهريب الاضمن عبر حدود سيناء. والعلاقة هنا تكون عبر اصحاب مكاتب الدعارة في اسرائيل بالتعاون مع عدد من البدو في النقب وسيناء الذين يساهمون في قيادة السيارات التي تختبئ فيها الفتيات. فدور صاحب بيت الشعر في سيناء يتركز على مراقبة الحدود واطلاق اشارته الى ان المنطقة خالية من اية دورية، وعندها فقط تنطلق المجموعة متسللة عبر الحدود. الفتيات يسرن مشياً على الاقدام لمسافة ليست طويلة، ولكن بسرعة قبل وصول الدورية. فهذه أوامر السماسرة الذين يرافقونهن. وتبدأ الشابات بعبور طريق صحراوية خطيرة حتى يصلن الى النقطة الاسرائيلية. حيث يكون في انتظارهن شركاء آخرون في العصابة ينقلون الفتيات الى بيوت الدعارة. خلال السنة الحالية ضبطت اسرائيل اكثر من مئتي فتاة وصلن بواسطة التهريب، والتقديرات الاسرائيلية تشير الى انه خلال السنوات الاربع الاخيرة دخلت الى اسرئيل اكثر من 1500 فتاة للعمل في الدعارة، يتراوح "ثمن" الفتاة الواحدة ما بين 7 و20 الف دولار، حسب الجيل والجمال، اما الحصة التي يتقاضاها صاحب بيت الشعر ومراقب الحدود فلا تكاد تذكر. اما العمال الاجانب فتسعيرة كل واحد منهم فتبلغ حوالي 3 آلاف دولار، ويصل سنوياً الى اسرائيل الآلاف منهم، معظمهم من تركياواثيوبيا واوروبا الشرقية. وفي آخر حملة اسرائيلية على عمليات التهريب تم ضبط اربعة اكاديميين من اثيوبيا وصلوا الى الحدود يرتدون البدلات وربطات العنق وفي حوزتهم الاف الدولارات لدفعها للتجار في مقابل عمليات التهريب. قصاصو الاثر التخوف الاسرائيلي من انتشار هذه التجارة وعدم القدرة على الحد منها يظهران لدى حديث المسؤولين الاسرائيليين عن الدور الذي يلعبه "قصاصو الاثر" من البدو الذين يخدمون في الجيش. فحسب تقرير للشرطة الاسرائيلية فان هؤلاء يغضون النظر عن عمليات التهريب وليس فقط لا يبلغون قادتهم في الجيش عنها بل انهم احياناً كثيرة يلعبون دوراً في مساعدة المهربين، خصوصاً اذا كانوا من اقاربهم. فهؤلاء يوصلون المعلومات للمهربين عن تحركات الجيش وحرس الحدود ولدى وصول أية معلومة عن قيام الجيش بحملة خاصة لضبط المهربين يحولونها الى وسيلة تحذير. ويشير التقرير الاسرائيلي الى ان ضباطاً في الجيش الاسرائيلي على اطلاع على التحركات العسكرية في هذه المنطقة تحولوا الى وسيلة لانجاح عمليات التهريب بكل انواعها. وفي ملفات المحاكم الاسرائيلية هناك ضباط متهمون حتى بتجارة المخدرات احدهم يدعى ف.م. ضبط وفي حوزته 14 كيلوغراماً من الهيروين. وقد اطلق سراحه بعد قضاء فترة محكوميته، لكن ألقي القبض عليه مرة ثانية بعدما قام ببناء دفيئة زراعية فيها ماريجوانا للتجارة. الجدار الفاصل تقليص الموازنات الاسرائيلية في أجهزة الامن الى خفض عدد افراد الوحدة المخصصة لمحاربة التهريب، من أربعين عنصراً الى ثمانية فقط. وكما يظهر فان محاربة اسرائيل لظاهرة التهريب هذه لا تؤخذ على محمل الجد كما هو الامر في محاربة تسلل الانتحاريين، كما تسميهم اسرائيل، من مصر الى اسرائيل، خصوصاً انها ضبطت خلال الاشهر الستة الاولى من هذه السنة ضبطت وهم يحاولون التسلل الى اسرائيل وفي حوزتهم أحزمة متفجرة. ويعترف الاسرائيليون ان دخول المتسللين الى اسرائيل أمر سهل جداً، وكما قال ضابط اسرائيلي فإن نجاح تهريب المخدارت وفتيات الدعارة والعمال الاجانب يشجع منفذي العمليات الاستشهادية للدخول الى الحدود الاسرائيلية، فهم يرون ان المئات وربما الآلاف يدخول بكل سهولة الى اسرائيل لذلك يفضلون الشيء نفسه، لذلك لا يجد الاسرائيليون الا وسيلة واحدة لمحاربة الظاهرتين معاً، عن طريق بناء جدار فاصل. ولكن بناء هذا الجدار الذي يبلغ طوله 215 كلم سيكون مستحيلاً وتكفي الاشارة الى ان تكلفته تصل الى حوالي بليون دولار ذئب الصحراء لأقتناص المهربين "ذئب الصحراء" هي الصفة التي اطلقها الجيش الاسرائيلي على شرطي بدوي اسمه عماد. فقد وجدت الشرطة انه الطريق الاسهل لضبط عصابات لتهريب المخدرات من البدو. ووافق عماد ان يتحول الى وكيل سري لها. ونجح عماد في اختراق واحدة من اكبر عصابات تهريب المخدرات وساعد في ضبط 19 منها في حملة خاصة، عقد بعدها الجيش يوماً دراسياً في جامعة بن غوريون بمشاركة 400 شرطي. هذا الاسم اطلق على عماد كون عمله كان قاسياً وخطيراً، فعلى مدار اشهر طويلة نجح في اختراق هذه العصابة، وتجول بحرية مطلقة بين الخيام في منطقة الصحراء وتعرّف خلال ذلك على كل ما يدور في منطقة تهريب المخدرات. وقام ضابط شرطة بإبلاغ أهل عماد ان ابنهم غادر عمله لمدة سنة في عطلة دراسية. ونجح عماد في ان يتحول الى صديق لأفراد هذه العصابة. وخلال فترة عمله السري ساهم في الأتجار بكميات كبيرة من الماريجوانا والكوكايين والهيروين والحشيش، وبواسطة كاميرا خفية قام بتصويركل عمليات التهريب. وفي أكبرها جرى التنسيق مع الشرطة الاسرائيلية التي وصل 30 من افرادها الى موقع عملية التهريب والقي القبض على 19 مهرباً، وكان في حوزتهم عشرات آلاف الدولارات وسيارات فاخرة، صودرت جميعها.