دخلت المرأة عالم الرياضة منذ زمن طويل، واستطاعت شيئاً فشيئاً اثبات قدرتها على ممارسة مختلف أنواع الرياضة، بما فيها كرة القدم والملاكمة التي كانت حكراً على الرجال، لكن دنيا الاعلام لا تقبل حتى الآن وجود المرأة في مختلف الرياضات، وهي تتجاهلها في الكثير منها وتُقبل على نشر صورها في الألعاب الرياضية الراقصة التي تُظهرها في كامل رشاقتها وانوثتها، كالتزحلق على الجليد أو الباليه المائي. لا يجرؤ أحد اليوم على انتقاد قدرة المرأة على الوصول الى درجات الكمال في ميدان الرياضة. فكثيرات هن الرياضيات اللواتي حققن الأرقام القياسية وسبقن الرجال في بعض أنواع الرياضة، كسباق اليخوت المنفرد الذي فازت به اكثر من امرأة، وكثيرات ايضاً اللواتي يمارسن الرياضة يومياً أو اسبوعياً بهدف الحفاظ على الرشاقة واللياقة البدنية. لكن على رغم ذلك هناك ممارسات تحمل الكثير من التمييز بين الرياضي والرياضية، في مختلف المجالات، خصوصاً في المادة الاعلامية. منذ الطفولة تبتعد الفتيات عن ألعاب المنافسة والقوة والمواجهة، على عكس الصبيان الذين يحبون اظهار قوتهم الجسدية، وعندما يدخل المراهقون عالم الرياضة، تختلف شروط الحياة الرياضية بين جنس وآخر، فممارسة الرياضة عند الفتيان تتميز بنظام تدريبي وتقني، اضافة الى التمسك بقيم النجاح الجماعي، وحتى النجاح الفردي له قيمة الفوز الجماعي الذي يعود للنادي أو للرفاق أو للمدرسة. أما الالتزام الرياضي لدى الفتاة فيقوم على مبدأ التدريب الفردي اكثر مهن على الالتزام الجماعي، فالفتاة تهتم اكثر بالرياضات الفردية التي تبرز قيمة فنها الرياضي اكثر من قوتها الرياضية. هذه المبادئ والممارسات الرياضية يعتاد عليها الفتى والفتاة، بشكل عام، منذ الطفولة، في حصص الرياضة المدرسية وخارجها وكأن طريقة أو شروط الالتزام الرياضي لكل منهما، تأخذ مفهوم المجتمع من حيث امكانية الرجل والمرأة، والدور الذي يميز واحدهما عن الآخر. وبالتالي تصبح شروط الممارسة الرياضية كالشروط المهنية، هناك مهن خاصة بالرجال واخرى بالنساء. ورغماً عنها، تهتم المرأة الرياضية بمظهرها الجسدي، حتى في مباريات القوى للألعاب الأولمبية، كل هذا إرضاء لمفهوم اجتماعي وايضاً لرجال الاعلام. هناك غياب شبه تام للرياضة النسائية في الاعلام، وعندما تتحدث الصحافة عن المرأة الرياضية، فمعنى ذلك انها حققت انجازاً رياضياً كبيراً، أو فضيحة ما. المهم ان التعليق على الفوز الرياضي يحتل حيزاً صغيراً من المادة الاعلامية، لكن الكلام عن الحياة الخاصة والمغامرات والعائلة يتعدى الصفحة الكاملة، اذا ما وجد الصحافي صوراً مناسبة ومغرية للريبورتاج. إضافة الى هذا التمييز الاعلامي، نجد ان عدد الصحافيات العاملات في المجال الرياضي قليل جداً في أوروبا. فنقابة الصحافة الرياضية الفرنسية مثلاً تضم 90 صحافية من أصل 1800 عضو. اما في العالم العربي، وعلى رغم الانجازات الرياضية النسائية، خصوصاً في العاب القوى الجزائر والمغرب مثلاً فلا وجود للصحافة الرياضية النسائية. فالرياضة النسائية تحتل نسبة ضئيلة في الصفحات الرياضية للصحف والمجلات، وهي شبه معدومة في المجلات النسائية عموماً والعربية منها بشكل خاص، فالاهتمام بالجمال والرشاقة وآخر صيحات الموضة يطغى على الانجازات النسائية الفكرية والرياضية. اما الاعلام المرئي فيركز على لعبة كرة القدم للرجال والملاكمة وسباق السيارات. ثم تأتي ألعاب القوى الأولمبية، هذا الأمر غير مستغرب اذا أدركنا ان الصحافة الرياضية يحتكرها الرجال. والرجل يرى في المرأة، حتى الرياضية منها، الجمال والأنوثة قبل الانجاز الرياضي، فهو يريد من الرياضية ممارسة الرياضة بابتسامة وهدوء، لذلك تنشر الصفحات الرياضية، غالباً، صورة وجه يبتسم للاعبة ثانوية لم تحقق أي انجاز يذكر، فيما نرى صورة الفائزة مثلاً وهي تجري وسط المباريات أو أثناء تسلمها الميدالية. ان الصحافي الرياضي كرجل، يفضل المرأة كما يعرفها، أي المرأة التقليدية، لذلك تحتل صفحاته وشاشة التلفزة وجوهاً تبتسم وسط مكياج لطيف لنساء تمارس رياضة التزحلق على الجليد والبالية المائي وغيرها من الرياضات التي تبرز أنوثة المرأة لا الملامح المتشنجة لوجه صبية تجري لتحطم رقماً قياسياً، مثل المغربية نوال المتوكل أو الأميركية فلورانس غريفيث جوينير صاحبة المكياج المبالغ فيه والأظافر الطويلة المتعددة الألوان. كما تبحث الصحافة الرياضية دائماً عن الرياضية ذات القد الممشوق وكأنها تريد من الرياضيات ان يكن متشابهات، وهذا الأمر صعب التحقق حتى في رياضات الرجال، فمن المستحيل ان يكون رامي الكرة الحديد أو القرص مثلاً رجلاً رشيقاً ذا وزن طبيعي وجسد نحيف، فهذا الوصف ينطبق على عداء المسافات الطويلة والماراثون، بينما على رامي الكرة ان يكون صاحب جسد ضخم وعضلات بارزة وقوة جسدية واضحة تساعده على ممارسة اللعبة. وغالباً ما تطلب شركات الاعلانات من الرياضيات الاهتمام بمظهرهن، مثل تسريحة الشعر والمكياج ووضع الجواهر الخفيفة وطلي أظافر اليدين. المرأة الساحرة والرجل القوي راقصة باليه مائي، نعم. لاعبة كرة قدم، لا. هكذا يرفض الاعلامي الرياضية التي تقتحم ميادين رياضية هي حكراً على الرجال، من هنا نرى استبعاد لاعبات كرة القدم والركبي والملاكمة عن دنيا الصحافة. وفي حال نشر بعض الاخبار الخاصة بهن، فإنها تكون للانتقاد أو الشك بأنوثة بعض اللاعبات وتشبيههن بالرجال. وساهم هذا الاعلام الذي لا يحب المرأة "المسترجلة" منذ منتصف القرن العشرين، بفتح قضايا الشك بأنوثة بعض لاعبات السباحة والعاب القوى. وفي الستينات تم وضع بند "اختبار الأنوثة" ضمن قانون الألعاب الرياضية. مع الزمن، تطورت تقنية التدريب في مختلف أنواع الرياضة، وتغير بالتالي الجسم الرياضي لدى الرجل والمرأة معاً وقوي التشابه بينهما، خصوصاً طريقة ممارسة اللعبة الضربات القوىة في لعبة كرة المضرب. اضافة الى تعاطي بعض اللاعبات سباحة وألعاب قوى... للهرمون الذكر لاكتساب قوة عضلية عالية، ما أدى الى خلط كامل لطبيعة الجسم البشري، أي لأنوثة المرأة الرياضية الطبيعية والاصطناعية. ان الرياضة تتطلب، بكل بساطة، نساء طبيعيات، ورجالاً طبيعيين بكل معنى الكلمة. وممارسة التدريب اليومي المتواصل يغير من دون شك جسم اللاعب واللاعبة، من حيث القوة العضلية والقدرة على تحمل المجهود، لكنها لا تغير في اي حال في طبيعة الجسم البشري ولا الأنوثة أو الرجولة. ان الرياضة تريد ان تقدم لجمهورها نساء مثاليات، جميلات وساحرات، وكذلك رجالاً هم مثال الرجولة والقوة والشجاعة. هذا ما يطلبه المجتمع من الرياضة والرياضيين ليحلم بالانسان الأجمل والأقوى. ان الممارسات الرياضية والصور والريبورتاجات في الاعلام الرياضي، تملك كلها نقطة واحدة مشتركة: إظهار أنوثة المرأة وقوة الرجل صور اعلامية لتمييز رياضي صورة أولى: "جرت يوم الاحد قبل الماضي، في ملعب المدينة الرياضية في بيروت، بطولة ألعاب القوى في الوثب العالي للسيدات. وفازت بالمرتبة الأولى لاعبة النادي الفلاني محققة رقماً قياسياً محليا". انتهى الخبر كما بدأ، بسيطاً موجزاً خالياً من كلمة تشجيع ومن صورة البطلة. ظهر هذا الخبر ببساطة في جميع الصحف اليومية، باستثناء واحدة أطلت على قرائها بسلسلة من الصور المتتابعة والمصغرة، في صفحتها الأولى، للبطلة السابقة في الوثب العالي، مع عنوان عن تحطيم رقمها القياسي، والتتمة في الصفحة الرياضية. بالطبع لا وجود لصورة البطلة محطمة الرقم القياسي في الصفحة الرياضية. بل تكررت سلسلة الصور للبطلة السابقة وهي تقوم بعدد من القفزات، التحضيرية بوجه هادئ وعلى طريقة المقص المعروفة، فقط من اجل التصوير، لأنها في الواقع تستخدم طريقة فوسبري لأنها الأفضل اسوة بالبطلة الحالية. وعند سؤال المصور عن صورة البطلة محطمة الرقم القياسي، يجيب ضاحكاً ان المدير اختار صور البطلة السابقة مع قامتها الطويلة والامتداد الأنيق لجسمها الرياضي الأنثوي خلال عملية القفز! صورة ثانية: منذ ظهور المرأة للمرة الأولى في الألعاب الأولمبية عام 1900، لم تتوقف اقلام رجال الصحافة والتربية الرياضية والنفسية وعلماء الاجتماع عن الكتابة. وكان نقدهم هازئاً هداماً اكثر منه ايجابياً ومشجعاً. ووسط جلبة الاعلام وثرثرة الاقلام، لم تتوقف المرأة عن التطور في المجال الرياضي اسوة بتطور المجتمع السياسي والثقافي والاقتصادي. وحتى اليوم لم تتغير كثيراً صورة المرأة في الاعلام الرياضي الذي نادراً ما يقنل الجهد الحي والحقيقي لوجه بطلة رياضية اثناء المباراة أو اللعبة الرياضية. فمن يتذكر وجوه العداءات العالميات خلال اللحظات الأخيرة التي تفصلها عن خط النهاية؟ نتذكر جميعاً ابتسامة المغربية نوال المتوكل وفلورانس غريفيث الاميركية وغيرهما بعد الفوز وتحقيق الرقم القياسي، اي بعد الجهد المرتسم على الوجه خلال المباراة. صورة ثالثة: "نالت العداءة المغربية نوال المتوكل جائزة الرياضية المثالية لعام 2003، التي قدمتها الجمعية الايطالية العالمية "ميسانتي" تقديراً لجهودها والنشاطات التي تقوم بها في سبيل تطوير الرياضة النسائية". ونوال هي عضو ناشط في اللجنة الأولمبية العالمية وفي الاتحاد الفيديرالي العالمي لألعاب القوى. وهي سفيرة متطوعة في منظمة اليونيسيف. والجائزة عبارة عن ميدالية من الذهب يبلغ وزنها خمسين غراماً، ونالتها في العام 1999 البطلة الجزائرية حسيبة بولمرقة.